قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6)

وقال تعالى في جواب ما عاندوا هاهنا وافتروا : ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ) أي : أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين إخبارا حقا صدقا مطابقا للواقع في الخارج ، ماضيا ومستقبلا ( أنزله الذي يعلم السر ) أي : الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض ، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر .
وقوله : ( إنه كان غفورا رحيما ) : دعاء لهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن رحمته واسعة ، وأن حلمه عظيم ، وأن من تاب إليه تاب عليه . فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتهم وكفرهم وعنادهم ، وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا ، يدعوهم إلى التوبة والإقلاع عما هم فيه إلى الإسلام والهدى ، كما قال تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ) [ المائدة : 73 - 74 ] ، وقال تعالى : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) [ البروج : 10 ] . قال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الكرم والجود ، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة [ سبحانه وتعالى ] .
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6)

قوله تعالى : قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض أي قل يا محمد أنزل هذا القرآن الذي يعلم السر ، فهو عالم الغيب ، فلا يحتاج إلى معلم . وذكر السر دون الجهر ; لأنه من علم السر فهو في الجهر أعلم . ولو كان القرآن مأخوذا من أهل الكتاب وغيرهم لما زاد عليها ، وقد جاء بفنون تخرج عنها ، فليس مأخوذا منها . وأيضا ولو كان مأخوذا من هؤلاء لتمكن المشركون منه أيضا كما تمكن محمد صلى الله عليه وسلم ; فهلا عارضوه ؟ فبطل اعتراضهم من كل وجه . إنه كان غفورا رحيما يريد غفورا لأوليائه رحيما بهم .
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6)

قال الله - عز وجل - ردا عليهم : ( قل أنزله ) يعني القرآن ، ( الذي يعلم السر ) يعني الغيب ، ( في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما )
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6)

وقوله: ( قُلْ أَنـزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذّبين بآيات الله من مشركي قومك: ما الأمر كما تقولون من أن هذا القرآن أساطير الأولين، وأن محمد صلى الله عليه وسلم افتراه وأعانه عليه قوم آخرون, بل هو الحقّ, أنـزله الربّ الذي يعلم سرّ من في السماوات ومن في الأرض, ولا يخفى عليه شيء, ومحصي ذلك على خلقه, ومجازيهم بما عزمت عليه قلوبهم، وأضمروه في نفوسهم ( إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) يقول: إنه لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم, فيتفضل عليهم بعفوه, يقول: فلأن ذلك من عادته في خلقه, يمهلكم أيها القائلون ما قلتم من الإفك، والفاعلون ما فعلتم من الكفر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج ( قُلْ أَنـزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: ما يسرّ أهل الأرض وأهل السماء.
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6)

فلذلك رد عليهم ذلك بقوله: { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ْ} أي: أنزله من أحاط علمه بما في السماوات وما في الأرض، من الغيب والشهادة والجهر والسر كقوله: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ْ}
ووجه إقامة الحجة عليهم أن الذي أنزله، هو المحيط علمه بكل شيء، فيستحيل ويمتنع أن يقول مخلوق ويتقول عليه هذا القرآن، ويقول: هو من عند الله وما هو من عنده ويستحل دماء من خالفه وأموالهم، ويزعم أن الله قال له ذلك، والله يعلم كل شيء ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على أعدائه، ويمكنه من رقابهم وبلادهم فلا يمكن أحدا أن ينكر هذا القرآن، إلا بعد إنكار علم الله، وهذا لا تقول به طائفة من بني آدم سوى الفلاسفة الدهرية.
وأيضا فإن ذكر علمه تعالى العام ينبههم: ويحضهم على تدبر القرآن، وأنهم لو تدبروا لرأوا فيه من علمه وأحكامه ما يدل دلالة قاطعة على أنه لا يكون إلا من عالم الغيب والشهادة، ومع إنكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم، أنه لم يدعهم وظلمهم بل دعاهم إلى التوبة والإنابة إليه ووعدهم بالمغفرة والرحمة، إن هم تابوا ورجعوا فقال: { إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا ْ} أي: وصفه المغفرة لأهل الجرائم والذنوب، إذا فعلوا أسباب المغفرة وهي الرجوع عن معاصيه والتوبة منها. { رَحِيمًا ْ} بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة وقد فعلوا مقتضاها، وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي وحيث محا ما سلف من سيئاتهم وحيث قبل حسناتهم وحيث أعاد الراجع إليه بعد شروده والمقبل عليه بعد إعراضه إلى حالة المطيعين المنيبين إليه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features