وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْد إيمَانكُمْ كُفَّارًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ صَرَّحَ هَذَا الْقَوْل مِنْ قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ , بِأَنَّ خِطَابه بِجَمِيعِ هَذِهِ الْآيَات مِنْ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا } وَإِنْ صَرَفَ فِي نَفْسه الْكَلَام إلَى خِطَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إنَّمَا هُوَ خِطَاب مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَصْحَابه , وَعِتَاب مِنْهُ لَهُمْ , وَنَهْي عَنْ انْتِصَاح الْيَهُود وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك وَقَبُول آرَائِهِمْ فِي شَيْء مِنْ أُمُور دِينهمْ , وَدَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا اسْتَعْمَلُوا , أَوْ مَنْ اسْتَعْمَلَ مِنْهُمْ فِي خِطَابه وَمَسْأَلَته رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَفَاء , وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِعْمَاله مَعَهُ , تَأَسِّيًا بِالْيَهُودِ فِي ذَلِكَ أَوْ بِبَعْضِهِمْ . فَقَالَ لَهُمْ رَبّهمْ نَاهِيًا عَنْ اسْتِعْمَال ذَلِكَ : لَا تَقُولُوا لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقُول لَهُ الْيَهُود : " رَاعِنَا " تَأَسِّيًا مِنْكُمْ بِهِمْ , وَلَكِنْ قُولُوا : " اُنْظُرْنَا وَاسْمَعُوا " , فَإِنَّ أَذَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْر بِي وَجُحُود لِحَقِّي الْوَاجِب لِي عَلَيْكُمْ فِي تَعْظِيمه وَتَوْقِيره , وَلِمَنْ كَفَرَ بِي عَذَاب أَلِيم ; فَإِنَّ الْيَهُود وَالْمُشْرِكِينَ مَا يَوَدُّونَ أَنْ يَنْزِل عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِنْ رَبّكُمْ , وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ وَدُّوا أَنَّهُمْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْد إيمَانكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ لَكُمْ وَلِنَبِيِّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ فِي أَمْر مُحَمَّد وَأَنَّهُ نَبِيّ إلَيْهِمْ وَإِلَى خَلْقِي كَافَّة . وَقَدْ قِيلَ إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب } كَعْب بْن الْأَشْرَف . 1479 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب } هُوَ كَعْب بْن الْأَشْرَف . 1480 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان الْعُمَرِيّ , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ : كَعْب بْن الْأَشْرَف . وَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1481 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق . وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ وَأَبُو يَاسِر بْن أَخْطَبَ مِنْ أَشَدّ يَهُود لِلْعَرَبِ حَسَدًا , إذْ خَصَّهُمْ اللَّه بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدّ النَّاس عَنْ الْإِسْلَام بِمَا اسْتَطَاعَا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَوْ يَرُدُّونَكُمْ } الْآيَة . وَلَيْسَ لِقَوْلِ الْقَائِل عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب } كَعْب بْن الْأَشْرَف مَعْنَى مَفْهُوم ; لِأَنَّ كَعْب بْن الْأَشْرَف وَاحِد , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَوَدُّونَ لَوْ يَرُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ كَفَّارًا بَعْد إيمَانهمْ . وَالْوَاحِد لَا يُقَال لَهُ كَثِير بِمَعْنَى الْكَثْرَة فِي الْعَدَد , إلَّا أَنْ يَكُون قَائِل ذَلِكَ أَرَادَ بِوَجْهِ الْكَثْرَة الَّتِي وَصَفَ اللَّه بِهَا مَنْ وَصَفَهُ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَثْرَة فِي الْعِزّ وَرِفْعَة الْمَنْزِلَة فِي قَوْمه وَعَشِيرَته , كَمَا يُقَال : فُلَان فِي النَّاس كَثِير , يُرَاد بِهِ كَثْرَة الْمَنْزِلَة وَالْقَدْر . فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخَطَأ , لِأَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ قَدْ وَصَفَهُمْ بِصِفَةِ الْجَمَاعَة , فَقَالَ : { لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْد إيمَانكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا } فَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ عَنَى الْكَثْرَة فِي الْعَدَد . أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ الْكَلَام الَّذِي يَخْرَج مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , وَالْمَقْصُود بِالْخَبَرِ عَنْهُ الْوَاحِد , نَظِير مَا قُلْنَا آنِفًا فِي بَيْت جَمِيل ; فَيَكُون ذَلِكَ أَيْضًا خَطَأ , وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَام إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فَلَا بُدّ مِنْ دَلَالَة فِيهِ تَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَلَا دَلَالَة تَدُلّ فِي قَوْله : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب } أَنَّ الْمُرَاد بِهِ وَاحِد دُون جَمَاعَة كَثِيرَة , فَيَجُوز صَرْف تَأْوِيل الْآيَة إلَى ذَلِكَ وَإِحَالَة دَلِيل ظَاهِره إلَى غَيْر الْغَالِب فِي الِاسْتِعْمَال.
حَسَدًا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَسَدًا } . وَيَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { حَسَدًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ } أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب يَوَدُّونَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَوَدُّونَهُ لَهُمْ مِنْ الرِّدَّة عَنْ إيمَانهمْ إلَى الْكُفْر حَسَدًا مِنْهُمْ وَبَغْيًا عَلَيْهِمْ . وَالْحَسَد إذًا مَنْصُوب عَلَى غَيْر النَّعْت لِلْكُفَّارِ , وَلَكِنْ عَلَى وَجْه الْمَصْدَر الَّذِي يَأْتِي خَارِجًا مِنْ مَعْنَى الْكَلَام الَّذِي يُخَالِف لَفْظه لَفْظ الْمَصْدَر , كَقَوْلِ الْقَائِل لِغَيْرِهِ : تَمَنَّيْت لَك مَا تَمَنَّيْت مِنْ السُّوء حَسَدًا مِنِّي لَك . فَيَكُون الْحَسَد مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَى قَوْله : تَمَنَّيْت مِنْ السُّوء ; لِأَنَّ فِي قَوْله تَمَنَّيْت لَك ذَلِكَ , مَعْنَى حَسَدْتُك عَلَى ذَلِكَ . فَعَلَى هَذَا نُصِبَ الْحَسَد , لِأَنَّ فِي قَوْله : { وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْد إيمَانكُمْ كُفَّارًا } يَعْنِي : حَسَدكُمْ أَهْل الْكِتَاب عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ اللَّه مِنْ التَّوْفِيق , وَوَهَبَ لَكُمْ مِنْ الرَّشَاد لِدِينِهِ وَالْإِيمَان بِرَسُولِهِ , وَخَصَّكُمْ بِهِ مِنْ أَنْ جَعَلَ رَسُوله إلَيْكُمْ رَجُلًا مِنْكُمْ رَءُوفًا بِكُمْ رَحِيمًا , وَلَمْ يَجْعَلهُ مِنْهُمْ , فَتَكُونُوا لَهُمْ تَبَعًا . فَكَانَ قَوْله : { حَسَدًا } مَصْدَرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى .
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ
وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ , كَمَا يَقُول الْقَائِل : لِي عِنْدك كَذَا وَكَذَا , بِمَعْنَى : لِي قِبَلك . وَكَمَا : 1482 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَوْله : { مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ } قَالَ : مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ وَدُّوا ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ إعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ فِي كِتَابهمْ , وَأَنَّهُمْ يَأْتُونَ مَا يَأْتُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِنَهْيِ اللَّه إيَّاهُمْ عَنْهُ .
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } أَيْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ الْكَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ يَوَدُّونَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَكُمْ كُفَّارًا مِنْ بَعْد إيمَانكُمْ الْحَقّ فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه وَالْمِلَّة الَّتِي دَعَا إلَيْهَا فَأَضَاءَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقّ الَّذِي لَا يَمْتَرُونَ فِيهِ . كَمَا : 1483 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْإِسْلَام دِين اللَّه . 1484 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } يَقُول : تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . * حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله ; وَزَادَ فِيهِ : فَكَفَرُوا بِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا , إذْ كَانَ مِنْ غَيْرهمْ . 1485 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } قَالَ : الْحَقّ : هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ هُوَ الرَّسُول . * حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } قَالَ : قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ رَسُول اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَدَلَّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ كُفْر الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ عِنَاد , وَعَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَمَعْرِفَة , بِأَنَّهُمْ عَلَى اللَّه مُفْتَرُونَ . كَمَا : 1486 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عِمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : مِنْ بَعْد مَا أَضَاءَ لَهُمْ الْحَقّ لَمْ يَجْهَلُوا مِنْهُ شَيْئًا , وَلَكِنَّ الْحَسَد حَمَلَهُمْ عَلَى الْجَحْد . فَعَيَّرَهُمْ اللَّه وَلَامَهُمْ وَوَبَّخَهُمْ أَشَدّ الْمَلَامَة .
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَاعْفُوا } فَتَجَاوَزُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ إسَاءَة وَخَطَأ فِي رَأْي أَشَارُوا بِهِ عَلَيْكُمْ فِي دِينكُمْ , إرَادَة صَدّكُمْ عَنْهُ , وَمُحَاوَلَة ارْتِدَادكُمْ بَعْد إيمَانكُمْ وَعَمَّا سَلَف مِنْهُمْ مِنْ قَيْلهمْ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اسْمَعْ غَيْر مُسْمَع وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين } 4 46 وَاصْفَحُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ , فَيَحْدُث لَكُمْ مِنْ أَمْره فِيكُمْ مَا يَشَاء , وَيَقْضِي فِيهِمْ مَا يُرِيد . فَقَضَى فِيهِمْ تَعَالَى ذِكْره , وَأَتَى بِأَمْرِهِ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ ) الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } . 9 5 فَنَسَخَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ الْعَفْو عَنْهُمْ وَالصَّفْح بِفَرْضِ قِتَالهمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى تَصِير كَلِمَتهمْ وَكَلِمَة الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَة , أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَة عَنْ يَد صِغَارًا . كَمَا : 1487 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } وَنَسَخَ ذَلِكَ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . 9 5 1488 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ } فَأَتَى اللَّه بِأَمْرِهِ فَقَالَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } حَتَّى بَلَغَ : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } 9 29 أَيْ صَغَارًا وَنِقْمَة لَهُمْ ; فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة مَا كَانَ قَبْلهَا : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ } . 1489 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ } قَالَ : اعْفُوا عَنْ أَهْل الْكِتَاب حَتَّى يُحْدِث اللَّه أَمْرًا . فَأَحْدَث اللَّه بَعْد فَقَالَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } إلَى : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . 9 29 * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق . قَالَ : أنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . 9 5 1490 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ } قَالَ : هَذَا مَنْسُوح , نَسَخَهُ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } إلَى قَوْله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } .
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْقَدِير وَأَنَّهُ الْقَوِيّ . فَمَعْنَى الْآيَة هَهُنَا : أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ مَا يَشَاء بِاَلَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ أَمْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ قَدِير , إنْ شَاءَ الِانْتِقَام مِنْهُمْ بِعِنَادِهِمْ رَبّهمْ وَإِنْ شَاءَ هَدَاهُمْ لِمَا هَدَاكُمْ اللَّه لَهُ مِنْ الْإِيمَان , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ وَلَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ أَمْر شَاءَ قَضَاءَهُ ; لِأَنَّ لَهُ الْخَلْق وَالْأَمْر .
وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

ثم أخبر عن حسد كثير من أهل الكتاب, وأنهم بلغت بهم الحال, أنهم ودوا { لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا } وسعوا في ذلك, وأعملوا المكايد, وكيدهم راجع عليهم [كما] قال تعالى: { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وهذا من حسدهم الصادر من عند أنفسهم. فأمرهم الله بمقابلة من أساء إليهم غاية الإساءة بالعفو عنهم والصفح حتى يأتي الله بأمره. ثم بعد ذلك, أتى الله بأمره إياهم بالجهاد, فشفى الله أنفس المؤمنين منهم, فقتلوا من قتلوا, واسترقوا من استرقوا, وأجلوا من أجلوا { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

قوله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب} الآية نزلت في نفر من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: لو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلا منكم فقال لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال: شديد، قال فإني قد عاهدت أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقالت اليهود: أما هذا فقد صبأ وقال حذيفة: أما أنا فقد رضيت بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أصبتما الخير وأفلحتما" فأنزل الله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب} أي تمنى وأراد كثير من أهل الكتاب من اليهود.
{لو يردونكم} يا معشر المؤمنين.
{من بعد إيمانكم كفاراً حسداً} نصب على المصدر، أي يحسدونكم حسداً.
{من عند أنفسهم} أي من تلقاء أنفسهم ولم يأمرهم الله بذلك.
{من بعد ما تبين لهم الحق} في التوراة أن قول محمد صلى الله عليه وسلم صدق ودينه حق.
{فاعفوا} فاتركوا.
{واصفحوا} وتجاوزوا، فالعفو: المحو، والصفح: الإعراض، وكان هذا قبل آية القتال.
{حتى يأتي الله بأمره} بعذابه: القتل والسبي لبني قريظة، والجلاء والنفي لبني النضير، قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة: "هو أمره بقتالهم في قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله {وهم صاغرون} [29-التوبة]، وقال ابن كيسان: "بعلمه وحكمه فيهم حكم لبعضهم بالإسلام ولبعضهم بالقتل والسبي والجزية".
{إن الله على كل شيء قدير}.
وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير
قوله تعالى : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فيه مسألتان : الأولى : ود تمنى ، وقد تقدم . كفارا مفعول ثان ب يردونكم . من عند أنفسهم قيل : هو متعلق ب ود . وقيل : ب حسدا ، فالوقف على قوله : كفارا . وحسدا مفعول له ، أي ودوا ذلك للحسد ، أو مصدر دل على ما قبله على الفعل . ومعنى من عند أنفسهم أي من تلقائهم من غير أن يجدوه في كتاب ولا أمروا به ، ولفظة الحسد تعطي هذا . فجاء من عند أنفسهم تأكيدا وإلزاما ، كما قال تعالى : يقولون بأفواههم ، يكتبون الكتاب بأيديهم ، ولا طائر يطير بجناحيه . والآية في اليهود .
الثانية : الحسد نوعان : مذموم ومحمود ، فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم ، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا ، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وإنما كان مذموما لأن فيه تسفيه الحق سبحانه ، وأنه أنعم على من لا يستحق . وأما المحمود فهو ما جاء في صحيح الحديث من قوله عليه السلام : لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار . وهذا الحسد معناه الغبطة . وكذلك ترجم عليه البخاري " باب الاغتباط في العلم والحكمة " . وحقيقتها : أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره ، وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة ، ومنه قوله تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أي من بعد ما تبين لهم الحق أي من بعد ما تبين الحق لهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الذي جاء به .
قوله تعالى : فاعفوا واصفحوا فيه مسألتان :
الأولى : فاعفوا والأصل اعفووا حذفت الضمة لثقلها ، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين . والعفو : ترك المؤاخذة بالذنب . والصفح : إزالة أثره من النفس . صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه . وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته ، ومنه قوله تعالى : أفنضرب عنكم الذكر صفحا .
الثانية : هذه الآية منسوخة بقوله : قاتلوا الذين لا يؤمنون إلى قوله : صاغرون عن ابن عباس . وقيل : الناسخ لها فاقتلوا المشركين . قال أبو عبيدة : كل آية فيها ترك للقتال فهي مكية منسوخة بالقتال . قال ابن عطية : وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف ; لأن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة .
قلت : وهو الصحيح ، روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه ، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول - وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي - فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا ! فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ، فدعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن ، فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول : أيها المرء ، لا أحسن مما تقول إن كان حقا ! فلا تؤذنا به في مجالسنا ، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه . قال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله ، فاغشنا في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك . فاستتب المشركون والمسلمون واليهود حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي - قال كذا وكذا فقال : أي رسول الله ، بأبي أنت وأمي ! اعف عنه واصفح ، فوالذي أنزل عليك الكتاب بالحق لقد جاءك الله بالحق الذي أنزل عليك ، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك ، فذلك فعل ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله تعالى ، ويصبرون على الأذى ، قال الله عز وجل : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، وقال : ود كثير من أهل الكتاب فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمره الله به حتى أذن له فيهم ، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا فقتل الله به من قتل من صناديد الكفار وسادات قريش ، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه غانمين منصورين ، معهم أسارى من صناديد الكفار وسادات قريش ، قال عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، فأسلموا .
قوله تعالى : حتى يأتي الله بأمره يعني قتل قريظة وجلاء بني النضير . إن الله على كل شيء قدير
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features