وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69)

( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ) يقول: وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى.
وقوله ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى: إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر.
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر، ومكر السحر وخدعته: تخيله إلى المسحور، على خلاف ما هو به في حقيقته، فالساحر كائد بالسحر، والسحر كائد بالتخييل، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب، وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ ( كَيْدَ سِحْرٍ) بنصب كيد ، ومن قرأ ذلك كذلك، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد.
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها.
وقوله ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) يقول: ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان. وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول: معنى ذلك: أن الساحر يُقتل حيث وُجد. وذكر بعض نحويي البصرة، أن ذلك في حرف ابن مسعود ( ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أيْنَ أتَى) وقال: العرب تقول: جئتك من حيث لا تعلم، ومن أين لا تعلم، وقال غيره من أهل العربية الأول: جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال: وأما قول العرب: جئتك من حيث لا تعلم، ومن أين لا تعلم، فإنما هو جواب لم يفهم، فاستفهم كما قالوا: أين الماء والعشب.
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69)

{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } أي: عصاك { تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } أي: كيدهم ومكرهم، ليس بمثمر لهم ولا ناجح، فإنه من كيد السحرة، الذين يموهون على الناس، ويلبسون الباطل، ويخيلون أنهم على الحق، فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا كله وأكلته، والناس ينظرون لذلك الصنيع، فعلم السحرة علما يقينا أن هذا ليس بسحر، وأنه من الله، فبادروا للإيمان.
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69)

قوله تعالى : وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ولم يقل وألق عصاك ، فجائز أن يكون تصغيرا لها ؛ أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم ، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك ، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها ، وصغره وعظمها . وجائز أن يكون تعظيما لها أي لا تحفل بهذه الأجرام الكثيرة الكبيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها ، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها ؛ فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها . و ( تلقف ) بالجزم جواب الأمر ؛ كأنه قال : إن تلقه تتلقف ؛ أي تأخذ وتبتلع . وقرأ السلمي وحفص تلقف ساكنة اللام من لقف يلقف لقفا . وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة الشامي ويحيى بن الحارث ( تلقف ) بحذف التاء ورفع الفاء ، على معنى فإنها تتلقف . والخطاب لموسى . وقيل : للعصا . واللقف الأخذ بسرعة ، يقال : لقفت الشيء ( بالكسر ) ألقفه لقفا ، وتلقفته أيضا أي تناولته بسرعة . عن يعقوب : يقال رجل لقف ثقف أي خفيف حاذق . واللقف ( بالتحريك ) سقوط الحائط . ولقد لقف الحوض لقفا أي تهور من أسفله واتسع . وتلقف وتلقم وتلهم بمعنى . لقمت اللقمة ( بالكسر ) لقما ، وتلقمتها إذا ابتلعتها في مهلة وكذلك لهمه ( بالكسر ) إذا ابتلعه . إنما صنعوا أي الذي صنعوه وكذا إنما صنعوا أي إن الذي صنعوه . كيد بالرفع ( سحر ) بكسر السين وإسكان الحاء ؛ وهي قراءة الكوفيين إلا عاصما . وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون الكيد مضافا إلى السحر على الإتباع من غير تقدير حذف . والثاني : أن يكون في الكلام حذف أي كيد ذي سحر . وقرأ الباقون ( كيد ) بالنصب بوقوع الصنع عليه وما كافة ولا تضمر هاء ساحر بالإضافة . والكيد في الحقيقة على هذه القراءة مضاف للساحر لا للسحر . ويجوز فتح أن على معنى لأن ما صنعوا كيد ساحر . ولا يفلح الساحر حيث أتى أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض . وقيل : حيث احتال . وقد مضى في ( البقرة ) حكم الساحر ومعنى السحر فتأمله هناك .
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69)

ولهذا قال تعالى : ( إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد ، حدثنا ابن معاذ - أحسبه الصائغ - عن الحسن ، عن جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أخذتم - يعني الساحر - فاقتلوه " ثم قرأ : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) قال : " لا يؤمن به حيث وجد .
وقد روى أصله الترمذي موقوفا ومرفوعا .
فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه ، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه ، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل ، وأنه حق لا مرية فيه ، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون ، فعند ذلك وقعوا سجدا لله وقالوا : ( آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ) [ الشعراء : 47 ، 48 ] .
ولهذا قال ابن عباس ، وعبيد بن عمير : كانوا أول النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء بررة .
قال محمد بن كعب : كانوا ثمانين ألفا ، وقال القاسم بن أبي بزة : كانوا سبعين ألفا .
وقال السدي : بضعة وثلاثين ألفا .
وقال الثوري : عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ثمامة : كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفا .
وقال محمد بن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألفا .
وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن علي بن حمزة ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت السحرة سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيب بن واضح بمكة ، حدثنا ابن المبارك قال : قال الأوزاعي : لما خر السحرة سجدا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features