إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59)
قوله تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون
قوله تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب دليل على صحة القياس . والتشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم ، لا على أنه خلق من تراب . والشيء قد يشبه بالشيء وإن كان بينهما فرق كبير بعد أن يجتمعا في وصف واحد ; فإن آدم خلق من تراب ولم يخلق عيسى من تراب فكان بينهما فرق من هذه الجهة ، ولكن شبه ما بينهما أنهما خلقهما من غير أب ; ولأن أصل خلقتهما كان من تراب لأن آدم لم يخلق من نفس التراب ، ولكنه جعل التراب طينا ثم جعله صلصالا ثم خلقه منه ، فكذلك عيسى حوله من حال إلى حال ، ثم جعله بشرا من غير أب . ونزلت هذه الآية بسبب وفد نجران حين أنكروا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( إن عيسى عبد الله وكلمته ) فقالوا : أرنا عبدا خلق من غير أب ; فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( آدم من كان أبوه أعجبتم من عيسى ليس له أب ؟ فآدم عليه السلام ليس له أب ولا أم ) . فذلك قوله تعالى : ولا يأتونك بمثل أي في عيسى إلا جئناك بالحق في آدم وأحسن تفسيرا وروي أنه عليه السلام لما دعاهم إلى الإسلام قالوا : قد كنا مسلمين قبلك . فقال : ( كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث : قولكم اتخذ الله ولدا ، وأكلكم الخنزير ، وسجودكم للصليب ) . فقالوا : من أبو عيسى ؟ فأنزل الله تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب إلى قوله : فنجعل لعنة الله على الكاذبين . فدعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم لبعض : إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا . فقالوا : أما تعرض علينا سوى هذا ؟ فقال : ( الإسلام أو الجزية أو الحرب ) فأقروا بالجزية على ما يأتي . وتم الكلام عند قوله ( آدم ) .
ثم قال خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون أي فكان . والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى .