رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

أي: يسبح فيها الله، رجال، وأي: رجال، ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا، ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب، مشغلة عنه، { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ } وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوض، فيكون قوله: { وَلَا بَيْعٌ } من باب عطف الخاص على العام، لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره، فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك، لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على { ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.ولما كان ترك الدنيا شديدا على أكثر النفوس، وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوبا لها، ويشق عليها تركه في الغالب، وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك، ذكر ما يدعوها إلى ذلك -ترغيبا وترهيبا- فقال: { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } من شدة هوله وإزعاجه للقلوب والأبدان، فلذلك خافوا ذلك اليوم، فسهل عليهم العمل، وترك ما يشغل عنه
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

لما قال تعالى : ( رجال ) وخصهم بالذكر دل على أن النساء لا حظ لهن في المساجد ؛ إذ لا جمعة عليهن ، ولا جماعة ، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل . روى أبو داود ، عن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها .
( لا تلهيهم ) أي لا تشغلهم . ( تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن الصلاة . فإن قيل : فلم كرر ذكر البيع ، والتجارة تشمله . قيل له : أراد بالتجارة الشراء لقوله : ( ولا بيع ) . نظيره قوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها قاله الواقدي . وقال الكلبي : التجار هم الجلاب المسافرون ، والباعة هم المقيمون . عن ذكر الله اختلف في تأويله ؛ فقال عطاء : يعني حضور الصلاة ؛ وقاله ابن عباس ، وقال : المكتوبة . وقيل عن الأذان ؛ ذكره يحيى بن سلام . وقيل : عن ذكره بأسمائه الحسنى ؛ أي يوحدونه ويمجدونه . والآية نزلت في أهل الأسواق ؛ قاله ابن عمر . قال سالم : جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم ، وقاموا ليصلوا في جماعة ، فقال : فيهم نزلت : رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع الآية . وقال أبو هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله . وقيل : إن رجلين كانا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدهما بياعا فإذا سمع النداء بالصلاة ، فإن كان الميزان بيده طرحه ، ولا يضعه وضعا ، وإن كان بالأرض لم يرفعه . وكان الآخر قينا يعمل السيوف للتجارة ، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة ، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان ؛ فأنزل الله تعالى هذا ثناء عليهما وعلى كل من اقتدى بهما .
قوله تعالى : ( وإقام الصلاة ) هذا يدل على أن المراد بقوله : عن ذكر الله غير الصلاة ؛ لأنه يكون تكرارا . يقال : أقام الصلاة إقامة ، والأصل إقواما فقلبت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفا وبعدها ألف ساكنة فحذفت إحداهما ، وأثبتت الهاء لئلا تحذفها فتجحف ، فلما أضيفت قام المضاف مقام الهاء فجاز حذفها ، وإن لم تضف لم يجز حذفها ؛ ألا ترى أنك تقول : وعد عدة ، ووزن زنة ، فلا يجوز حذف الهاء ، لأنك قد حذفت واوا ؛ لأن الأصل وعد وعدة ، ووزن وزنة ، فإن أضفت حذفت الهاء ، وأنشد الفراء :
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
يريد عدة ، فحذف الهاء لما أضاف . وروي من حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجب بيض قوائمها من العنبر ، وأعناقها من الزعفران ، ورءوسها من المسك ، وأزمتها من الزبرجد الأخضر ، وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها ، وأئمتها يسوقونها ، وعمارها متعلقون بها ، فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف ، فيقول أهل الموقف هؤلاء ملائكة مقربون أو أنبياء مرسلون ، فينادى ما هؤلاء بملائكة ولا أنبياء ، ولكنهم أهل المساجد ، والمحافظون على الصلوات من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : ( يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، يعمرون مساجدهم وهي من ذكر الله خراب ، شر أهل ذلك الزمن علماؤهم ، منهم تخرج الفتنة ، وإليهم تعود ) يعني أنهم يعلمون ولا يعملون بواجبات ما علموا .
قوله تعالى : وإيتاء الزكاة قيل : الزكاة المفروضة ؛ قاله الحسن . وقال ابن عباس : الزكاة هنا طاعة الله تعالى والإخلاص ؛ إذ ليس لكل مؤمن مال . ( يخافون يوما ) يعني يوم القيامة . تتقلب فيه القلوب والأبصار يعني من هوله وحذر الهلاك . والتقلب التحول ، والمراد قلوب الكفار وأبصارهم . فتقلب القلوب انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر ، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج . وأما تقلب الأبصار فالزرق بعد الكحل ، والعمى بعد البصر . وقيل : تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة ، والخوف من الهلاك ، والأبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم ، وإلى أي ناحية يؤخذ بهم . وقيل : إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك ، وكذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين ؛ وذلك مثل قوله تعالى : فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فما كان يراه في الدنيا غيا يراه رشدا ؛ إلا أن ذلك لا ينفعهم في الآخرة . وقيل : تقلب على جمر جهنم ، كقوله تعالى : يوم تقلب وجوههم في النار ، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم . في قول من جعل المعنى تقلبها على لهب النار . وقيل : تقلب بأن تلفحها النار مرة وتنضجها مرة . وقيل : إن تقلب القلوب وجيبها ، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال .
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

( رجال ) قيل : خص الرجال بالذكر في هذه المساجد لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد ، ( لا تلهيهم ) لا تشغلهم ، ( تجارة ) قيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات ، وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعا لأنه ذكر البيع بعد هذا ، كقوله : " وإذا رأوا تجارة " ( الجمعة - 11 ) يعني : الشراء ، وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يديه . قوله : ( ولا بيع عن ذكر الله ) عن حضور المساجد لإقامة الصلاة ، ( وإقام ) أي : لإقامة ، ( الصلاة ) حذف الهاء وأراد أداءها في وقتها ، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة ، وأعاد ذكر إقامة الصلاة مع أن المراد من ذكر الله الصلوات الخمس لأنه أراد بإقام الصلاة حفظ المواقيت . روى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) المفروضة ، قال ابن عباس رضي الله عنه : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها . وقيل : هي الأعمال الصالحة . ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) قيل : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر ، وتنفتح الأبصار من الأغطية ، وقيل : تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء تخشى الهلاك وتطمع في النجاة ، وتقلب الأبصار من هوله أي : ناحية يؤخذ بهم ذات اليمين أم ذات الشمال ، ومن أين يؤتون الكتب من قبل الأيمان أم من قبل الشمائل ، وذلك يوم القيامة . وقيل : تتقلب القلوب في الجوف فترتفع إلى الحنجرة فلا تنزل ولا تخرج ، وتقلب البصر شخوصه من هول الأمر وشدته .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features