وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)

( ولا يأتونك ) يا محمد يعني : هؤلاء المشركين ، ) ( بمثل ) يضربونه في إبطال أمرك ( إلا جئناك بالحق ) يعني بما ترد به ما جاءوا به من المثل وتبطله ، فسمي ما يوردون من الشبه مثلا وسمي ما يدفع به الشبه حقا ، ) ( وأحسن تفسيرا ) أي : بيانا وتفصيلا و " التفسير " : تفعيل ، من الفسر ، وهو كشف ما قد غطي .
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)

( ولا يأتونك بمثل ) أي : بحجة وشبهة ( إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) أي : ولا يقولون قولا يعارضون به الحق ، إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر ، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم .
قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ولا يأتونك بمثل ) أي : بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول ( إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) أي : إلا نزل جبريل من الله بجوابهم .
ثم في هذا اعتناء كبير; لشرف الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، حيث كان يأتيه الوحي من الله بالقرآن صباحا ومساء ، ليلا ونهارا ، سفرا وحضرا ، فكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة ، فهذا المقام أعلى وأجل ، وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله ، ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، أعظم نبي أرسله الله وقد جمع الله تعالى للقرآن الصفتين معا ، ففي الملأ الأعلى أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث .
قال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا أحمد بن سليمان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة ، قال : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) ، وقوله ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) [ الإسراء : 106 ] .
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)

ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا يقول : لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عندك ما تجيب به ، ولكن نمسك عليك فإذا سألوك أجبت . قال النحاس : وكان ذلك من علامات النبوة ، لأنهم لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه ، وهذا لا يكون إلا من نبي ، فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم ، ويدل على هذا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ولو نزل جملة بما فيه من الفرائض لثقل عليهم ، وعلم الله عز وجل أن الصلاح في إنزاله متفرقا ، لأنهم ينبهون به مرة بعد مرة ، ولو نزل جملة واحدة لزال معنى التنبيه . وفيه ناسخ ومنسوخ ، فكانوا يتعبدون بالشيء إلى وقت بعينه قد علم الله عز وجل فيه الصلاح ، ثم ينزل النسخ بعد ذلك ; فمحال أن ينزل جملة واحدة : افعلوا كذا ولا تفعلوا . قال النحاس : والأولى أن يكون التمام جملة واحدة لأنه إذا وقف على كذلك صار المعنى : كالتوراة والإنجيل والزبور ولم يتقدم لها ذكر . قال الضحاك : وأحسن تفسيرا أي تفصيلا . والمعنى : أحسن من مثلهم تفصيلا ; فحذف لعلم السامع . وقيل : كان المشركون يستمدون من أهل الكتاب وكان قد غلب على أهل الكتاب التحريف والتبديل ، فكان ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم أحسن تفسيرا مما عندهم ; لأنهم كانوا يخلطون الحق بالباطل ، والحق المحض أحسن من حق مختلط بباطل ، ولهذا قال تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل . وقيل : ولا يأتونك بمثل كقولهم في صفة عيسى إنه خلق من غير أب إلا جئناك بالحق أي بما فيه نقض حجتهم كآدم إذ خلق من غير أب وأم .
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)

يقول تعالى ذكره: ولا يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه إلا جئناك من الحق, بما نبطل به ما جاءوا به, وأحسن منه تفسيرًا.
كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ) قال: الكتاب بما تردّ به ما جاءوا به من الأمثال التي جاءوا بها وأحسن تفسيرا.
وعنى بقوله ( وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ) وأحسن مما جاءوا به من المثل بيانا وتفصيلا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن ابن عباس قوله: وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ) يقول: أحسن تفصيلا.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا قال: بيانا.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا يقول: تفصيلا.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features