وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)

{ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } فألقاها { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } تسعى سعيا شديدا، ولها سورة مُهِيلة { كَأَنَّهَا جَانٌّ } ذَكَرُ الحيات العظيم، { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي: يرجع، لاستيلاء الروع على قلبه، فقال اللّه له: { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ } وهذا أبلغ ما يكون في التأمين، وعدم الخوف.
فإن قوله: { أَقْبِلْ } يقتضي الأمر بإقباله، ويجب عليه الامتثال، ولكن قد يكون إقباله، وهو لم يزل في الأمر المخوف، فقال: { وَلَا تَخَفْ } أمر له بشيئين، إقباله، وأن لا يكون في قلبه خوف، ولكن يبقى احتمال، وهو أنه قد يقبل وهو غير خائف، ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن من المكروه، فقال : { إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ } فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه، فأقبل موسى عليه السلام غير خائف ولا مرعوب، بل مطمئنا، واثقا بخبر ربه، قد ازداد إيمانه، وتم يقينه، فهذه آية، أراه اللّه إياها قبل ذهابه إلى فرعون، ليكون على يقين تام، فيكون أجرأ له، وأقوى وأصلب.
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ (31)
يقول تعالى ذكره: نودي موسى: أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فألقاها موسى, فصارت حية تسعى.
( فَلَمَّا رَآهَا ) موسى ( تَهْتَزُّ )يقول: تتحرك وتضطرب ( كَأَنَّهَا جَانٌّ ) والجانّ واحد الجِنّان, وهي نوع معروف من أنواع الحيات, وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جانّ من الحيات ( وَلَّى مُدْبِرًا ) يقول: ولى موسى هاربا منها.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَلَّى مُدْبِرًا ) فارا منها، ( وَلَمْ يُعَقِّبْ ) يقول: ولم يرجع على عقبه.
وقد ذكرنا الرواية في ذلك, وما قاله أهل التأويل فيما مضى, فكرهنا إعادته, غير أنا نذكر في ذلك بعض ما لم نذكره هنالك.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَلَمْ يُعَقِّبْ ) يقول: ولم يعقب, أي لم يلتفت من الفرق.
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( وَلَمْ يُعَقِّبْ ) يقول: لم ينتظر.
وقوله: ( يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ ) يقول تعالى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إليّ ولا تخف من الذي تهرب منه ( إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ ) من أن يضرّك, إنما هو عصاك.
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)

وقوله : ( وأن ألق عصاك ) أي : التي في يدك . كما قرره على ذلك في قوله : ( وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ) [ طه : 17 ، 18 ] . والمعنى : أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها ( فألقاها فإذا هي حية تسعى ) فعرف وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء : كن ، فيكون . كما تقدم بيان ذلك في سورة " طه " .
وقال هاهنا : ( فلما رآها تهتز ) أي : تضطرب ( كأنها جان ) أي : في حركتها السريعة مع عظم خلق قوائمها واتساع فمها ، واصطكاك أنيابها وأضراسها ، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها ، فتنحدر في فيها تتقعقع ، كأنها حادرة في واد . فعند ذلك ( ولى مدبرا ولم يعقب ) أي : ولم يكن يلتفت ; لأن طبع البشرية ينفر من ذلك . فلما قال الله له : ( يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) ، رجع فوقف في مقامه الأول .
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)

( وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز ) تتحرك ، ( كأنها جان ) وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها ، ( ولى مدبرا ) هاربا منها ، ( ولم يعقب ) لم يرجع ، فنودي : ( يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين )
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)

قوله تعالى : وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين .
قوله تعالى : وأن ألق عصاك عطف على ( أن يا موسى ) وتقدم الكلام في هذا في ( النمل ) و ( طه ) . و ( مدبرا ) نصب على الحال وكذلك موضع قوله : ( ولم يعقب ) نصب على الحال أيضا . يا موسى أقبل ولا تخف . قال وهب : قيل له ارجع إلى حيث كنت فرجع فلف دراعته على يده ، فقال له الملك : أرأيت إن أراد الله أن يصيبك بما تحاذر أينفعك لفك يدك ؟ قال : لا ولكني ضعيف خلقت من ضعف . وكشف يده فأدخلها في فم الحية فعادت عصا إنك من الآمنين أي مما تحاذر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features