وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

يقول تعالى ذكره: والبُدن وهي جمع بدنة, وقد يقال لواحدها: بدن, وإذا قيل بدن احتمل أن يكون جمعا وواحدا, يدلّ على أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:
عَــليَّ حِــينَ نَمْلِــكُ الأمُــورَا
صَــوْمَ شُــهُورٍ وَجَــبَتْ نُـذُورا
وَحَــلْقَ راسِــي وَافِيـا مَضْفُـورَا
وَبَدَنــــا مُدَرَّعـــا مُوْفُـــورَا (3)
والبدن: هو الضخم من كلّ شيء, ولذلك قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق، والسدير البَدَن: لضخمه واسترخاء لحمه, فإنه يقال: قد بَدَّن تبدينا. فمعنى الكلام. والإبل العظام الأجسام الضخام, جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله: يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم إذا قلدتموها وجللتموها وأشعرتموها, علم بذلك وشعر أنكم فعلتم ذلك من الإبل والبقر.
كما: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى, عن ابن جُرَيج, قال: قال عطاء: ( والبُدْنَ جَعَلنْاها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللهِ ) قال: البقرة والبعير.
وقوله: ( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) يقول: لكم في البدن خير، وذلك الخير هو الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها, وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى - وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) قال: أجر ومنافع في البدن.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال. حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم: ( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) قال: اللبن والركوب إذا احتاج.
حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن منصور, عن إبراهيم: ( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) قال: إذا اضطررت إلى بدنتك ركبتها وشربت لبنها.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم: ( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) من احتاج إلى ظهر البدنة ركب, ومن احتاج إلى لبنها شرب.
وقوله: ( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) يقول تعالى ذكره: فاذكروا اسم الله على البدن عند نحركم إياها صوافّ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) بمعنى مصطفة, واحدها: صافة, وقد صفت بين أيديها. ورُوي عن الحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وجماعة أُخر معهم, أنهم قرءوا ذلك. " صَوَافِيَ" بالياء منصوبة, بمعنى: خالصة لله لا شريك له فيها صافية له.
وقرأ بعضهم ذلك: " صَوَاف " بإسقاط الياء وتنوين الحرف, على مثال: عوار وعواد. وروي عن ابن مسعود أنه قرأه: " صَوَافِنٌ" بمعنى: معقلة.
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بتشديد الفاء ونصبها, لإجماع الحجة من القرّاء عليه بالمعنى الذي ذكرناه لمن قرأه كذلك.
*ذكر من تأوّله بتأويل من قرأه بتشديد الفاء ونصبها:- حدثنا أبو كريب, قال: ثنا جابر بن نوح, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, في قوله: ( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) قال: الله أكبر الله أكبر, اللهمّ منك ولك. صوافّ: قياما على ثلاث أرجل. فقيل لابن عباس: ما نصنع بجلودها؟ قال: تصدّقوا بها, واستمتعوا بها.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا أيوب بن سويد, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, في قوله: (صَوَافَّ) قال: قائمة, قال: يقول: الله أكبر, لا إله إلا الله, اللهمّ منك ولك.
حدثني محمد بن المثنى, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن سليمان, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس: ( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) قال: قياما على ثلاث قوائم معقولة باسم الله, اللهم أكبر, اللهمّ منك ولك.
حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: (صَوَافَّ) قال: معقولة إحدى يديها, قال: قائمة على ثلاث قوائم.
حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: ( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) يقول: قياما.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) والصواف: أن تعقل قائمة واحدة, وتصفها على ثلاث فتنحرها كذلك.
حدثنا يعقوب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا يعلى بن عطاء, قال: أخبرنا بجير بن سالم, قال: رأيت ابن عمر وهو ينحر بدنته, قال: فقال: (صَوَافَّ) كما قال الله, قال: فنحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها.
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا ليث, عن مجاهد, قال: الصَّوافّ: إذا عقلت رجلها وقامت على ثلاث.
قال: ثنا ليث, عن مجاهد, في قوْله: ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) قال: صوافّ بين أوظافها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى - وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (صَوَافّ) قال: قيام صواف على ثلاث قوائم.
- حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) قال: بين وظائفها قياما.
حدثنا ابن البرقي, قال: ثنا ابن أبي مريم, قال: أخبرنا يحيى بن أيوب, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, عن نافع, عن عبد الله: أنه كان ينحر البُدن وهي قائمة مستقبلة البيت تصفّ أيديها بالقيود, قال: هي التي ذكر الله: ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ).
حدثنا ابن حميد, قال: ثني جرير, عن منصور, عن رجل, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, قال: قلت له: قول الله ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) قال: إذا أردت أن تنحر البدنة فانحرها, وقل: الله أكبر, لا إله إلا الله, اللهم منك ولك, ثم سم ثم انحرها. قلت: فأقول ذلك للأضحية، قال: وللأضحية.
*ذكر من تأوّله بتأويل من قرأه: " صَوَافِيَ" بالياء: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, عن أبيه, عن الحسن أنه قال: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ" قال: مخلصين.
قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال الحسن: " صَوَافِيَ": خالصة.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: قال الحسن: " صَوَافِيَ": خالصة لله.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن شقيق الضبي: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ" قال: خالصة.
قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا أيمن بن نابل, قال: سألت طاوسا عن قوله: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ" قال: خالصا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ" قال: خالصة ليس فيها شريك كما كان المشركون يفعلون, يجعلون لله ولآلهتهم صوافي صافية لله تعالى.
*ذكر من تأوّله بتأويل من قرأه " صَوَافِنَ": حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: في حرف ابن مسعود: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِنَ": أي معقلة قياما.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: في حرف ابن مسعود: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِنَ" قال: أي معقلة قياما.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: من قرأها " صَوَافِنَ" قال: معقولة. قال: ومن قرأها: (صَوَافَّ) قال: تصفُّ بين يديها.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ" يعني صوافن, والبدنة إذا نحرت عقلت يد واحدة, فكانت على ثلاث, وكذلك تنحر.
قال أبو جعفر: وقد تقدم بيان أولى هذه الأقوال بتأويل قوله: (صَوَافَّ) وهي المصطفة بين أيديها المعقولة إحدى قوائمها.
وقوله: ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) يقول: فإذا سقطت فوقعت جنوبها إلى الأرض بعد النحر,( فَكُلُوا مِنْهَا ) وهو من قولهم: قد وجبت الشمس: إذا غابت فسقطت للتغيب, ومنه قول أوس بن حجر:
ألَــمْ تُكْسَــفِ الشَّــمْسُ والبَـدْرُ
والْكَـــواكِبُ للْجَـــبَلِ الوِّاجِــبِ (4)
يعني بالواجب: الواقع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثني عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) سقطت إلى الأرض.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, في قوله: ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال: إذا فرغت ونُحِرت.
حدثني محمد بن عمارة, قال: ثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد: ( فَإِذَا وَجَبَتْ ) نحرت.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال: إذا نحرت.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال: فإذا ماتت.
وقوله: ( فَكُلُوا مِنْهَا ) وهذا مخرجه مخرج الأمر ومعناه الإباحة والإطلاق; يقول الله: فإذا نحرت فسقطت ميتة بعد النحر فقد حل لكم أكلها, وليس بأمر إيجاب.
وكان إبراهيم النخعي يقول في ذلك ما:- حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قالا ثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, قال: المشركون كانوا لا يأكلون من ذبائحهم, فرخص للمسلمين, فأكلوا منها, فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا مؤمل, قال: ثنا سفيان, عن حصين, عن مجاهد, قال: إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل, فهي بمنـزلة: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا .
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) يقول: يأكل منها ويطعم.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا يونس, عن الحسن. وأخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, وأخبرنا حجاج, عن عطاء. وأخبرنا حصين, عن مجاهد, في قوله: ( فَكُلُوا مِنْهَا ) قال: إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل, قال مجاهد: هي رخصة, هي كقوله: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ ومثل قوله: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ، وقوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) يقول: فأطعموا منها القانع.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالقانع والمعترّ, فقال بعضهم: القانع الذي يقنع بما أعطي أو بما عنده ولا يسأل, والمعترّ: الذي يتعرّض لك أن تطعمه من اللحم ولا يسأل.
ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: المستغني بما أعطيته وهو في بيته, والمعترّ: الذي يتعرّض لك ويلمّ بك أن تطعمه من اللحم ولا يسأل. وهؤلاء الذين أمر أن يطعموا من البُدن.
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن ليث, عن مجاهد, قال: القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته, والمعترّ: الذي يتعرض لك ولا يسألك.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) القانع: الذي يقنع بالشيء اليسير يرضى به, والمعترّ: الذي يمرّ بجانبك لا يسأل شيئا; فذلك المعترّ.
وقال آخرون: القانع: الذي يقنع بما عنده ولا يسأل; والمعترّ: الذي يعتريك فيسألك.
ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: ( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) يقول: القانع المتعفف;(والمعترّ) يقول: السائل.
حدثنا ابن أبي الشوارب, قال: ثنا عبد الواحد, قال: ثنا خصيف, قال: سمعت مجاهدا يقول: القانع: أهل مكة; والمعترّ: الذي يعتريك فيسألك.
حدثني أبو السائب, قال: ثنا عطاء, عن خصيف, عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا مسلم بن إبراهيم, قال: ثني كعب بن فروخ, قال: سمعت قَتادة يحدث, عن عكرمة, في قوله: ( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: الذي يقعد في بيته, والمعترّ: الذي يسأل.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: القانع: المتعفف الجالس في بيته; والمعترّ: الذي يعتريك فيسألك.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: القانع: والمعترّ، قال: القانع: الطامع بما قِبلك ولا يسألك; والمعترّ: الذي يعتريك ويسألك.
حدثني نصر بن عبد الرحمن, قال: ثنا المحاربي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وإبراهيم قالا القانع: الجالس في بيته; والمعترّ: الذي يسألك.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة في القانع والمعترّ, قال: القانع: الذي يقنع بما في يديه; والمعترّ: الذي يعتريك, ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد: ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع الذي يجلس في بيته. والمعترّ: الذي يعتريك.
وقال آخرون: القانع: هو السائل, والمعترّ: هو الذي يعتريك ولا يسأل.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الأعلى, قال: ثنا يونس, عن الحسن, قال: القانع: الذي يقنع إليك ويسألك; والمعترّ: الذي يتعرّض لك ولا يسألك.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن, في هذه الآية: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: الذي يقنع, والمعترّ: الذي يعتريك. قال: وقال الكلبي: القانع: الذي يسألك; والمعترّ: الذي يعتريك, يتعرّض ولا يسألك.
حدثني نصر عبد الرحمن الأودي, قال: ثنا المحاربي, عن سفيان, عن يونس, عن الحسن, في قوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: الذي يسألك, والمعترّ: الذي يتعرّض لك.
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن إدريس, عن أبيه, قال: قال سعيد بن جُبير: القانع: السائل.
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي, قال: ثني غالب, قال: ثني شريك, عن فرات القزاز, عن سعيد بن جُبير, في قوله: (القانِعَ) قال هو السائل, ثم قال. أما سمعت قول الشماخ.
لَمَــالُ المَــرْءِ يُصْلِحُــهُ فيُغْنـي
مَفــاقرَهُ أعَــفُّ مِــنَ القُنُــوع (5)
قال: من السؤال.
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: أخبرنا يونس, عن الحسن, أنه قال في قوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: الذي يقنع إليك يسألك, والمعترّ: الذي يريك نفسه ويتعرّض لك ولا يسألك.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشام, قال: أخبرنا منصور ويونس, عن الحسن. قال: القانع: السائل, والمعترّ: الذي يتعرض ولا يسأل.
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عبد الله بن عياش, قال: قال زيد بن أسلم: القانع: الذي يسأل الناس.
وقال آخرون: القانع: الجار, والمعترّ: الذي يعتريك من الناس.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا أبو كريب, قال: ثنا ابن إدريس, قال: سمعت ليثا, عن مجاهد, قال: القانع: جارك وإن كان غنيا, والمعترّ: الذي يعتريك.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبي نجيح, قال: قال مجاهد, في قوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: جارك الغنيّ, والمعترّ: من اعتراك من الناس.
حدثني يعقوب, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, في قوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) أنه قال: أحدهما السائل, والآخر الجار.
وقال آخرون: القانع: الطوّاف, والمعترّ: الصديق الزائر.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثني أبي وشعيب بن الليث, عن الليث, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, قال: قال زيد بن أسلم, في قول الله تعالى: ( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) فالقانع: المسكين الذي يطوف, والمعترّ: الصديق والضعيف الذي يزور.
وقال آخرون: القانع: الطامع, والمعترّ: الذي يعترّ بالبدن.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى- وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (القانِعَ) قال: الطامع; والمعترّ: من يعترّ بالبدن من غنيّ أو فقير.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرني عمر بن عطاء, عن عكرمة, قال: القانع: الطامع.
وقال آخرون: القانع: هو المسكين, والمعتر: الذي يتعرّض للحم.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال: القانع: المسكين, والمعترّ: الذي يعتر القوم للحمهم وليس بمسكين, ولا تكون له ذبيحة, يجيء إلى القوم من أجل لحمهم, والبائس الفقير: هو القانع.
وقال آخرون بما:- حدثنا به ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن فرات, عن سعيد بن جُبير, قال: القانع: الذي يقنع, والمعترّ: الذي يعتريك.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن يونس, عن الحسن بمثله.
قال: ثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم ومجاهد: ( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) القانع: الجالس في بيته, والمعترّ: الذي يتعرّض لك.
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: عني بالقانع: السائل; لأنه لو كان المعنيّ بالقانع في هذا الموضع ، المكتفي بما عنده والمستغني به لقيل: وأطعموا القانع والسائل, ولم يقل: وأطعموا القانع والمعترّ. وفي إتباع ذلك قوله: والمعترّ، الدليل الواضح على أن القانع معنيّ به السائل, من قولهم: قنع فلان إلى فلان, بمعنى سأله وخضع إليه, فهو يقنع قنوعا; ومنه قول لبيد:
وأعْطـانِي المَـوْلى عَـلى حِـينَ فَقْرِهِ
إذَا قــالَ أبْصِـرْ خَـلَّتِي وَقُنُـوعي (6)
وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي, فإنه من قنِعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا. وأما المعترّ: فإنه الذي يأتيك معترّا بك لتعطيه وتطعمه.
وقوله: ( كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ) يقول هكذا سخرنا البدن لكم أيها الناس. يقول: لتشكروني على تسخيرها لكم.
---------------------------
الهوامش :
(3) هذه أربعة أبيات من مشطور الرجز رواها المؤلف عن الفراء في معاني القرآن في هذا الوضع من التفسير ، وأنشدها قبل ذلك ثلاثة منها في ( 7 : 120 ) عند تفسير قوله تعالى : ( فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان ) في سورة المائدة . مع اختلاف في بعض الألفاظ عن روايته لها هنا ، وهي :
عَــلَيَّ حــينَ تمْلِــكُ الأمُــورَا
صَــوْمَ شُــهُورٍ وَجَــبَتْ نُـدُورَا
وَبادِنــــا مُقَلَّـــدًا مَنْحُـــورا
ولفظة ( بادنا ) على هذه الرواية ، قد تكون صحيحة ، يريد جملا سمينا جسيما . كما في ( اللسان : بدن ) ، يقال : رجل بادن ، والأنثى بادن وبادنة والجمع : بدن ( بضم فسكون ) ، وبدن ( بالضم وتشديد الدال المفتوحة ) . وقد تكون ( بادنا ) محرفة عن بدن ( بالتحريك ) ، بدليل تخريج المؤلف له بقوله " والبدن " ( بضم فسكون ) جمع بدنة ( بالتحريك ) ، وقد يقال لواحدها : بدن ( بالتحريك ) ، يدل عليه قول الراجز . " وبدنا مدرعا موفورا " . أه .
ويؤيده أيضًا قول أبي البقاء العكبري في إعراب القرآن : البدن ( بضم فسكون ) : وجمع بدن ، ( بالتحريك ) وواحدته : بدنة مثل خشب ( بضم فسكون ) وخشب ( بالتحريك ) ويقال هو جمع بدنة ، مثل ثمرة وثمر ( الأخير بضم فسكون ) ، ويقرأ بضم الدال . والبدنة كما في ( اللسان : بدن ) بالهاء : لعظمها وسمنها . أه . يقول الراجز : أوجبت على نفسي إذا ملكت الأمور بتاء المخاطب أن أصوم شهورا ، وأن أحلق رأسي ، وأن أنحر بدنا أي جملا ضخما .
(4) البيت لأوس بن حجر كما قال المؤلف . والجبل هنا : يريد به رجلا عظيما ، والواجب الذي مات . قال في ( اللسان / وجب ) ووجب الرجل وجبا : مات ، قال قيس بن الخطيم يصف حربا وقعت بين الأوس والخزرج في يوم بعاث وأن مقدم بني عوف وأميرهم لج في المحاربة ، ونهى بني عوف عن السلم حتى كان أول قتيل :
أطـاعت بنـو عـوف أمـيرا نهـاهم
عـن السـلم حـتى كان أول واجب
وبيت أوس بن حجر شاهد على أن قوله تعالى : ( فإذا وجبت جنوبها ) معناه : فإذا سقطت فوقعت جنوبها على الأرض بعد النحر ، فكلوا منها . أه .
(5) البيت للشماخ بن ضرار ( لسان العرب : قنع ) قال : وفي التنزيل : وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ، فالقانع الذي يسأل والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل . قال الشماخ : " لمال المرء . . . . البيت " يعني من مسألة الناس . وقال ابن السكيت ومن العرب : من يجيز القنوع : بمعنى القناعة ، وكلام العرب الجيد : هو الأول . ويروى : " من الكنوع " والكنوع : التقبض والتصاغر . وقيل القانع : السائل ، وقيل : المتعفف وكل يصلح ، والرجل : قانع وقنيع . وقال الفراء : هو الذي يسألك فما أعطيته قبله . وقيل : القنوع : الطمع . والفعل : قنع بالفتح يقنع قنوعا : ذل السؤال . وقيل : سأل . ومفاقرة : وجوه فقره ، وقيل : جمع فقر على غير قياس كالمشابه والملامح . ويجوز أن تكون جمع مفقرة مصدر أفقره ، أو جمع مفقر ( اسم فاعل ) .
(6) البيت للبيد كما قال المؤلف ، ولم أجده في ديوانه طبعة ليدن سنة 1891 . والخلة بالفتح : الحاجة والفقر . وقال اللحياني : خلة به شديدة : أي خصاصة . والقنوع : السؤال ، وقد شرحناه وبيناه في الشاهد الذي قبله .
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

هذا دليل على أن الشعائر عام في جميع أعلام الدين الظاهرة. وتقدم أن الله أخبر أن من عظم شعائره، فإن ذلك من تقوى القلوب، وهنا أخبر أن من جملة شعائره، البدن، أي: الإبل، والبقر، على أحد القولين، فتعظم وتستسمن، وتستحسن، { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } أي: المهدي وغيره، من الأكل، والصدقة، والانتفاع، والثواب، والأجر، { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } أي: عند ذبحها قولوا " بسم الله " واذبحوها، { صَوَافَّ } أي: قائمات، بأن تقام على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى، ثم تنحر.
{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي: سقطت في الأرض جنوبها، حين تسلخ، ثم يسقط الجزار جنوبها على الأرض، فحينئذ قد استعدت لأن يؤكل منها، { فَكُلُوا مِنْهَا } وهذا خطاب للمهدي، فيجوز له الأكل من هديه، { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } أي: الفقير الذي لا يسأل، تقنعا، وتعففا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما له حق فيهما.
{ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي: البدن { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على تسخيرها، فإنه لولا تسخيره لها، لم يكن لكم بها طاقة، ولكنه ذللها لكم وسخرها، رحمة بكم وإحسانا إليكم، فاحمدوه.
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون
فيه عشر مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ( والبدن ) ، وقرأ ابن أبي إسحاق ( والبدن ) لغتان ، واحدتها بدنة . كما يقال : ثمرة وثمر وثمر ، وخشبة وخشب وخشب . وفي التنزيل ( وكان له ثمر ) ، وقرئ ( ثمر ) لغتان . وسميت بدنة لأنها تبدن ، والبدانة السمن . وقيل : إن هذا الاسم خاص بالإبل . وقيل : البدن جمع ( بدن ) بفتح الباء والدال . ويقال : بدن الرجل ( بضم الدال ) إذا سمن . وبدن ( بتشديدها ) إذا كبر وأسن . وفي الحديث إني قد بدنت أي كبرت وأسننت . وروي ( بدنت ) وليس له معنى ؛ لأنه خلاف صفته - صلى الله عليه وسلم - ، ومعناه كثرة اللحم . يقال : بدن الرجل يبدن بدنا وبدانة فهو بادن ؛ أي ضخم .
الثانية : اختلف العلماء في البدن هل تطلق على غير الإبل من البقر أم لا ؟ فقال ابن مسعود ، وعطاء ، والشافعي : لا . وقال مالك ، وأبو حنيفة : نعم . وفائدة الخلاف فيمن نذر بدنة فلم يجد البدنة أو لم يقدر عليها وقدر على البقرة ؛ فهل تجزيه أم لا ؟ فعلى مذهب الشافعي ، وعطاء لا تجزيه . وعلى مذهب مالك تجزيه . والصحيح ما ذهب إليه الشافعي ، وعطاء ؛ لقوله - عليه السلام - في الحديث الصحيح في يوم الجمعة : من راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرب بقرة الحديث . فتفريقه - عليه السلام - بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة لا يقال عليها بدنة ؛ والله أعلم . وأيضا قوله تعالى : فإذا وجبت جنوبها يدل على ذلك ؛ فإن الوصف خاص بالإبل . والبقر يضجع ويذبح كالغنم ؛ على ما يأتي . ودليلنا أن البدنة مأخوذة من البدانة وهو الضخامة ، والضخامة توجد فيهما جميعا . وأيضا فإن البقرة في التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم بمنزلة الإبل ؛ حتى تجوز البقرة في الضحايا على سبعة كالإبل . وهذا حجة لأبي حنيفة حيث وافقه الشافعي على ذلك ، وليس ذلك في مذهبنا . وحكى ابن شجرة أنه يقال في الغنم بدنة ، وهو قول شاذ . والبدن هي الإبل التي تهدى إلى الكعبة . والهدي عام في الإبل ، والبقر ، والغنم .
الثالثة : قوله تعالى : من شعائر الله نص في أنها بعض الشعائر . لكم فيها خير يريد به المنافع التي تقدم ذكرها . والصواب عمومه في خير الدنيا والآخرة .
الرابعة : قوله تعالى : فاذكروا اسم الله عليها صواف أي انحروها على اسم الله . و صواف أي قد صفت قوائمها . والإبل تنحر قياما معقولة . وأصل هذا الوصف في الخيل ؛ يقال : صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاثة قوائم وثنى سنبك الرابعة ؛ والسنبك طرف الحافر . والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلاث قوائم . وقرأ الحسن ، والأعرج ، ومجاهد ، وزيد بن أسلم ، وأبو موسى الأشعري ( صوافي ) أي خوالص لله - عز وجل - لا يشركون به في التسمية على نحرها أحدا . وعن الحسن أيضا ( صواف ) بكسر الفاء وتنوينها مخففة ، وهي بمعنى التي قبلها ، لكن حذفت الياء تخفيفا على غير قياس و ( صواف ) قراءة الجمهور بفتح الفاء وشدها ؛ من صف يصف . وواحد صواف صافة ، وواحد صوافي صافية . وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبو جعفر محمد بن علي ( صوافن ) بالنون جمع صافنة . ولا يكون واحدها صافنا ؛ لأن فاعلا لا يجمع على فواعل إلا في حروف مختصة لا يقاس عليها ؛ وهي فارس وفوارس ، وهالك وهوالك ، وخالف وخوالف . والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب . ومنه قوله تعالى : الصافنات الجياد . وقال عمرو بن كلثوم :
تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا
ويروي :
تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفونا
وقال آخر :
ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقال أبو عمرو الجرمي : الصافن عرق في مقدم الرجل ، فإذا ضرب عليه الفرس رفع رجله . وقال الأعشى :
وكل كميت كجذع السحو ق يرنو القناء إذا ما صفن
الخامسة : قال ابن وهب : أخبرني ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصواف فقال : تقيدها ثم تصفها . وقال لي مالك بن أنس مثله . وكافة العلماء على استحباب ذلك ؛ إلا أبا حنيفة ، والثوري فإنهما أجازا أن تنحر باركة وقياما . وشذ عطاء فخالف واستحب نحرها باركة . والصحيح ما عليه الجمهور ؛ لقوله تعالى : فإذا وجبت جنوبها معناه سقطت بعد نحرها ؛ ومنه وجبت الشمس . وفي صحيح مسلم ، عن زياد بن جبير أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركة فقال : ابعثها قائمة مقيدة سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - . وروى أبو داود ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، وأخبرني عبد الرحمن بن سابط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها .
السادسة : قال مالك : فإن ضعف إنسان أو تخوف أن تنفلت بدنته فلا أرى بأسا أن ينحرها معقولة . والاختيار أن تنحر الإبل قائمة غير معقولة ؛ إلا أن يتعذر ذلك فتعقل ولا تعرقب إلا أن يخاف أن يضعف عنها ولا يقوى عليها . ونحرها باركة أفضل من أن تعرقب . وكان ابن عمر يأخذ الحربة بيده في عنفوان أيده ، فينحرها في صدرها ، ويخرجها على سنامها ، فلما أسن كان ينحرها باركة لضعفه ، ويمسك معه الحربة رجل آخر ، وآخر بخطامها . وتضجع البقر والغنم .
السابعة : ولا يجوز النحر قبل الفجر من يوم النحر بإجماع . وكذلك الأضحية لا تجوز قبل الفجر . فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى ، وليس عليهم انتظار نحر إمامهم ؛ بخلاف الأضحية في سائر البلاد . والمنحر منى لكل حاج ، ومكة لكل معتمر . ولو نحر الحاج بمكة والمعتمر بمنى لم يحرج واحد منهما ، إن شاء الله تعالى .
الثامنة : قوله تعالى : فإذا وجبت جنوبها يقال : وجبت الشمس إذا سقطت ، ووجب الحائط إذا سقط . قال قيس بن الخطيم :
أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم عن السلم حتى كان أول واجب
وقال أوس بن حجر :
ألم تكسف الشمس والبدر وال كواكب للجبل الواجب
فقوله تعالى : فإذا وجبت جنوبها يريد إذا سقطت على جنوبها ميتة . كنى عن الموت بالسقوط على الجنب كما كنى عن النحر والذبح بقوله تعالى : فاذكروا اسم الله عليها والكنايات في أكثر المواضع أبلغ من التصريح . قال الشاعر [ عنترة ] :
فتركته جزر السباع ينشنه ما بين قلة رأسه والمعصم
وقال عنترة :
وضربت قرني كبشها فتجدلا
أي سقط مقتولا إلى الجدالة ، وهي الأرض ؛ ومثله كثير . والوجوب للجنب بعد النحر علامة نزف الدم وخروج الروح منها ، وهو وقت الأكل ، أي وقت قرب الأكل ؛ لأنها إنما تبتدأ بالسلخ وقطع شيء من الذبيحة ثم يطبخ . ولا تسلخ حتى تبرد لأن ذلك من باب التعذيب ؛ ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - : لا تعجلوا الأنفس أن تزهق .
التاسعة : قوله تعالى : فكلوا منها أمر معناه الندب . وكل العلماء يستحب أن يأكل الإنسان من هديه وفيه أجر وامتثال ؛ إذ كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم كما تقدم . وقال أبو العباس بن شريح : الأكل والإطعام مستحبان ، وله الاقتصار على أيهما شاء . وقال الشافعي : الأكل مستحب والإطعام واجب ، فإن أطعم جميعها أجزاه وإن أكل جميعها لم يجزه ، وهذا فيما كان تطوعا ؛ فأما واجبات الدماء فلا يجوز أن يأكل منها شيئا حسبما تقدم بيانه .
العاشرة : قوله تعالى : وأطعموا القانع والمعتر قال مجاهد ، وإبراهيم ، والطبري : قوله وأطعموا أمر إباحة . و القانع السائل . يقال : قنع الرجل يقنع قنوعا إذا سأل ، بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل ، يقنع قناعة فهو قنع ، إذا تعفف واستغنى ببلغته ولم يسأل ؛ مثل حمد يحمد ، قناعة وقنعا وقنعانا ؛ قاله الخليل . ومن الأول قول الشماخ :
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
وقال ابن السكيت : من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة ، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة . وروي عن أبي رجاء أنه قرأ ( وأطعموا القنع ) ومعنى هذا مخالف للأول . يقال : قنع الرجل فهو قنع إذا رضي . وأما المعتر فهو الذي يطيف بك يطلب ما عندك ، سائلا كان أو ساكنا . وقال محمد بن كعب القرظي ، ومجاهد ، وإبراهيم ، والكلبي ، والحسن بن أبي الحسن : المعتر المعترض من غير سؤال . قال زهير :
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
وقال مالك : أحسن ما سمعت أن القانع الفقير ، والمعتر الزائر . وروي عن الحسن أنه قرأ ( والمعتري ) ومعناه كمعنى المعتر . يقال : اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه ؛ ذكره النحاس .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features