وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)

هذا إخبار عن تنزهه عن السوء والنقص وتقدسه عن أن يماثله أحد من الخلق وأمر للعباد أن يسبحوه حين يمسون وحين يصبحون ووقت العشي ووقت الظهيرة.
فهذه الأوقات الخمسة أوقات الصلوات الخمس أمر اللّه عباده بالتسبيح فيها والحمد، ويدخل في ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس، والمستحب كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وما يقترن بها من النوافل، لأن هذه الأوقات التي اختارها اللّه [لأوقات المفروضات هي] أفضل من غيرها [فالتسبيح والتحميد فيها والعبادة فيها أفضل من غيرها] بل العبادة وإن لم تشتمل على قول "سبحان اللّه" فإن الإخلاص فيها تنزيه للّه بالفعل أن يكون له شريك في العبادة أو أن يستحق أحد من الخلق ما يستحقه من الإخلاص والإنابة.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)

قوله تعالى : وله الحمد في السماوات والأرض اعتراض بين الكلام بدءوب الحمد على نعمه وآلائه . وقيل : معنى وله الحمد أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد . والأول أظهر ; فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته ; فيكون نوعا آخر خلاف الصلاة ، والله أعلم . وبدأ بصلاة المغرب لأن الليل يتقدم النهار . وفى سورة ( سبحان ) بدأ بصلاة الظهر إذ هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم . الماوردي : وخص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن للإنسان في النهار متقلبا في أحوال توجب حمد الله تعالى عليها ، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها ; فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار ، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل .
قرأ عكرمة ( حينا تمسون وحينا تصبحون ) والمعنى : حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه ; فحذف ( فيه ) تخفيفا ، والقول فيه كالقول في واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا . وعشيا قال الجوهري : العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ; تقول : أتيته عشية أمس وعشي أمس . وتصغير العشي : عشيان ، على غير قياس مكبره ; كأنهم صغروا عشيانا ، والجمع عشيانات . وقيل أيضا في تصغيره : عشيشيان ، والجمع عشيشيات . وتصغير العشية عشيشية ، والجمع عشيشيات . والعشاء ( بالكسر والمد ) مثل العشي . والعشاءان المغرب والعتمة . وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، وأنشدوا :
غدونا غدوة سحرا بليل عشاء بعدما انتصف النهار
الماوردي : والفرق بين المساء والعشاء : أن المساء بدو الظلام بعد المغيب ، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب ، وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس .
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)

(وَلهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره (فِي السَّمَاوَاتِ) من سكانها من الملائكة، ( وَالأرْضِ ) من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها، (وَعَشِيًّا) يقول: وسَبِّحوه أيضا عشيا، وذلك صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) يقول: وحين تَدْخلون في وقت الظهر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رَزين، قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس: هل نجد (2) ميقات الصلوات الخمس في كتاب الله؟ قال: نعم (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الفجر (وَعَشِيًّا) العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر، قال: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رَزين، قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الصلوات الخمس في القرآن، قال: نعم، فقرأ (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) قال: صلاة المغرب (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) قال: صلاة الصبح (وَعَشِيًّا) قال: صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر، ثم قرأ: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ .
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن الحكم بن أبي عياض، عن ابن عباس، قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) قال: المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الفجر (وَعَشِيًّا) العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن الحكم، عن أبي عياض، عن ابن عباس، بنحوه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن الحكم، عن أبي عياض، عن ابن عباس في قوله: (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ...) إلى قوله: (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) قال: جمعت الصلوات (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الصبح (وَعَشِيًّا) صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن ليث، عن مجاهد (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الفجر (وَعَشِيًّا) العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر، وكلّ سجدة في القرآن فهي صلاة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) لصلاة المغرب (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) لصلاة الصبح (وَعشَيًّا) لصلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر أربع صلوات.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) قال: (حِينَ تُمْسُونَ): صلاة المغرب، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ): صلاة الصبح، وعشيا: صلاة العصر، وحين تظهرون: صلاة الظهر.
-----------------------
الهوامش :
(2) (هل تجد): ساقطة من الأصل، وأوردها الشوكاني في تفسيره فتح القدير (4 : 114) وسقط منه بعدها كلمة "ميقات" التي أوردها المؤلف هنا .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features