وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وجاء لوطًا قومه يستحثون إليه ، يُرْعَدون مع سرعة المشي ، مما بهم من طلب الفاحشة.
* * *
يقال: " أهْرِعَ الرجل " ، من برد أو غضب أو حمَّى، إذا أرعد، " وهو مُهْرَع " ، إذا كان مُعْجلا حريصًا، كما قال الراجز: (24)
* بِمُعْجَلاتٍ نَحْوَهُ مَهَارِع * (25)
ومنه قول مهلهل:
فجــاؤوا يُهْرَعُـونَ وهـمْ أُسـارَى
تَقُــودُهُمُ عــلى رَغــمِ الأُنُـوفِ (26)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :
18361- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (يُهْرَعون إليه) ، قال: يهرولون، وهو الإسراع في المشي.
18362- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18363- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
18364- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (وجاءه قومه يهرعون إليه) ، قال: يسعون إليه.
18365- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : قال : فأتوه يهرعون إليه، يقول: سراعًا إليه.
18366- حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يهرعون إليه) ، قال: يسرعون إليه.
18367- حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: (وجاءه قومه يهرعون إليه) ، يقول: يسرعون المشي إليه.
18368- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وجاءه قومه يهرعون إليه) ، قال: يهرولون في المشي ، قال سفيان: (يهرعون إليه) ، يسرعون إليه.
18369- حدثنا سوار بن عبد الله قال، قال سفيان بن عيينة في قوله: (يهرعون إليه) ، قال: كأنهم يدفعون.
18370- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب قال ، حدثنا حفص بن حميد، عن شمر بن عطية قال، أقبلوا يسرعون مشيًا بين الهرولة والجمز.
18371- حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: (وجاءه قومه يهرعون إليه) ، يقول: مسرعين.
* * *
وقوله: (ومن قبل كانوا يعملون السيئات)، يقول: من قبل مجيئهم إلى لوط ، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم، كما:-
18372- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) ، قال: يأتون الرجال.
* * *
وقوله: (قال يا قوم هؤلاء بناتي)، يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتي ، يعني نساء أمته ، فانكحوهن فهنّ أطهر لكم، كما:-
18373- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: أمرهم لوط بتزويج النساء وقال: (هن أطهر لكم).
18374- حدثنا محمد قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: وبلغني هذا أيضًا عن مجاهد.
18375- حدثنا ابن وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: لم تكن بناته، ولكن كنَّ من أمّته، وكل نبي أبُو أمَّته.
18376- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، لم يعرضْ عليهم سفاحًا.
18377- حدثني يعقوب قال ، حدثنا أبو بشر، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: (هن أطهر لكم) ، قال: ما عرض عليهم نكاحًا ولا سفاحًا. (27)
18378- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يَقي أضيافه ببناته.
18379- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر عن الربيع، في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم)، يعني التزويج ، حدثني أبو جعفر، عن الربيع في قوله: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، يعني التزويج. (28)
18380- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا محمد بن شبيب الزهراني ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قول لوط: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، يعني: نساءهم ، هنّ بَنَاته ، هو نبيّهم ، وقال في بعض القراءة: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ ) [سورة الأحزاب: 6] . (29)
18381- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: (وجاءه قومه يهرعون إليه)، قالوا: أو لم ننهك أن تضيف العالمين؟ قال: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم )، إن كنتم فاعلين ، أليس منكم رجل رشيد؟
18382- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جاءت الرسل لوطًا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرَعون إليه. فيزعمون ، والله أعلم ، أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم، وقالت: إن عند لوط لضيفانًا ما رأيت أحسنَ ولا أجمل قطُّ منهم ! وكانوا يأتون الرجالَ شهوة من دون النساء، فاحشةٌ ، لم يسبقهم بها أحد من العالمين. فلما جاؤوه قالوا: أو لم ننهك عن العالمين؟ أي : ألم نقل لك: لا يقربنَّك أحدٌ، فإنا لن نجد عندك أحدًا إلا فعلنا به الفاحشة؟ قال : " يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم "، فأنا أفدي ضيفي منكم بهنّ، ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح.
18383- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (هؤلاء بناتي ، قال: النساء.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (هن أطهر لكم).
فقرأته عامة القراء برفع : (أَطْهَرُ)، على أن جعلوا " هن " اسمًا، " وأطهر " خبره، كأنه قيل: بناتي أطهرُ لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال.
* * *
وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك: (هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ ) ، بنصب " أطهر ". (30)
* * *
وكان بعض نحويي البصرة يقول: هذا لا يكون، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة.
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: من نصبه جعله نكرةً خارجة من المعرفة، ويكون قوله: " هن " عمادًا للفعل فلا يُعْمِله.
* * *
وقال آخر منهم: مسموع من العرب: " هذا زيد إيَّاه بعينه " ، قال: فقد جعله خبرًا لـ " هذا " مثل قولك: " كان عبد الله إياه بعينه ". قال: وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا ، لأن التقريب ردُّ كلام ، (31) فلم يجتمعا ، لأنه يتناقض، لأنَّ ذلك إخبار عن معهود، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه: " ها أنا ذا حاضر "، أو : " زيد هو العالم "، فتناقض أن يدخل المعهودُ على الحاضر، فلذلك لم يجُزْ.
* * *
قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك، الرفع : ( هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ )، لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه ، مع صحته في العربية، وبعد النصب فيه من الصحة.
* * *
وقوله: (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي)، يقول: فاخشوا الله ، أيها الناس، واحذروا عقابه ، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها ، (ولا تخزون في ضيفي) ، يقول: ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبُوه منهم. (32)
* * *
و " الضيف " ، في لفظ واحدٍ في هذا الموضع بمعنى جمع. والعرب تسمي الواحد والجمع " ضيفًا " بلفظ واحدٍ. كما قالوا: " رجل عَدْل، وقوم عَدْل ".
* * *
وقوله: (أليس منكم رجل رشيد)، يقول: أليس منكم رجل ذو رُشد ، ينهى من أراد ركوبَ الفاحشة من ضيفي، فيحول بينهم وبين ذلك؟ (33) كما:-
18384- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد) ، أي رجل يعرف الحقَّ وينهى عن المنكر؟
------------------------
الهوامش :
(24) لم أعرف قائله .
(25) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 294 .
(26) اللسان ( هرع ) ، ولم أعرف سائر الشعر .
(27) لا يظهر لهذه العبارة معنى ، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء ويكون : " ما عرض عليهم بناته نكاحا ولا سفاحا " ، ويكون ابن أبي نجيح أراد أنه أمرهم بأن يتزوجوا النساء من قومهم .
(28) هكذا جاء التكرار في المخطوطة والمطبوعة ، وأخشى أن يكون سقط من الإسناد شيء .
(29) الأثر : 18380 - " محمد بن شبيب الزهراني " ، ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 114 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 285 .
(30) انظر قراءة عيسى بن عمر ، وما قاله له أبو عمرو بن العلاء ، في طبقات فحول الشعراء ص : 18 .
(31) انظر تفسير " التقريب " فيما سلف 7 : 149 ، تعليق : 4 ، وص : 150 ، تعليق : 3 ، وهو من اصطلاح الكوفيين . وهو أن تكون " هذا " و " هذه " ، من أخوات " كان " في احتياجهما إلى اسم مرفوع ، وخبر منصوب .
(32) انظر تفسير " الخزي " فيما سلف من فهارس اللغة ( خزي ) .
(33) انظر تفسير " الرشد " فيما سلف 13 : 114 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)

قوله تعالى : وجاءه قومه يهرعون إليه في موضع الحال . يهرعون أي يسرعون . قال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة : لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة ; يقال : أهرع الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى ، وهو مهرع ; قال مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وقال آخر :
بمعجلات نحوه مهارع
وهذا مثل : أولع فلان بالأمر ، وأرعد زيد . وزهي فلان . وتجيء ولا تستعمل إلا على هذا الوجه . وقيل : أهرع أي أهرعه حرصه ; وعلى هذا يهرعون أي يستحثون عليه . ومن قال بالأول قال : لم يسمع إلا أهرع الرجل أي أسرع ; على لفظ ما لم يسم فاعله . قال ابن القوطية : هرع الإنسان هرعا ، وأهرع : سيق واستعجل . وقال الهروي يقال : هرع الرجل وأهرع أي استحث . قال ابن عباس وقتادة والسدي : ( يهرعون يهرولون ) . الضحاك : يسعون . ابن عيينة : كأنهم يدفعون . وقال شمر بن عطية : هو مشي بين الهرولة والجمزى . وقال الحسن : مشي بين مشيين ; والمعنى متقارب . وكان سبب إسراعهم ما روي أن امرأة لوط الكافرة ، لما رأت الأضياف وجمالهم وهيئتهم ، خرجت حتى أتت مجالس قومها ، فقالت لهم : إن لوطا قد أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم جمالا ; وكذا وكذا ; فحينئذ جاءوا يهرعون إليه . ويذكر أن الرسل لما وصلوا إلى بلد لوط وجدوا لوطا في حرث له . وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء من نهر سدوم ; فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط ، وقالت لهم : مكانكم ! وذهبت إلى أبيها فأخبرته ; فخرج إليهم ; فقالوا : نريد أن تضيفنا الليلة ; فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا : وما عملهم ؟ فقال أشهد بالله إنهم لشر قوم في الأرض - وقد كان الله - عز وجل - قال لملائكته لا تعذبوهم حتى يشهد لوط عليهم أربع شهادات - فلما قال لوط هذه المقالة ، قال جبريل لأصحابه : هذه واحدة ، وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل بهم المدينة .
قوله تعالى : " ومن قبل " أي ومن قبل مجيء الرسل . وقيل : من قبل لوط .
كانوا يعملون السيئات أي كانت عادتهم إتيان الرجال .
فلما جاءوا إلى لوط وقصدوا أضيافه قام إليهم لوط مدافعا " هؤلاء بناتي " ابتداء وخبر . وقد اختلف في قوله : " هؤلاء بناتي " فقيل : كان له ثلاث بنات من صلبه . وقيل : بنتان ; زيتا وزعوراء ; فقيل : كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه . وقيل : ندبهم في هذه الحالة إلى النكاح ، وكانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة ; وقد كان هذا في أول الإسلام جائزا ثم نسخ ; فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنتا له من عتبة بن أبي لهب ، والأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي ، وكانا كافرين . وقالت فرقة - منهم مجاهد وسعيد بن جبير - أشار بقوله : بناتي إلى النساء جملة ; إذ نبي القوم أب لهم ; ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود . النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم . وقالت طائفة : إنما كان الكلام مدافعة ولم يرد إمضاءه ; روي هذا القول عن أبي عبيدة ; كما يقال لمن ينهى عن أكل مال الغير : الخنزير أحل لك من هذا . وقال عكرمة : لم يعرض عليهم بناته ولا بنات أمته ، وإنما قال لهم هذا لينصرفوا .
قوله تعالى : " هن أطهر لكم " ابتداء وخبر ; أي أزوجكموهن ; فهو أطهر لكم مما تريدون ، أي أحل . والتطهر التنزه عما لا يحل . وقال ابن عباس : ( كان رؤساؤهم خطبوا بناته فلم يجبهم ، وأراد ذلك اليوم أن يفدي أضيافه ببناته ) . وليس ألف " أطهر " للتفضيل حتى يتوهم أن في نكاح الرجال طهارة ، بل هو كقولك : الله أكبر وأعلى وأجل ، وإن لم يكن تفضيلا ; وهذا جائز شائع في كلام العرب ، ولم يكابر الله تعالى أحد حتى يكون الله تعالى أكبر منه . وقد قال أبو سفيان بن حرب يوم أحد : اعل هبل اعل هبل ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر : قل الله أعلى وأجل . وهبل لم يكن قط عاليا ولا جليلا . وقرأ العامة برفع الراء . وقرأ الحسن وعيسى بن عمرو " هن أطهر " بالنصب على الحال . و " هن " عماد . ولا يجيز الخليل وسيبويه والأخفش أن يكون " هن " هاهنا عمادا ، وإنما يكون عمادا فيما لا يتم الكلام إلا بما بعدها ، نحو كان زيد هو أخاك ، لتدل بها على أن الأخ ليس بنعت . قال الزجاج : ويدل بها على أن كان تحتاج إلى خبر . وقال غيره : يدل بها على أن الخبر معرفة أو ما قارنها .
قوله تعالى : فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أي لا تهينوني ولا تذلوني . ومنه قول حسان :
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
مددت يمينا للنبي تعمدا ودميت فاه قطعت بالبوارق
ويجوز أن يكون من الخزاية ، وهو الحياء ، والخجل ; قال ذو الرمة :
خزاية أدركته بعد جولته من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب
وقال آخر :
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها
وضيف يقع للاثنين والجميع على لفظ الواحد ; لأنه في الأصل مصدر ; قال الشاعر :
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع ; والأول أكثر كقولك : رجال صوم وفطر وزور . وخزي الرجل خزاية ; أي استحيا مثل ذل وهان . وخزي خزيا إذا افتضح ; يخزى فيهما جميعا .
ثم وبخهم بقوله : أليس منكم رجل رشيد أي شديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . وقيل : رشيد أي ذو رشد . أو بمعنى راشد أو مرشد ، أي صالح أو مصلح . ابن عباس : ( مؤمن ) . أبو مالك : ناه عن المنكر . وقيل : الرشيد بمعنى الرشد ; والرشد والرشاد الهدى والاستقامة . ويجوز أن يكون بمعنى المرشد ; كالحكيم بمعنى المحكم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features