إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
وقوله : ( إذا رأتهم ) أي : جهنم ( من مكان بعيد ) يعني : في مقام المحشر . قال السدي : من مسيرة مائة عام ( سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) أي : حنقا عليهم ، كما قال تعالى : ( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ ) [ الملك : 7 ، 8 ] أي : يكاد ينفصل بعضها من بعض; من شدة غيظها على من كفر بالله .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا إدريس بن حاتم بن الأخيف الواسطي : أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي ، عن أصبغ بن زيد ، عن خالد بن كثير ، عن خالد بن دريك ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يقل علي ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ [ مقعده من النار " . وفي رواية : " فليتبوأ ] بين عيني جهنم مقعدا " قيل : يا رسول الله ، وهل لها من عينين؟ قال : " أما سمعتم الله يقول : ( إذا رأتهم من مكان بعيد ) الآية .
ورواه ابن جرير ، عن محمد بن خداش ، عن محمد بن يزيد الواسطي ، به .
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عيسى بن سليم ، عن أبي وائل قال : خرجنا مع عبد الله - يعني : ابن مسعود - ومعنا الربيع بن خثيم فمروا على حداد ، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار ، ونظر الربيع بن خثيم إليها فتمايل ليسقط ، فمر عبد الله على أتون على شاطئ الفرات ، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية : ( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) فصعق - يعني : الربيع بن خثيم - فحملوه إلى أهل بيته ورابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق ، رضي الله عنه .
وحدثنا أبي : حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إن العبد ليجر إلى النار ، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف .
هكذا رواه ابن أبي حاتم مختصرا ، وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير :
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إن الرجل ليجر إلى النار ، فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن : ما لك؟ قالت : إنه يستجير مني . فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار ، فيقول : يا رب ، ما كان هذا الظن بك؟ فيقول : فما كان ظنك؟ فيقول : أن تسعني رحمتك . فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار ، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . وهذا إسناد صحيح .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير في قوله : ( سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) قال : إن جهنم تزفر زفرة ، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه ، حتى إن إبراهيم عليه السلام ، ليجثو على ركبتيه ويقول : رب ، لا أسألك اليوم إلا نفسي .