وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)
يقول تعالى ذكره: ولو أنا أهلكنا هؤلاء المشركين الذين يكذبون بهذا القرآن من قبل أن ننـزله عليهم، ومن قبل أن نبعث داعيا يدعوهم إلى ما فرضنا عليهم فيه بعذاب ننـزله بهم بكفرهم بالله، لقالوا يوم القيامة، إذ وردوا علينا، فأردنا عقابهم: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا يدعونا إلى طاعتك، فنتبع آياتك: يقول: فنتبع حجتك وأدلتك وما تنـزله عليه من أمرك ونهيك من قبل أن نذلّ بتعذيبك إيانا ونخزى به.
كما حدثني الفضل بن إسحاق، قال: ثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة، عن فضيل عن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخُدريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يَحْتَجُّ عَلى اللهِ يَوْمَ القيامَةِ ثَلاثَةٌ: الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ، والمَغْلُوبُ على عَقْلِه، والصَّبيُّ الصَّغيرُ، فَيَقُولُ المَغْلُوبُ عَلى عَقْلِهِ: لَمْ تَجْعَلْ لي عَقْلا أنْتَفِع بِهِ، وَيَقُولُ الهَالِكُ فِي الفتْرَةِ: لَمْ يأْتِني رَسُولٌ وَلا نَبيٌّ، ولَوْ أتانِي لَكَ رَسُولٌ أوْ نَبيّ لكُنْتُ أطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ وقرأ: ( لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا ) ويَقُولُ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ: كَنْتُ صَغِيرًا لا أعْقِلُ قال: فَتُرْفَعُ لَهُمْ نارٌ وَيُقالُ لَهُمْ: رِدُوها قال: فَيرِدُها مَنْ كَانَ فِي علْمِ اللهِ أنَّه سَعيدٌ، وَيَتَلَكَّأُ عَنْها مَنْ كانَ فِي عِلْمِ اللهِ أنَّهُ شَقِيّ، فَيَقُولُ: إيَّايَ عَصَيْتُمْ، فَكَيْفَ بِرُسُلي لَوْ أتَتْكُمْ؟ ".
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)

تفسير الآيات من 133 الى 135 :ـ
أي: قال المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم: هلا يأتينا بآية من ربه؟ يعنون آيات الاقتراح كقولهم: { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا* أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا }
وهذا تعنت منهم وعناد وظلم، فإنهم، هم والرسول، بشر عبيد لله، فلا يليق منهم الاقتراح بحسب أهوائهم، وإنما الذي ينزلها ويختار منها ما يختار بحسب حكمته، هو الله.
ولأن قولهم: { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ } يقتضي أنه لم يأتهم بآية على صدقه، ولا بينة على حقه، وهذا كذب وافتراء، فإنه أتى من المعجزات الباهرات، والآيات القاهرات، ما يحصل ببعضه المقصود، ولهذا قال: { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ } إن كانوا صادقين في قولهم، وأنهم يطلبون الحق بدليله، { بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى } أي: هذا القرآن العظيم، المصدق لما في الصحف الأولى، من التوراة والإنجيل، والكتب السابقة المطابق لها، المخبر بما أخبرت به، وتصديقه أيضا مذكور فيها، ومبشر بالرسول بها، وهذا كقوله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فالآيات تنفع المؤمنين، ويزداد بها إيمانهم وإيقانهم، وأما المعرضون عنها المعارضون لها، فلا يؤمنون بها، ولا ينتفعون بها، { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ* وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ }
وإنما الفائدة في سوقها إليهم ومخاطبتهم بها، لتقوم عليهم حجة الله، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب: { لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } بالعقوبة، فها قد جاءكم رسولي ومعه آياتي وبراهيني، فإن كنتم كما تقولون، فصدقوه.
قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون { قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ } فتربصوا بي الموت، وأنا أتربص بكم العذاب { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } أي: الظفر أو الشهادة { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } { فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ } أي: المستقيم، { وَمَنِ اهْتَدَى } بسلوكه، أنا أم أنتم؟ فإن صاحبه هو الفائز الراشد، الناجي المفلح، ومن حاد عنه خاسر خائب معذب، وقد علم أن الرسول هو الذي بهذه الحالة، وأعداؤه بخلافه، والله أعلم.
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)

( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ) من قبل إرسال الرسول وإنزال القرآن ، ( لقالوا ربنا لولا ) هلا ( أرسلت إلينا رسولا ) يدعونا ، أي : لقالوا يوم القيامة ، ( فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) بالعذاب ، والذل ، والهوان ، والخزي ، والافتضاح .
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)

قوله تعالى : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله أي من قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونزول القرآن لقالوا أي يوم القيامة ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا أي هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى وقرئ ( نذل ونخزى ) على ما لم يسم فاعله . وروى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهالك في الفترة والمعتوه والمولود قال : ( يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ثم تلا ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا الآية ويقول المعتوه : رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا ويقول المولود : رب لم أدرك العمل ، فترفع لهم نار فيقول لهم ردوها وادخلوها قال فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل فيقول الله تبارك وتعالى إياي عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم ) . ويروى موقوفا عن أبي سعيد قوله فيه نظر وقد بيناه في كتاب ( التذكرة ) وبه احتج من قال : إن الأطفال وغيرهم يمتحنون في الآخرة . فنتبع نصب بجواب التخصيص . آياتك يريد ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من قبل أن نذل أي في العذاب ونخزى في جهنم ؛ قاله ابن عباس . وقيل : من قبل أن نذل في الدنيا بالعذاب ونخزى في الآخرة بعذابها .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features