وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)

( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه ) ذكر الكناية لأجل " من " وقيل : رد الكناية إلى ما في الإضمار ، مجازه : ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مختلف ألوانه ) ( كذلك ) يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال ، وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال ابن عباس : يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عمر بن حفص ، أخبرنا الأعمش ، أخبرنا مسلم ، عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها : صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فخطب فحمد الله ثم قال : " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " .
وقال مسروق : كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا . وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم ، فقال الشعبي : إنما العالم من خشي الله - عز وجل - .
( إن الله عزيز غفور ) أي : عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده .
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)

" كذلك " هنا تمام الكلام ; أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته ; فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية ، كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إنما يخشى الله من عباده العلماء قال : الذين علموا أن الله على كل شيء قدير . وقال الربيع بن أنس من لم يخش الله تعالى فليس بعالم . وقال مجاهد : إنما العالم من خشي الله عز وجل . وعن ابن مسعود : كفى بخشية الله تعالى علما وبالاغترار جهلا . وقيل لسعد بن إبراهيم : من أفقه أهل المدينة ؟ قال أتقاهم لربه عز وجل . وعن مجاهد قال : إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل . وعن علي رضي الله عنه قال : إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ; إنه لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا علم لا فقه فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها . وأسند الدارمي أبو محمد عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ، ثم تلا هذه الآية : إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله وملائكته وأهل سماواته وأهل أرضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير الخبر مرسل . قال الدارمي : وحدثني أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن يزيد بن حازم قال حدثني عمي جرير بن زيد أنه سمع تبيعا يحدث عن كعب قال : إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل ، ويتفقهون لغير العبادة ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، ويلبسون جلود الضأن ، قلوبهم أمر من الصبر ; فبي يغترون ، وإياي يخادعون ، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران . خرجه الترمذي مرفوعا من حديث أبي الدرداء وقد كتبناه في مقدمة الكتاب . الزمخشري : فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ ( إنما يخشى الله ) بالرفع ( من عباده العلماء ) بالنصب ، وهو عمر بن عبد العزيز . وتحكى عن أبي حنيفة . قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس من بين جميع عباده . إن الله عزيز غفور تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم ، وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم . والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى .
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)

ومن ذلك: الناس والدواب، والأنعام، فيها من اختلاف الألوان والأوصاف والأصوات والهيئات، ما هو مرئي بالأبصار، مشهود للنظار، والكل من أصل واحد ومادة واحدة.
فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة اللّه تعالى، التي خصصت ما خصصت منها، بلونه، ووصفه، وقدرة اللّه تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمته ورحمته، حيث كان ذلك الاختلاف، وذلك التفاوت، فيه من المصالح والمنافع، ومعرفة الطرق، ومعرفة الناس بعضهم بعضا، ما هو معلوم.
وذلك أيضا، دليل على سعة علم اللّه تعالى، وأنه يبعث من في القبور، ولكن الغافل ينظر في هذه الأشياء وغيرها نظر غفلة لا تحدث له التذكر، وإنما ينتفع بها من يخشى اللّه تعالى، ويعلم بفكره الصائب وجه الحكمة فيها.
ولهذا قال: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } فكل من كان باللّه أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية اللّه، الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية اللّه، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }
{ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ } كامل العزة، ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات.
{ غَفُورٌ } لذنوب التائبين.
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)

وقوله ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ) كما من الثمرات والجبال مختلف ألوانه بالحمرة والبياض والسواد والصفرة، وغير ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ) أحمر وأخضر وأصفر ( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ) أي: طرائق بيض ( وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ) أي: جبال حمر وبيض (وَغَرَابِيبُ سُودٌ) هو الأسود يعني لونه كما اختلف ألوان هذه اختلف ألوان الناس والدواب والأنعام كذلك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ) طرائق بيض وحمر وسود، وكذلك الناس مختلف ألوانهم.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان، عن جويبر عن الضحاك قوله ( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ) قال: هي طرائق حمر وسود.
وقوله ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) يقول تعالى ذكره: إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء، بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته؛ فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي قال: ثنا عبد الله قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) قال: كان يقال: كفى بالرهبة علمًا.
وقوله (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) يقول تعالى ذكره: إن الله عزيز في انتقامه ممن كفر به غفور لذنوب من آمن به وأطاعه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features