إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)

يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
{ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } الكرام، أي: يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار. { أَلَّا تَخَافُوا } على ما يستقبل من أمركم، { وَلَا تَحْزَنُوا } على ما مضى، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولاً.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)

قوله تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال عطاء عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله ، والملائكة بناته ، وهؤلاء شفعاءنا عند الله ، فلم يستقيموا . وقال أبو بكر : ربنا الله وحده لا شريك له ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله ، فاستقام . وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال : قد قال الناس ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها فهو ممن استقام قال : حديث غريب . ويروى في هذه الآية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي معنى استقاموا ، ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - وفي رواية - غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم زاد الترمذي قلت : يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال : ( هذا ) . وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال : ثم استقاموا لم يشركوا بالله شيئا . وروى عنه الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه : ما تقولون في هاتين الآيتين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا و الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فقالوا : استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة ، فقال أبو بكر : لقد حملتموها على غير المحمل قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره " ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال على المنبر وهو يخطب : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقال : استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يرغوا روغان الثعالب . وقال عثمان - رضي الله عنه - : ثم أخلصوا العمل لله . وقال علي - رضي الله عنه - : ثم أدوا الفرائض . وأقوال التابعين بمعناها . قال ابن زيد وقتادة : استقاموا على الطاعة لله . الحسن : استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته . وقال مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا . وقال سفيان الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا . وقال الربيع : أعرضوا عما سوى الله . وقال الفضيل بن عياض : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية . وقيل : استقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا . وقيل : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا . وقال أنس : لما نزلت هذه الآية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هم أمتي ورب الكعبة . وقال الإمام ابن فورك : السين سين الطلب ، مثل استسقى أي : سألوا من الله أن يثبتهم على الدين . وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
قلت : وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها : اعتدلوا على طاعة الله عقدا وقولا وفعلا ، وداموا على ذلك . تتنزل عليهم الملائكة قال ابن زيد ومجاهد : عند الموت . وقال مقاتل وقتادة : إذا قاموا من قبورهم للبعث . وقال ابن عباس : هي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة . وقال وكيع وابن زيد : البشرى في ثلاثة مواطن : عند الموت ، وفي القبر ، وعند البعث . ألا تخافوا أي ب " ألا تخافوا " فحذف الجار . وقال مجاهد : لا تخافوا الموت . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول ، وقال عكرمة ولا تخافوا إمامكم ، ولا تحزنوا على ذنوبكم . ولا تحزنوا على أولادكم ، فإن الله خليفتكم عليهم . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم . وقال عكرمة : لا تحزنوا على ذنوبكم . وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون .
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)

قوله عز وجل : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) سئل أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئا . وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " الاستقامة " أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغ روغان الثعلب . وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - : أخلصوا العمل لله . وقال علي - رضي الله عنه - : أدوا الفرائض . وقال ابن عباس : استقاموا على أداء الفرائض .
وقال الحسن : استقاموا على أمر الله تعالى فعملوا بطاعته ، واجتنبوا معصيته .
وقال مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله .
وقال مقاتل : استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا . وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
قوله عز وجل : ( تتنزل عليهم الملائكة ) قال ابن عباس : عند الموت . وقال قتادة ومقاتل : إذا قاموا من قبورهم . قال وكيع بن الجراح : البشرى تكون في ثلاث مواطن : عند الموت وفي القبر وعند البعث . ( ألا تخافوا ) من الموت . وقال مجاهد : لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة . ( ولا تحزنوا ) على ما خلفتم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم . ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features