وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)

هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابع لهن ، مما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد لما أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد ، فإحداهن في سورة يونس : ( ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ) [ يونس : 53 ] ، والثانية هذه : ( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) ، والثالثة في التغابن : ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) [ التغابن : 7 ] ، فقوله : ( قل بلى وربي لتأتينكم ) ، ثم وصفه بما يؤكد ذلك ويقرره : ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) .
قال مجاهد وقتادة : ( لا يعزب عنه ) لا يغيب عنه ، أي : الجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى عليه منه شيء ، فالعظام وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت ، فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت ، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة ، فإنه بكل شيء عليم .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
يقول تعالى ذكره: ويستعجلك يا محمد الذين جحدوا قدرة الله على إعادة خلقه بعد فنائهم بهيئتهم التي كانوا بها من قبل فنائهم من قومك بقيام الساعة؛ استهزاء بوعدك إياهم وتكذيبا لخبرك، قل لهم: بلى تأتيكم وربي، قسمًا به لتأتينكم الساعة، ثم عاد جل جلاله بعد ذكره الساعة على نفسه، وتمجيدها فقال (عَالِمِ الْغَيْبِ).
واختلفت القراء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قراء المدينة (عَالِمُ الْغَيْبِ) على مثال فاعل، بالرفع على الاستئناف؛ إذ دخل بين قوله (وَرَبِّي) وبين قوله (عَالِمِ الْغَيْبِ) كلام حائل بينه وبينه، وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة، (عَالِمِ) على مثال فاعل غير أنهم خفضوا عالم ردًّا منهم له على قوله (وَرَبِّي) إذ كان من صفته. وقرأ ذلك بقية عامة قراء الكوفة (عَلام الْغَيْبِ) على مثال فعَّال، وبالخفض ردًّا لإعرابه على إعراب قوله (وربي) إذ كان من نعته.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن كلَّ هذه القراءات الثلاث قراءات مشهورات في قراء الأمصار متقاربات المعاني، فبأيتهن قرأ القارىء فمصيب، غير أن أعجب القراءات في ذلك إليَّ أن أقرأ بها(عَلام الْغَيْبِ) على القراءة التي ذكرتها عن عامة قراء أهل الكوفة، فأما اختيار علام على عالم فلأنها أبلغ في المدح. وأما الخفض فيها فلأنها من نعت الرب، وهو في موضع جر، وعنى بقوله (عَلام الْغَيْبِ) علام ما يغيب عن أبصار الخلق فلا يراه أحد، إما ما لم يكونه مما سيكونه أو ما قد كونه فلم يطلع عليه أحدًا غيره، وإنما وصف جل ثناؤه في هذا الموضع نفسه بعلمه الغيب إعلامًا منه خلقه أن الساعة لا يعلم وقت مجيئها أحد سواه، وإن كانت جائية فقال لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل للذين كفروا بربهم: بلى وربِّكم لتأتينكم الساعة، ولكنه لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى علام الغيوب، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة.
يعني جل ثناؤه بقوله (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) لا يغيب عنه ولكنه ظاهر له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) يقول: لا يغيب عنه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) قال: لا يغيب.
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) أي: لا يغيب عنه.
وقد بيَّنَّا ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله (مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) يعني: زنة ذرة في السماوات ولا في الأرض يقول تعالى ذكره: لا يغيب عنه شيء من زنة ذرة فما فوقها فما دونها، أين كان في السماوات ولا في الأرض (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ) يقول: ولا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرة (وَلا أَكْبَرُ) منه (إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) يقول: هو مثبت في كتاب يبين للناظر فيه أن الله تعالى ذكره قد أثبته وأحصاه وعلمه فلم يعزب عن علمه.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)

( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب ) قرأ أهل المدينة والشام : " عالم " بالرفع على الاستئناف ، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب ، أي : وربي عالم الغيب ، وقرأ حمزة والكسائي : " علام " على وزن فعال ، وبجر الميم . ) ( لا يعزب ) لا يغيب ( عنه مثقال ذرة ) وزن ذرة ( في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ) أي : من الذرة ( ولا أكبر إلا في كتاب مبين )
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)

قوله تعالى : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين
قوله تعالى : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قيل : المراد أهل مكة . قال مقاتل : قال أبو سفيان لكفار مكة : واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث . فقال الله : قل يا محمد بلى وربي لتأتينكم وروى هارون عن طلق المعلم قال : سمعت أشياخنا يقرءون ( قل بلى وربي ليأتينكم ) بياء ، حملوه على المعنى ، كأنه قال : ليأتينكم البعث أو أمره . كما قال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك . فهؤلاء الكفار مقرون بالابتداء منكرون الإعادة ، وهو نقض لما اعترفوا بالقدرة على البعث ، وقالوا : وإن قدر لا يفعل . فهذا تحكم بعد أن أخبر على ألسنة الرسل أنه يبعث الخلق ، وإذا ورد الخبر بشيء ، وهو ممكن في الفعل مقدور ، فتكذيب من وجب صدقه محال . ( عالم الغيب ) بالرفع قراءة نافع وابن كثير على الابتداء ، وخبره لا يعزب عنه وقرأ عاصم وأبو عمرو ( عالم ) بالخفض ; أي ( الحمد لله عالم ) ، فعلى هذه القراءة لا يحسن الوقف على قوله : ( لتأتينكم ) . وقرأ حمزة والكسائي : ( علام الغيب ) على المبالغة والنعت . لا يعزب عنه أي لا يغيب عنه ، ( ويعزب ) أيضا . قال الفراء : والكسر أحب إلي . النحاس وهي قراءة يحيى بن وثاب ، وهي لغة معروفة . يقال عزب يعزب ويعزب إذا بعد وغاب . مثقال ذرة أي قدر نملة صغيرة . في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وفي قراءة الأعمش ( ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ) بالفتح فيهما عطفا على ( ذرة ) . وقراءة العامة بالرفع عطفا على ( مثقال ) . إلا في كتاب مبين فهو العالم بما خلق ولا يخفى عليه شيء .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features