فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)

يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما في ذلك اليوم، من المزعجات والمقلقات، وأنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث، فحشر الناس أجمعون، لميقات يوم معلوم، أنه يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم، التي هي أقوى الأسباب، فغير الأنساب من باب أولى، وأنه لا يسأل أحد أحدا عن حاله، لاشتغاله بنفسه، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها؟ قال تعالى: { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)

( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ) اختلفوا في هذه النفخة ، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنها النفخة الأولى " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض " ( الزمر - 68 ) ، ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " ( الزمر - 68 ) ، " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ( الصافات - 27 ) .
وعن ابن مسعود : أنها النفخة الثانية ، قال : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد : هذا فلان ابن فلان ، فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه ، فيفرح المرء أن [ يكون له ] الحق على والده وولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ، ثم قرأ ابن مسعود فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .
وفي رواية عطاء عن ابن عباس : أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي : لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ، ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا : من أنت ومن أي قبيلة أنت؟ ولم يرد أن الأنساب تنقطع .
فإن قيل : أليس قد جاء في الحديث : " كل سبب ونسب ينقطع إلا نسبي وسببي " .
قيل : معناه لا يبقى يوم القيامة سبب ولا نسب إلا نسبه وسببه ، وهو الإيمان والقرآن .
فإن قيل : قد قال هاهنا ( ولا يتساءلون ) وقال في موضع آخر : " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ( الصافات - 27 ) .
الجواب : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن للقيامة أحوالا ومواطن ، ففي موطن يشتد عليهم الخوف ، فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون ، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون .
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)

قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور المراد بهذا النفخ النفخة الثانية . فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون قال ابن عباس : لا يفتخرون بالأنساب في الآخرة كما يفتخرون بها في الدنيا ، ولا يتساءلون فيها كما يتساءلون في الدنيا ؛ من أي قبيلة أنت ولا من أي نسب ، ولا يتعارفون لهول ما أذهلهم . وعن ابن عباس أن ذلك في النفخة الأولى حين يصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وسأل رجل ابن عباس ، عن هذه الآية وقوله : فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون فقال : لا يتساءلون في النفخة الأولى ؛ لأنه لا يبقى على الأرض حي ، فلا أنساب ولا تساؤل . وأما قوله فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون فإنهم إذا دخلوا الجنة تساءلوا . وقال ابن مسعود : إنما عنى في هذه الآية النفخة الثانية . وقال أبو عمر زاذان : دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخير واليمنة قد سبقوني إليه ، فناديت بأعلى صوتي : يا عبد الله بن مسعود ! من أجل أني رجل أعجمي أدنيت هؤلاء وأقصيتني ! فقال : ادنه ؛ فدنوت ، حتى ما كان بيني وبينه جليس فسمعته يقول : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد : هذا فلان بن فلان ، من كان له حق فليأت إلى حقه ؛ فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على أبيها ، أو على زوجها ، أو على أخيها ، أو على ابنها ؛ ثم قرأ ابن مسعود : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فيقول الرب سبحانه وتعالى ( آت هؤلاء حقوقهم ) فيقول : يا رب قد فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم ؛ فيقول الرب للملائكة : ( خذوا من حسناته فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته ) فإن كان وليا لله فضلت من حسناته مثقال حبة من خردل فيضاعفها الله تعالى حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) . وإن كان شقيا قالت الملائكة : رب ! فنيت حسناته وبقي طالبون ؛ فيقول الله تعالى : ( خذوا من أعمالهم فأضيفوها إلى سيئاته وصكوا له صكا إلى جهنم ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features