وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)

ذكر تعالى حال الناس، عند ركوبهم البحر، وغشيان الأمواج كالظل فوقهم، أنهم يخلصون الدعاء [للّه] والعبادة: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين:
فرقة مقتصدة، أي: لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم.
وفرقة كافرة بنعمة اللّه، جاحدة لها، ولهذا قال: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ } أي غدار، ومن غدره، أنه عاهد ربه، لئن أنجيتنا من البحر وشدته، لنكونن من الشاكرين، فغدر ولم يف بذلك، { كَفُور } بنعم اللّه. فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه؟
وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)

ثم قال : ( وإذا غشيهم موج كالظلل ) أي : كالجبال والغمام ، ( دعوا الله مخلصين له الدين ) ، كما قال تعالى : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) [ الإسراء : 67 ] ، وقال ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) [ العنكبوت : 65 ] .
ثم قال : ( فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) قال مجاهد : أي كافر . كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد ، كما قال تعالى : ( فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ العنكبوت : 65 ] .
وقال ابن زيد : هو المتوسط في العمل .
وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) [ فاطر : 32 ] ، فالمقتصد هاهنا هو : المتوسط في العمل . ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر ، ثم بعدما أنعم عليه من الخلاص ، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والدؤوب في العبادة ، والمبادرة إلى الخيرات . فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه ، والله أعلم .
وقوله : ( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) : فالختار : هو الغدار . قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وهو الذي كلما عاهد نقض عهده ، والختر : أتم الغدر وأبلغه ، قال عمرو بن معديكرب :
وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
وقوله : ( كفور ) أي : جحود للنعم لا يشكرها ، بل يتناساها ولا يذكرها .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features