وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)
ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون
قوله تعالى : ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام قيل : هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا ، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه . وقيل : أراد بالأول : ول وجهك شطر الكعبة ، أي عاينها إذا صليت تلقاءها . ثم قال : وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها فولوا وجوهكم شطره ثم قال ومن حيث خرجت يعني وجوب الاستقبال في الأسفار ، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض .
قلت : هذا القول أحسن من الأول ; لأن فيه حمل كل آية على فائدة . وقد روى الدارقطني عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فأراد أن يصلي على راحلته استقبل القبلة وكبر ثم صلى حيث توجهت به . أخرجه أبو داود أيضا ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور . وذهب مالك إلى أنه لا يلزمه الاستقبال ، لحديث ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته . قال : وفيه نزل فأينما تولوا فثم وجه الله وقد تقدم .
قلت : ولا تعارض بين الحديثين ; لأن هذا من باب المطلق والمقيد ، فقول الشافعي أولى ، وحديث أنس في ذلك حديث صحيح . ويروى أن جعفر بن محمد سئل ما معنى تكرير القصص في القرآن ؟ فقال : علم الله أن كل الناس لا يحفظ القرآن ، فلو لم تكن القصة مكررة لجاز أن تكون عند بعض الناس ولا تكون عند بعض ، فكررت لتكون عند من حفظ البعض .