أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)

قوله تعالى : ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم ) أتم وأكمل ) ( نعمه ) قرأ أهل المدينة ، وأبو عمرو ، وحفص : " نعمه " بفتح العين وضم الهاء على الجمع ، وقرأ الآخرون منونة على الواحد ، ومعناها الجمع أيضا كقوله : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " ( إبراهيم - 14 ) ( ظاهرة وباطنة ) قال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة : الإسلام والقرآن ، والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة وقال الضحاك : الظاهرة : حسن الصورة وتسوية الأعضاء ، والباطنة : المعرفة . وقال مقاتل : الظاهرة : تسوية الخلق ، والرزق ، والإسلام . والباطنة : ما ستر من الذنوب . وقال الربيع : الظاهرة بالجوارح ، والباطنة : بالقلب . وقيل : الظاهرة : الإقرار باللسان ، والباطنة : الاعتقاد بالقلب . وقيل : الظاهرة : تمام الرزق والباطنة : حسن الخلق . وقال عطاء : الظاهرة : تخفيف الشرائع ، والباطنة : الشفاعة .
وقال مجاهد : الظاهرة : ظهور الإسلام والنصر على الأعداء ، والباطنة : الإمداد بالملائكة . وقيل : الظاهرة : الإمداد بالملائكة ، والباطنة : إلقاء الرعب في قلوب الكفار . وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة : اتباع الرسول ، والباطنة : محبته . ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ) نزلت في النضر بن الحارث ، وأبي بن خلف ، وأمية بن خلف ، وأشباههم كانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - في الله وفي صفاته بغير علم ( ولا هدى ولا كتاب منير )
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)

يمتن تعالى على عباده بنعمه، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها; وعدم الغفلة عنها فقال: { أَلَمْ تَرَوْا } أي: تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم، { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ } من الشمس والقمر والنجوم، كلها مسخرات لنفع العباد.
{ وَمَا فِي الْأَرْضِ } من الحيوانات والأشجار والزروع، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }
{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ } أي: عمّكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها; والتي تخفى علينا، نعم الدنيا، ونعم الدين، حصول المنافع، ودفع المضار، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم; بمحبة المنعم والخضوع له; وصرفها في الاستعانة على طاعته، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته.
{ و } لكن مع توالي هذه النعم; { مِنَ النَّاسِ مَنْ } لم يشكرها; بل كفرها; وكفر بمن أنعم بها; وجحد الحق الذي أنزل به كتبه; وأرسل به رسله، فجعل { يُجَادِلُ فِي اللَّهِ } أي: يجادل عن الباطل; ليدحض به الحق; ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة اللّه وحده، وهذا المجادل على غير بصيرة، فليس جداله عن علم، فيترك وشأنه، ويسمح له في الكلام { وَلَا هُدًى } يقتدي به بالمهتدين { وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } [غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين] وإنما جداله في اللّه مبني على تقليد آباء غير مهتدين، بل ضالين مضلين.
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)

قوله تعالى : ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ذكر نعمه على بني آدم ، وأنه سخر لهم ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم وملائكة تحوطهم وتجر إليهم منافعهم . وما في الأرض عام في الجبال والأشجار والثمار وما لا يحصى . وأسبغ عليكم نعمه أي أكملها وأتمها . وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة : ( وأصبغ ) بالصاد على بدلها من السين ; لأن حروف الاستعلاء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا . والنعم : جمع نعمة كسدرة وسدر ( بفتح الدال ) وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحفص . الباقون : ( نعمة ) على الإفراد ; والإفراد يدل على الكثرة ; كقوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . وهي قراءة ابن عباس من وجوه صحاح . وقيل : إن معناها الإسلام ; قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وقد سأله عن هذه الآية : الظاهرة الإسلام وما حسن من خلقك ، والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك . قال النحاس : وشرح هذا أن سعيد بن جبير قال في قول الله عز وجل : ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم قال : يدخلكم الجنة . وتمام نعمة الله عز وجل على العبد أن يدخله الجنة ، فكذا لما كان الإسلام يئول أمره إلى الجنة سمي نعمة . وقيل : الظاهرة الصحة وكمال الخلق ، والباطنة المعرفة والعقل . وقال المحاسبي : الظاهرة نعم الدنيا ، والباطنة نعم العقبى . وقيل : الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال في الناس وتوفيق الطاعات ، والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفع الله تعالى عن العبد من الآفات . وقد سرد الماوردي في هذا أقوالا تسعة ، كلها ترجع إلى هذا .
قوله تعالى : ومن الناس من يجادل في الله تقدم معناها في ( الحج ) وغيرها . نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أخبرني عن ربك ، من أي شيء هو ؟ فجاءت صاعقة فأخذته ; قاله مجاهد . وقد مضى هذا في ( الرعد ) . وقيل : إنها نزلت في النضر بن الحارث ، كان يقول : إن الملائكة بنات الله ; قاله ابن عباس . ( يجادل ) : يخاصم بغير علم أي بغير حجة ولا هدى ولا كتاب منير أي نير بين ; إلا الشيطان فيما يلقي إليهم .
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)

يقول تعالى منبها خلقه على نعمه عليهم في الدنيا والآخرة ، بأنه سخر لهم ما في السماوات من نجوم يستضيئون بها في ليلهم ونهارهم ، وما يخلق فيها من سحاب وأمطار وثلج وبرد ، وجعله إياها لهم سقفا محفوظا ، وما خلق لهم في الأرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار . وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإزاحة الشبه والعلل ، ثم مع هذا كله ما آمن الناس كلهم ، بل منهم من يجادل في الله ، أي : في توحيده وإرسال الرسل . ومجادلته في ذلك بغير علم ، ولا مستند من حجة صحيحة ، ولا كتاب مأثور صحيح; ولهذا قال تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) أي : مبين مضيء .
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
يقول تعالى ذكره: (أَلَمْ تَرَوْا) أيها الناس (أنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ) من شمس وقمر ونجم وسحاب (وَما فِي الأرْضِ) من دابة وشجر وماء وبحر وفلك، وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم، لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه، ( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ).
&; 20-148 &;
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض المكيين وعامة الكوفيين: (وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً) على الواحدة، ووجهوا معناها إلى أنه الإسلام، أو إلى أنها شهادة أن لا إله إلا الله. وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: (نِعَمَهُ) على الجماع، ووجَّهوا معنى ذلك، إلى أنها النعم التي سخرها الله للعباد مما في السموات والأرض، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله: شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ قالوا: فهذا جمع النعم.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، وذلك أن النعمة قد تكون بمعنى الواحدة، ومعنى الجماع، وقد يدخل في الجماع الواحدة. وقد قال جلّ ثناؤه وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا فمعلوم أنه لم يعن بذلك نعمة واحدة. وقال في موضع آخر: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ ، فجمعها، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ ذلك فمصيب.
ذكر بعض من قرأ ذلك على التوحيد، وفسَّره على ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، قال: ثني مستور الهنائي، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأها: (وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظَاهِرَةً وَباطِنةً)وفسَّرها: الإسلام.
حُدثت عن الفراء قال: ثني شريك بن عبد الله، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قرأ: (نِعْمَةً) واحدة. قال: ولو كانت (نِعْمَهُ)، لكانت نعمة دون نعمة، أو نعمة فوق نعمة " الشكّ من الفراء ".
حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حميد، قال: قرأ مجاهد: (وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظَاهِرَةً وَباطِنةً) قال: لا إله إلا الله.
حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا ابن أبي بكير، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظَاهِرَةً وَباطِنةً) قال: كان يقول: هي لا إله إلا الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد (وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظَاهِرَةً وَباطِنةً) قال: لا إله إلا الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عُيينة، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: &; 20-149 &; لا إله إلا الله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عيسى، عن قَيْس، عن ابن عباس (نِعَمَةً ظاهِرَةً وَباطِنَةً) قال: لا إله إلا الله. وقوله: (ظاهِرَةً) يقول: ظاهرة على الألسن قولا وعلى الأبدان وجوارح الجسد عملا. وقوله: (وَباطِنَةً) يقول: وباطنة في القلوب، اعتقادا ومعرفة.
وقوله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى ) يقول تعالى ذكره: ومن الناس من يخاصم في توحيد الله، وإخلاص الطاعة والعبادة له (بِغَيرِ عِلْمٍ) عنده بما يخاصم، (وَلا هُدًى): يقول: ولا بيان يبين به صحة ما يقول ( وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) يقول: ولا بتنـزيل من الله جاء بما يدعي، يبين حقية دعواه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) ليس معه من الله برهان ولا كتاب.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features