قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل وعز عن قيل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا، من قولهم: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ = أنه قال عندَ ذلك، وغضب من قيلهم له، (5) داعيا: يا رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي= يعني بذلك، لا أقدر على أحد أن أحمله على ما أحب وأريد من طاعتك واتّباع أمرك ونهيك، إلا على نفسي وعلى أخي.
* * *
= من قول القائل: " ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا "، بمعنى: لا أقدر على شيء غيره. (6)
* * *
ويعني بقوله: " فافرق بيننَا وبين القوم الفاسقين "، افصل بيننا وبينهم بقضاء منك تقضيه فينا وفيهم فتبعِدُهم منّا.
* * *
=من قول القائل: " فَرَقت بين هذين الشيئين "، بمعنى: فصلت بينهما، من قول الراجز: (7)
يَــا رَبِّ فــافْرُقْ بَيْنَــهُ وَبَيْنِـي
أَشَــدَّ مَــا فَــرَّقْتَ بَيْـنَ اثْنَيْـنَ (8)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك:
11686 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال، حدثني عمي &; 10-189 &; قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، يقول: اقض بيني وبينهم.
11687 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، يقول: اقض بيننا وبينهم.
11688 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: غضب موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له القوم: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون "، فدعا عليهم فقال: " رب إنّي لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، وكانت عَجْلَةً من موسى عِجلها. (9)
11689 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، يقول: اقض بيننا وبينهم، وافتح بيننا وبينهم= كلّ هذا يقول الرجل: " اقض بيننا " (10)
فقضاء الله جل ثناؤه بينه وبينهم: أن سماهم " فاسقين ". (11)
* * *
وعنى بقوله: " الفاسقين " الخارجين عن الإيمان بالله وبه إلى الكفر بالله وبه.
* * *
وقد دللنا على أن معنى " الفسق "، الخروج من شيء إلى شيء، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (12)
* * *
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)

فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه { قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } أي: فلا يدان لنا بقتالهم، ولست بجبار على هؤلاء. { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي: احكم بيننا وبينهم، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق.
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)

وقوله : ( قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) يعني : لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ) أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي هارون ( فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) قال العوفي عن ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .
وكذا قال الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر :
يا رب فافرق بينه وبيني أشد ما فرقت بين اثنين
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)

قوله تعالى : قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي لأنه كان يطيعه ، وقيل المعنى : إني لا أملك إلا نفسي ، ثم ابتدأ فقال : وأخي . أي : وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه ; فأخي على القول الأول في موضع نصب عطفا على نفسي ، وعلى الثاني في موضع رفع ، وإن شئت عطفت على اسم إن وهي الياء ; أي : إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا ، وإن شئت عطفت على المضمر في أملك كأنه قال : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا . فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين يقال : بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة ; الأول : بما يدل على بعدهم عن الحق ، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ; ولذلك ألقوا في التيه . الثاني : بطلب التمييز أي : ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب ، وقيل المعنى : فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ; ومنه قوله تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم أي : يقضى . وقد فعل لما أماتهم في التيه ، وقيل : إنما أراد في الآخرة ، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار ; والشاهد على الفرق الذي يدل على المباعدة في الأحوال قول الشاعر :
يا رب فافرق بينه وبيني أشد ما فرقت بين اثنين
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ : " فافرق " بكسر الراء .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features