وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)
يقول تعالى ذكره: وقالت كفار قريش: إن نتبع الحقّ الذي جئتنا به معك, ونتبرأ من الأنداد والآلهة, يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا, يقول الله لنبيه: فقل: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا ) يقول: أو لم نوطئ لهم بلدا حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه, ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء, وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة, أو قتل, أو سباء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن ابن عباس, أن الحارث بن نوفل, الذي قال: ( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) وزعموا أنهم قالوا: قد علمنا أنك رسول الله, ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا,( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ ) الآية.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) قال: هم أناس من قريش قالوا لمحمد: إن نتبعك يتخطفنا الناس, فقال الله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ).
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ : قال: كان يغير بعضهم على بعض.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) قال الله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون, يجبى إليه ثمرات كل شيء.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال ثني أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) قال: كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا, إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يُتَعَرَّض له, وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ) قال: آمناكم به, قال هي مكة, وهم قريش.
وقوله: ( يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول يجمع إليه, وهو من قولهم: جبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه, وإنما أريد بذلك: يحمل إليه ثمرات كلّ بلد.
كما حدثنا أبو كُرَيب, قال ثنا ابن عطية, عن شريك, عن عثمان بن أبي زرعة, عن مجاهد, عن ابن عباس في ( يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) قال: ثمرات الأرض.
وقوله: ( رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول: ورزقا رزقناهم من لدنا, يعني: من عندنا( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) لا يعلمون أنا نحن الذين مكَّنا لهم حرما آمنا, ورزقناهم فيه, وجعلنا الثمرات من كلّ أرض تجبي إليهم, فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون, لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك.
وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

قوله تعالى : وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا هذا قول مشركي مكة قال ابن عباس : قائل ذلك من قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا - يعني مكة - لاجتماعهم على خلافنا ، ولا طاقة لنا بهم وكان هذا من تعللاتهم ; فأجاب الله تعالى عما اعتل به فقال : أولم نمكن لهم حرما آمنا أي ذا أمن . وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ، وأهل مكة آمنون حيث كانوا بحرمة الحرم ، فأخبر أنه قد أمنهم بحرمة البيت ، ومنع عنهم عدوهم ، فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة في قتالهم . والتخطف : الانتزاع بسرعة ; وقد تقدم . قال يحيى بن سلام يقول : كنتم آمنين في حرمي ، تأكلون رزقي ، وتعبدون غيري ، أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي . يجبى إليه ثمرات كل شيء أي يجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد ; عن ابن عباس وغيره يقال : جبى الماء في الحوض أي جمعه . والجابية : الحوض العظيم . وقرأ نافع : ( تجبى ) بالتاء ; لأجل الثمرات والباقون بالياء ، لقوله : كل شيء واختاره أبو عبيد ; قال : لأنه حال بين الاسم المؤنث وبين فعله حائل وأيضا فإن الثمرات جمع ، وليس بتأنيث حقيقي . وقرئ ( يجنى ) بالنون من الجنا ، وتعديته ب ( إلى ) كقولك يجني إلى فيه ، ويجنى إلى الخافة .
وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) مكة ، نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، وذلك أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ، ولكنا إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة . وهو معنى قوله : ( نتخطف من أرضنا ) ، والاختطاف : الانتزاع بسرعة . قال الله تعالى : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ، وأهل مكة آمنون حيث كانوا ، لحرمة الحرم ، ومن المعروف أنه كان يأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة ، ( يجبى ) قرأ أهل المدينة ويعقوب : " تجبى " بالتاء لأجل الثمرات ، والآخرون بالياء للحائل بين الاسم المؤنث والفعل ، أي : يجلب ويجمع ، ( إليه ) يقال : جبيت الماء في الحوض أي : جمعته ، قال مقاتل : يحمل إلى الحرم ، ( ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن ما يقوله حق .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features