أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

( أفلم يسيروا في الأرض ) يعني : كفار مكة ، فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية ، ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) يعني : ما يذكر لهم من أخبار القرون الماضية فيعتبرون بها ، ( فإنها ) الهاء عماد ، ( لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ذكر " التي في الصدور " تأكيدا كقوله : ( يطير بجناحيه ) ( الأنعام : 38 ) معناه أن العمى الضار هو عمى القلب ، فأما عمى البصر فليس بضار في أمر الدين ، قال قتادة : البصر الظاهر : بلغة ومتعة ، وبصر القلب : هو البصر النافع .
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض ) أي : بأبدانهم وبفكرهم أيضا ، وذلك كاف ، كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " :
حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر ، حدثنا مالك بن دينار قال : أوحى الله تعالى إلى موسى ، عليه السلام ، أن يا موسى ، اتخذ نعلين من حديد وعصا ، ثم سح في الأرض ، واطلب الآثار والعبر ، حتى تتخرق النعلان وتكسر العصا .
وقال ابن أبي الدنيا : قال بعض الحكماء : أحي قلبك بالمواعظ ، ونوره بالفكر ، وموته بالزهد ، وقوه باليقين ، وذلله بالموت ، وقرره بالفناء ، وبصره فجائع الدنيا ، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام ، واعرض عليه أخبار الماضين ، وذكره ما أصاب من كان قبله ، وسر في ديارهم وآثارهم ، وانظر ما فعلوا ، وأين حلوا ، وعم انقلبوا .
أي : فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) أي : فيعتبرون بها ، ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) أي : ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ، ولا تدري ما الخبر . وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى وهو أبو محمد عبد الله بن محمد ابن سارة الأندلسي الشنتريني ، وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة :
يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد نادى به الناعيان : الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ، ففيم ترى
في رأسك الواعيان : السمع والبصر؟ ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل
لم يهده الهاديان : العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ، ولا الفلك ال
أعلى ولا النيران : الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا ، وإن كرها
فراقها الثاويان : البدو والحضر
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

قوله تعالى : أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
قوله تعالى : أفلم يسيروا في الأرض يعني كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتعظوا ، ويحذروا عقاب الله أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم . فتكون لهم قلوب يعقلون بها أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن . وقد قيل : إن العقل محله الدماغ ؛ وروي عن أبي حنيفة ؛ وما أراها عنه صحيحة . فإنها لا تعمى الأبصار قال الفراء : الهاء عماد ، ويجوز أن يقال فإنه ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود ، والمعنى واحد ، التذكير على الخبر ، والتأنيث على الأبصار أو القصة ؛ أي فإن الأبصار لا تعمى ، أو فإن القصة . لا تعمى الأبصار أي أبصار العيون ثابتة لهم . ولكن تعمى القلوب التي في الصدور أي عن درك الحق والاعتبار . وقال قتادة : البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة ، والبصر النافع في القلب . وقال مجاهد : لكل عين أربع أعين ؛ يعني لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا . وقال قتادة ، وابن جبير : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى . قال ابن عباس ، ومقاتل : لما نزل ومن كان في هذه أعمى قال ابن أم مكتوم : يا رسول الله ، فأنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى ؟ فنزلت فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الإسلام فهو في الآخرة في النار .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features