۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاعَ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة =(وعدًا عليه حقًّا) = يقول: وعدهم الجنة جل ثناؤه, وعدًا عليه حقًّا أن يوفِّي لهم به، في كتبه المنـزلة: التوراة والإنجيل والقرآن, إذا هم وَفَوا بما عاهدوا الله، فقاتلوا في سبيله ونصرةِ دينه أعداءَه، فقَتَلوا وقُتِلوا =(ومن أوفى بعهده من الله)، يقول جل ثناؤه: ومن أحسن وفاءً بما ضمن وشرط من الله =(فاستبشروا)، يقول ذلك للمؤمنين: فاستبشروا، أيها المؤمنون، الذين صَدَقوا الله فيما عاهدوا، ببيعكم أنفسكم وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم به, فإن ذلك هو الفوز العظيم، (61) كما:-
17266- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية قال: ما من مسلم إلا ولله في عنقه بَيْعة، وَفى بها أو مات عليها، في قول الله: (إن الله اشترى من المؤمنين)، إلى قوله: (وذلك هو الفوز العظيم)، ثم حَلاهم فقال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ، إلى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .
17267- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم)، يعني بالجنة.
17268-...... قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن محمد بن يسار, عن قتادة: أنه تلا هذه الآية: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، قال: ثامَنَهُم الله، فأغلى لهم الثمن. (62)
17269- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون, عن أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: أنه تلا هذه الآية: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم)، قال: بايعهم فأغلى لهم الثمن.
17270- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربِّك ولنفسك ما شئت ! قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا, وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسَكم وأموالكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك، فماذا لنا؟ قال: الجنة! قالوا: ربح البيعُ، لا نُقيل ولا نستقيل ! (63) فنـزلت: (إن الله اشترى من المؤمنين)، الآية.
17271-...... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبيد بن طفيل العبسي قال، سمعت الضحاك بن مزاحم, وسأله رجل عن قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم)، الآية, قال الرجل: ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل؟ قال: ويلك! أين الشرط؟ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ . (64)
------------------------
الهوامش:
(61) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .
(62) " ثامنت الرجل في المبيع " ، إذا قاولته في ثمنه وفاوضته ، وساومته على بيعه واشترائه .
(63) " أقاله البيع يقيله إقالة " ، و " تقايلا البيعان " ، إذا فسخا البيع ، وعاد المبيع إلى مالكه ، والثمن إلى المشتري ، إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما . وتكون " الإقالة " في البيعة والعهد . و " استقاله " طلب إليه أن يقيله .
(64) الأثر : 17271 - " عبيد بن طفيل العبسي " ، هو " الغطفاني " ، " أبو سيدان " ، و " عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان " ، ولكنه في كتب الرجال " الغطفاني " . وقد مضى برقم : 2547 .
۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم
فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم قيل : هذا تمثيل ; مثل قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى . ونزلت الآية في البيعة الثانية ، وهي بيعة العقبة الكبرى ، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين ، وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو ; وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة ، فقال عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم . قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا ؟ قال : الجنة . قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل ; فنزلت : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية . ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة .
الثانية : هذه الآية دليل على جواز معاملة السيد مع عبده ، وإن كان الكل للسيد لكن إذا ملكه عامله فيما جعل إليه . وجائز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين غيره ; لأن ماله له وله انتزاعه .
الثالثة : أصل الشراء بين الخلق أن يعوضوا عما خرج من أيديهم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم في النفع ; فاشترى الله سبحانه من العباد إتلاف أنفسهم وأموالهم في طاعته ، وإهلاكها في مرضاته ، وأعطاهم سبحانه الجنة عوضا عنها إذا فعلوا ذلك . وهو عوض عظيم لا يدانيه المعوض ولا يقاس به ، فأجرى ذلك على مجاز ما يتعارفونه في البيع والشراء فمن العبد تسليم النفس والمال ، ومن الله الثواب والنوال فسمي هذا شراء . وروى الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فوق كل بر بر حتى يبذل العبد دمه فإذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك . وقال الشاعر في معنى البر :
الجود بالماء جود فيه مكرمة والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وأنشد الأصمعي لجعفر الصادق رضي الله عنه :
أثامن بالنفس النفيسة ربها وليس لها في الخلق كلهم ثمن
بها تشترى الجنات إن أنا بعتها بشيء سواها إن ذلكم غبن
لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن
قال الحسن : ومر أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فقال : كلام من هذا ؟ قال : كلام الله . قال : بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله . فخرج إلى الغزو واستشهد .
الرابعة : قال العلماء : كما اشترى من المؤمنين البالغين المكلفين كذلك اشترى من الأطفال فآلمهم وأسقمهم ; لما في ذلك من المصلحة وما فيه من الاعتبار للبالغين ، فإنهم لا يكونون عند شيء أكثر صلاحا وأقل فسادا منهم عند ألم الأطفال ، وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من الهم ويتعلق بهم من التربية والكفالة . ثم هو عز وجل يعوض هؤلاء الأطفال عوضا إذا صاروا إليه . ونظير هذا في الشاهد أنك تكتري الأجير ليبني وينقل التراب وفي كل ذلك له ألم وأذى ، ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الأجر .
الخامسة : قوله تعالى يقاتلون في سبيل الله بيان لما يقاتل له وعليه ; وقد تقدم .
فيقتلون ويقتلون قرأ النخعي والأعمش وحمزة والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل ; ومنه قول امرئ القيس :
فإن تقتلونا نقتلكم . . . وإن تقصدوا لدم نقصد
أي إن تقتلوا بعضنا يقتلكم بعضنا . وقرأ الباقون بتقديم الفاعل على المفعول .
السادسة : قوله تعالى وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن إخبار من الله تعالى أن هذا كان في هذه الكتب ، وأن الجهاد ومقاومة الأعداء أصله من عهد موسى عليه السلام . و ( وعدا ) و ( حقا ) مصدران موكدان .
السابعة : قوله تعالى ومن أوفى بعهده من الله أي لا أحد أوفى بعهده من الله . وهو يتضمن الوفاء بالوعد والوعيد ، ولا يتضمن وفاء البارئ بالكل ; فأما وعده فللجميع ، وأما وعيده فمخصوص ببعض المذنبين وببعض الذنوب وفي بعض الأحوال . وقد تقدم هذا المعنى مستوفى .
الثامنة : قوله تعالى فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به أي أظهروا السرور بذلك . والبشارة إظهار السرور في البشرة . وقد تقدم . وقال الحسن : والله ما على الأرض مؤمن إلا يدخل في هذه البيعة .
وذلك هو الفوز العظيم أي الظفر بالجنة والخلود فيها .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features