إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11)

وقوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) هذا استثناء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على [ عمل ] شيء ثم أقلع عنه ، ورجع وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) [ طه : 82 ] ، وقال تعالى : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) [ النساء : 110 ] والآيات في هذا كثيرة جدا .
إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11)

وقوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) واختلف في هذا الاستثناء ، قيل : هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك ، ثم تاب فقال : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فغفر له . قال ابن جريج : قال الله تعالى لموسى : إنما أخفتك لقتلك النفس . وقال : معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله : ) ( إلا من ظلم ) ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة . وفي الآية متروك استغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه ، تقديره : فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم .
وقال بعض العلماء : ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم ، بل هو استثناء من المتروك في الكلام ، معناه : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين ، إلا من ظلم ثم تاب ، وهذا من الاستثناء المنقطع ، معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف ، فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإن الله غفور رحيم ، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه .
وقال بعض النحويين : " إلا " هاهنا بمعنى : " ولا " يعني : لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ، يقول : لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون ، كقوله تعالى : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ( البقرة - 150 ) ، يعني : ولا الذين ظلموا
إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11)

ثم استثنى استثناء منقطعا فقال : إلا من ظلم وقيل : إنه استثناء من محذوف ; والمعنى : إني لا يخاف لدي المرسلون وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإنه لا يخاف ; قاله الفراء . قال النحاس : الاستثناء من محذوف محال ; لأنه استثناء من شيء لم يذكر ولو جاز هذا لجاز إني لأضرب القوم إلا زيدا بمعنى إني لا أضرب القوم وإنما أضرب غيرهم إلا زيدا ; وهذا ضد البيان ، والمجيء بما لا يعرف معناه . وزعم الفراء أيضا أن بعض النحويين يجعل " إلا " بمعنى الواو أي ولا من ظلم ; قال :
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
قال النحاس : وكون ( إلا ) بمعنى الواو لا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام ، ومعنى ( إلا ) خلاف الواو ; لأنك إذا قلت : جاءني إخوتك إلا زيدا أخرجت زيدا مما دخل فيه الإخوة فلا نسبة بينهما ولا تقارب . وفي الآية قول آخر : وهو أن يكون الاستثناء متصلا ; والمعنى : إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد ، سوى ما روي عن يحيى بن زكريا عليه السلام ، وما ذكره الله تعالى في نبينا عليه السلام في قوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ذكره المهدوي واختاره النحاس ; وقال : علم الله من عصى منهم يسر الخيفة فاستثناه فقال : إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإنه يخاف وإن كنت قد غفرت له .
الضحاك : يعني آدم وداود عليهما السلام الزمخشري . كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف ، ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي . فإن قال قائل : فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة ؟ قيل له : هذه سبيل العلماء بالله عز وجل أن يكونوا خائفين من معاصيهم وجلين ، وهم أيضا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به ، فهم يخافون من المطالبة به . وقال الحسن وابن جريج : قال الله لموسى إني أخفتك لقتلك النفس . قال الحسن : وكانت الأنبياء تذنب فتعاقب . قال الثعلبي والقشيري والماوردي وغيرهم : فالاستثناء على هذا صحيح ; أي إلا من ظلم نفسه من النبيين والمرسلين فيما فعل من صغيرة قبل النبوة . وكان موسى خاف من قتل القبطي وتاب منه . وقد قيل : إنهم بعد النبوة معصومون من الصغائر والكبائر . وقد مضى هذا في ( البقرة ) .
قلت : والأول أصح لتنصلهم من ذلك في القيامة كما في حديث الشفاعة ، وإذا أحدث المقرب حدثا فهو ، وإن غفر له ذلك الحدث فأثر ذلك الحدث باق ، وما دام الأثر والتهمة قائمة فالخوف كائن ، لا خوف العقوبة ولكن خوف العظمة ، والمتهم عند السلطان يجد للتهمة حزازة تؤديه إلى أن يكدر عليه صفاء الثقة . وموسى عليه السلام قد كان منه الحدث في ذلك الفرعوني ، ثم استغفر وأقر بالظلم على نفسه ، ثم غفر له ، ثم قال بعد المغفرة : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم ابتلي من الغد بالفرعوني الآخر وأراد أن يبطش به ، فصار حدثا آخر بهذه الإرادة . وإنما ابتلي من الغد لقوله : فلن أكون ظهيرا للمجرمين وتلك كلمة اقتدار من قوله لن أفعل ، فعوقب بالإرادة حين أراد أن يبطش ولم يفعل ، فسلط عليه الإسرائيلي حتى أفشى سره ; لأن الإسرائيلي لما رآه تشمر للبطش ظن أنه يريده ، فأفشى عليه ف قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فهرب الفرعوني وأخبر فرعون بما أفشى الإسرائيلي على موسى ، وكان القتيل بالأمس مكتوما أمره لا يدرى من قتله ، فلما علم فرعون بذلك ، وجه في طلب موسى ليقتله ، واشتد الطلب وأخذوا مجامع الطرق ; جاء رجل يسعى ف قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك الآية . فخرج كما أخبر الله . فخوف موسى إنما كان من أجل هذا الحدث ; فهو وإن قربه ربه وأكرمه واصطفاه بالكلام فالتهمة الباقية ولت به ولم يعقب .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features