الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
قال أبو جعفر: وهذا القول إبانةٌ من الله جل ثناؤه عن أنّ الذين وَعَد موسى نبيَّه عليه السلام أن يكتب لهم الرحمة التي وصفَها جل ثناؤه بقوله: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم, لأنه لا يعلم لله رسولٌ وُصف بهذه الصفة = أعني " الأمي" = غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وبذلك جاءت الروايات عن أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15214- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
15215- .... قال، حدثنا زيد بن حباب, عن حماد بن سلمة, عن عطاء, عن ابن عباس قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
15216- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد في قوله: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فقال موسى عليه السلام: ليتني خلقت في أمّة محمدٍ!.
15217- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: الذين يتّبعون محمدًا صلى الله عليه وسلم.
15218- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن شهر بن حوشب, عن نوف الحميري قال: لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه، قال الله لموسى: أجعل لكم الأرض مسجدًا وطهورًا, وأجعل السكينة معكم في بيوتكم, وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظَهْر قلوبكم, (17) يقرؤها الرجل منكم والمرأةُ، والحرُّ والعبدُ، والصغير والكبير. فقال موسى لقومه: إن الله قد يجعل لكم الأرض طهورًا ومسجدًا. قالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس! قال: ويجعل السكينة معكم في بيوتكم. قالوا: لا نريد إلا أن تكون كما كانت، في التابوت! قال: ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم, (18) ويقرؤها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير. قالوا: لا نريد أن نقرأها إلا نظرًا! فقال الله: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ إلى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . (19)
15219- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن يحيى بن أبي كثير, عن نوف البكالي قال: لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل، كلّمه الله فقال: إني قد بسطت لهم الأرض طهورًا ومساجدَ يصلُّون فيها حيث أدركتهم الصلاة، إلا عند مرحاضٍ أو قبر أو حمّام, وجعلت السكينة في قلوبهم, وجعلتهم يقرأون التوراةَ عن ظهر ألسنتهم. قال: فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل, فقالوا: لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا, فاجعلها لنا في تابوت, ولا نقرأ التوراة إلا نظرًا, ولا نصلي إلا في الكنيسة! فقال الله: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، حتى بلغ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قال: فقال موسى عليه السلام: يا ربّ، اجعلني نبيَّهم! قال: نبيُّهم منهم! قال: رب اجعلني منهم! قال: لن تدركهم! قال: يا ربّ، أتيتك بوفد بني إسرائيل, فجعلت وِفَادَتنا لغيرنا! فأنـزل الله: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [سورة الأعراف: 159]. = قال نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي حَفظ غيبتكم, وأخذ لكم بسهمكم, وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.
15220- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي, عن يحيى بن أبي كثير, عن نوف البكالي بنحوه= إلا أنه قال: فإني أنـزل عليكم التوراة تقرأونها عن ظهر ألسنتكم, رجالكم ونساؤُكم وصبيانكم. قالوا: لا نُصلّي إلا في كنيسة, ثم ذكر سائر الحديث نحوه.
15221- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبير: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (20)
15222- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، قال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
15223- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: لما قيل: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ، تمنّتها اليهود والنصارى, فأنـزل الله شرطًا بيّنًا وثيقًا فقال: " الذين يتبعون الرَّسول النبيّ الأمي"، وهو نبيكم صلى الله عليه وسلم، كان أمِّيًّا لا يكتبُ. (21)
* * *
وقد بينا معنى " الأمي" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (22)
* * *
وأما قوله: " الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل "، فإن " الهاء " في قوله: " يجدونه "، عائدة على " الرسول ", وهو محمّد صلى الله عليه وسلم، كالذي: -
15224- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, قوله: " الذين يتبعون الرسول النبي الأميّ"، هذا محمّد صلى الله عليه وسلم.
15225- حدثني ابن المثني قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا فليح، عن هلال بن علي, عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو, فقلت: أخبرني عن صفة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة كصفتِه في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا، وحِرْزًا للأمِّيين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكّل, (23) ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق, ولا يجزي بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويصفح، ولن نقبضه حتى نقيم به الملةَ العوجاء, بأن يقولوا: " لا إله إلا الله "، فنفتح به قلوبًا غُلْفًا، وآذانًا صُمًّا, وأعينًا عُمْيًا= قال عطاء: ثم لقيتُ كعبًا فسألته عن ذلك, فما اختلفا حرفًا, إلا أن كعبًا قال بلغته: قلوبًا غُلُوفيا، وآذانًا صمومِيَا, وأعينًا عُمْوميا. (24)
15226- حدثني أبو كريب قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا فليح بن سليمان, عن هلال بن علي قال، حدثني عطاء قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص, فذكر نحوه= إلا أنه قال في كلام كعب: أعينًا عمومَا, وآذانًا صموما, وقلوبًا غُلُوفَا.
15227- ... قال، حدثنا موسى قال، حدثنا عبد العزيز بن سلمة, عن هلال بن علي, عن عطاء بن يسار, عن عبد الله بنحوه= وليس فيه كلام كعب.
15228- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال الله: " الذي يجدونه مكتوبًا عندهم "، يقول: يجدون نعتَه وأمرَه ونبوّته مكتوبًا عندهم.
* * *
القول في تأويل قوله : يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يأمر هذا النبيُّ الأميُّ أتباعَه بالمعروف= وهو الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى, فذلك " المعروف " الذي يأمرهم به (25) = " وينهاهم عن المنكر " وهو الشرك بالله, والانتهاء عمّا نهاهم الله عنه. (26) وقوله: " ويحل لهم الطيبات "، وذلك ما كانت الجاهلية تحرِّمه من البحائر والسَّوائب والوصائل والحوامي (27) = " ويحرم عليهم الخَبَائث "، وذلك لحم الخنـزير والرِّبا وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله، (28) كما:-
15229- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " ويحرم عليهم الخبائث "، وهو لحم الخنـزير والربا, وما كانوا يستحلونه من المحرَّمات من المآكلِ التي حرمها الله.
* * *
وأما قوله: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: يعني بـ" الإصر "، العهدَ والميثاقَ الذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة.
* ذكر من قال ذلك:
15230- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جابر بن نوح, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: عهدهم.
15231- ... قال حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك، قال: عهدهم.
15232- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن علي قال، أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله.
15233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن مبارك, عن الحسن: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: العهود التي أعطوها من أنفسهم.
15234- .... قال، حدثنا ابن نمير, عن موسى بن قيس, عن مجاهد: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: عهدهم. (29)
15235- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثيقَهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل.
15236- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرّم عليهم. يقول: يضع ذلك عنهم.
* * *
وقال بعضهم: عني بذلك أنه يضع عمن اتّبع نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، التشديدَ الذي كان على بني إسرائيل في دينهم.
* ذكر من قال ذلك:
15237- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بإقالةٍ منه وتجاوزٍ عنه.
15238- حدثني المثني قال حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: البولَ ونحوه، مما غُلِّظ على بني إسرائيل.
15239- .... قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: شدّة العمل.
15240- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " قال: من اتبع محمدًا ودينه من أهل الكتاب, وُضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم.
15241- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن أشعث, عن ابن سيرين قال: قال أبو هريرة لابن عباس: ما علينا في الدين من حَرَج أن نـزني ونسرق؟ قال: بلى! ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وُضِع عنكم.
15242- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: إصرهم الذي جعله عليهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إنّ " الإصر " هو العهد= وقد بينا ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا بما فيه الكفاية (30) = وأن معنى الكلام: ويضع النبيُّ الأميُّ العهدَ الذي كان الله أخذ على بني إسرائيل، من إقامة التوراة والعملِ بما فيها من الأعمال الشديدة، كقطع الجلد من البول, وتحريم الغنائم, ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضةً, فنسخها حُكْم القرآن.
* * *
وأما " الأغلال التي كانت عليهم ", فكان ابن زيد يقول بما: -
15243- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عنه في قوله: " والأغلال التي كانت عليهم "، قال: " الأغلال "، وقرأ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [سورة المائدة: 64]. قال: تلك الأغلال. قال: ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنبيّ فيضع ذلك عنهم.
* * *
القول في تأويل قوله : فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي, وأقرُّوا بنبوّته (31) = " وعزَّروه "، يقول: وَقَّروه وعظموه وحَمَوه من الناس، (32) كما: -
15244- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: " وعزروه "، يقول: حموه وقَّروه.
15245- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني موسى بن قيس, عن مجاهد: " وعزروه ونصروه " : " عزَّروه "، سدَّدوا أمره, وأعانوا رَسُوله= " ونَصَرُوه ".
* * *
وقوله: " نصروه "، يقول: وأعانوه على أعداء الله وأعدائه، بجهادهم ونصب الحرب لهم = " واتبعوا النور الذي أنـزل معه "، يعني القرآن والإسلام (33) = " أولئك هم المفلحون "، يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جل ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم المنجحون المدرِكون ما طلبُوا ورجَوْا بفعلهم ذلك. (34)
15246- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: فما نقموا= يعني اليهود= إلا أن حسدوا نبيَّ الله, فقال الله: " الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه "، فأما نصره وتعزيره فقد سبقتم به, ولكن خياركم من آمن بالله واتَّبع النور الذي أنـزل معه.
* * *
يريد قتادة بقوله " فما نَقَموا إلا أن حسدوا نبي الله "، أن اليهودَ كان محمَّد صلى الله عليه وسلم بما جاء به من عند الله رحمةً عليهم لو اتبعوه, لأنه جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم, فحملهم الحسد على الكفر به، وترك قبول التخفيف، لغلبة خِذْلانِ الله عليهم.
-----------------
الهوامش :
(17) (1) في المطبوعة : (( عن ظهور قلوبكم )) ، بجمع (( ظهور )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .
(18) (2) في المطبوعة : (( عن ظهور )) ، وتنظر التعليق السالف .
(19) الأثر: 15218 "نوف الحميري" هو نوف البكالي المذكور في الأثريين التاليين: 515219 ، 15220 ، وهو "نوف بن فضالة الحميري البكالي الشامي" مضى برقم : 3965 ، 9446 ، 9456 .
(20) (1) الأثر : 15221 - (( إسحق بن إسماعيل )) هو (( حبويه )) ، (( أبو يزيد الرازي )) ، الذي مضى قريباً برقم : 15198 ، وصرح هنا أول مرة باسمه .
(21) (2) الأثر : 15223 - انظر الأثر السالف رقم : 15205
(22) (3) انظر تفسير (( الأمي )) فيما سلف 2 : 257 - 259 / 3 : 442 / 6 : 281 ، 282 ، 522/ ثم انظر رقم : 5827 ، 1774 ، 6775 .
(23) (1) في المطبوعة : (( سميتك )) ، وأثبت ما في المخطوطة .
(24) (2) الأثر : 15225 - (( عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي )) ، ثقة ، من شيوخ أحمد ، روى له الجماعة ، سلف برقم : 5458 . و (( فليح )) ، هو (( فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزامي )) ، ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 5090 . و (( هلال بن على بن أسامة المدني )) ، وينسب إلى جده فيقال : (( هلال بن أسامة )) ، ثقة ، مضى برقم : 1495. وانظر الآثار التالية .
(25) (1) انظر تفسير (( المعروف )) فيما سلف 9 : 201 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(26) (2) انظر تفسير (( المنكر )) فيما سلف 10 : 496 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(27) (3) انظر تفسير (( الطيبات )) فيما سلف 11 : 96 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(28) (4) انظر تفسير (( الخبائث )) فيما سلف 11 : 96 تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(29) (1) الأثر : 15234 - (( موسى بن قيس الحضرمى )) ، مضى برقم : 6513 .
(30) (1) انظر تفسير (( الإصر )) فيما سلف 6 : 135 - 138 ، 560 .
(31) (2) انظر تفسير (( الإيمان )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أمن ) .
(32) (3) انظر تفسير (( التعزير )) فيما سلف 10 : 119 - 121 .
(33) (1) انظر تفسير (( النور )) فيما سلف 11 : 526 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(34) (2) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف : 12 : 505 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)

قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون فيه عشر مسائل :
الأولى : روى يحيى بن أبي كثير عن نوف البكالي الحميري : لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه قال الله تعالى لموسى : أنا أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر ، وأجعل السكينة في قلوبكم ، وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهر قلوبكم ، يقرؤها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير . فقال ذلك موسى لقومه ، فقالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس ، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر قلوبنا ، ولا نريد أن نقرأها إلا نظرا . فقال الله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله المفلحون . فجعلها لهذه الأمة . فقال موسى : يا رب ، اجعلني نبيهم . فقال : نبيهم منهم . قال : رب اجعلني منهم . قال : إنك لن تدركهم . فقال موسى : يا رب ، أتيتك بوفد بني إسرائيل ، فجعلت وفادتنا لغيرنا . فأنزل الله عز وجل : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون . فرضي موسى . قال نوف : فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم . وذكر أبو نعيم أيضا هذه القصة من حديث الأوزاعي قال : حدثنا يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال حدثني نوف البكالي إذا افتتح موعظة قال : ألا تحمدون ربكم الذي حفظ غيبتكم وأخذ لكم بعد سهمكم وجعل وفادة القوم لكم . وذلك أن موسى عليه السلام وفد ببني إسرائيل فقال الله لهم : إني قد جعلت لكم الأرض مسجدا حيثما صليتم فيها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاثة مواطن من صلى فيهن لم أقبل صلاته المقبرة والحمام والمرحاض . قالوا : لا ، إلا في الكنيسة . قال : وجعلت لكم التراب طهورا إذا لم تجدوا الماء . قالوا : لا ، إلا بالماء . قال : وجعلت لكم حيثما صلى الرجل فكان وحده تقبلت صلاته . قالوا : لا ، إلا في جماعة .
الثانية : قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي هذه الألفاظ كما ذكرنا أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله : فسأكتبها للذين يتقون وخلصت هذه العدة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ; قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما . و يتبعون يعني في شرعه ودينه وما جاء به . والرسول والنبي صلى الله عليه وسلم اسمان لمعنيين ; فإن الرسول أخص من النبي . وقدم الرسول اهتماما بمعنى الرسالة ، وإلا فمعنى النبوة هو المتقدم ; ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراء حين قال : وبرسولك الذي أرسلت . فقال له : قل آمنت بنبيك الذي أرسلت خرجه في الصحيح . وأيضا فإن في قوله : " وبرسولك الذي أرسلت " تكرير الرسالة ; وهو معنى واحد فيكون كالحشو الذي لا فائدة فيه . بخلاف قوله : " ونبيك الذي أرسلت " فإنهما لا تكرار فيهما . وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ; لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ ، وافترقا في أمر خاص وهي الرسالة . فإذا قلت : محمد رسول من عند الله تضمن ذلك أنه نبي ورسول الله . وكذلك غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .
الثالثة : قوله تعالى : الأمي هو منسوب إلى الأمة الأمية ، التي هي على أصل ولادتها ، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها ; قاله ابن عزيز . وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب ; قال الله تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك . وروي في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب . الحديث . وقيل : نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة أم القرى ; ذكره النحاس .
الرابعة : قوله تعالى : الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل روى البخاري قال : حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح قال حدثنا هلال عن عطاء بن يسار لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا .
في غير البخاري قال عطاء : ثم لقيت كعبا فسألته عن ذلك فما اختلفا حرفا ; إلا أن كعبا قال بلغته : قلوبا غلوفيا وآذانا صموميا وأعينا عموميا . قال ابن عطية : وأظن هذا وهما أو عجمة . وقد روي عن كعب أنه قالها : قلوبا غلوفا وآذانا صموما وأعينا عموميا . قال الطبري : هي لغة حميرية . وزاد كعب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال : مولده بمكة ، وهجرته بطابة ، وملكه بالشأم ، وأمته الحامدون ، يحمدون الله على كل حال وفي كل منزل ، يوضئون أطرافهم ويأتزرون إلى أنصاف ساقهم ، رعاة الشمس ، يصلون الصلوات حيثما أدركتهم ولو على ظهر الكناسة ، صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة . ثم قرأ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص .
الخامسة : قوله تعالى يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر قال عطاء : يأمرهم بالمعروف بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام . وينهاهم عن المنكر عبادة الأصنام ، وقطع الأرحام .
السادسة : قوله تعالى ويحل لهم الطيبات مذهب مالك أن الطيبات هي المحللات ; فكأنه وصفها بالطيب ; إذ هي لفظة تتضمن مدحا وتشريفا . وبحسب هذا نقول في الخبائث : إنها المحرمات ; ولذلك قال ابن عباس : الخبائث هي لحم الخنزير والربا وغيره . وعلى هذا حلل مالك المتقذرات كالحيات والعقارب والخنافس ونحوها . ومذهب الشافعي رحمه الله أن الطيبات هي من جهة الطعم ; إلا أن اللفظة عنده ليست على عمومها ; لأن عمومها بهذا الوجه من الطعم يقتضي تحليل الخمر والخنزير ، بل يراها مختصة فيما حلله الشرع . ويرى الخبائث لفظا عاما في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات ; فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرى هذا المجرى . والناس على هذين القولين . وقد تقدم في " البقرة " هذا المعنى .
السابعة : قوله تعالى ويضع عنهم إصرهم الإصر : الثقل ; قاله مجاهد وقتادة وابن جبير . والإصر أيضا : العهد ; قاله ابن عباس والضحاك والحسن . وقد جمعت هذه الآية المعنيين ، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال ; فوضع عنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال ; كغسل البول ، وتحليل الغنائم ، ومجالسة الحائض ومؤاكلتها ومضاجعتها ; فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه . وروي : جلد أحدهم . وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها ، وإذا حاضت المرأة لم يقربوها ، إلى غير ذلك مما ثبت في الحديث الصحيح وغيره .
الثامنة : قوله تعالى والأغلال التي كانت عليهم فالأغلال عبارة مستعارة لتلك الأثقال . ومن الأثقال ترك الاشتغال يوم السبت ; فإنه يروى أن موسى عليه السلام رأى يوم السبت رجلا يحمل قصبا فضرب عنقه . هذا قول جمهور المفسرين .
ولم يكن فيهم الدية ، وإنما كان القصاص . وأمروا بقتل أنفسهم علامة لتوبتهم ، إلى غير ذلك . فشبه ذلك بالأغلال ; كما قال الشاعر :
فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
فشبه حدود الإسلام وموانعه عن التخطي إلى المحظورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب . ومن هذا المعنى قولأبي أحمد بن جحش لأبي سفيان :
اذهب بها اذهب بها طوقتها طوق الحمامه
أي لزمك عارها . يقال : طوق فلان كذا إذا لزمه .
التاسعة : إن قيل : كيف عطف الأغلال وهو جمع على الإصر وهو مفرد ; فالجواب أن الإصر مصدر يقع على الكثرة . وقرأ ابن عامر ( آصارهم ) بالجمع ; مثل أعمالهم . فجمعه لاختلاف ضروب المآثم . والباقون بالتوحيد ; لأنه مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه مع إفراد لفظه . وقد أجمعوا على التوحيد في قوله : ولا تحمل علينا إصرا وهكذا كلما يرد عليك من هذا المعنى ; مثل وعلى سمعهم لا يرتد إليهم طرفهم ومن طرف خفي كله بمعنى الجمع .
العاشرة : فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه أي وقروه ونصروه . قال الأخفش : وقرأ الجحدري وعيسى ( وعزروه ) بالتخفيف . وكذا ( وعزرتموهم ) . يقال : عزره يعزره ويعزره .
والنور القرآن
والفلاح : الظفر بالمطلوب . وقد تقدم هذا .
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ احتراز عن سائر الأنبياء، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم. والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتبعين، هم أهل الرحمة المطلقة، التي كتبها اللّه لهم، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية، التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب. الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ باسمه وصفته، التي من أعظمها وأجلها، ما يدعو إليه، وينهى عنه. وأنه يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه. وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو: كل ما عرف قبحه في العقول والفطر. فيأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك باللّه، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك. فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ من المطاعم والمشارب، والمناكح. وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ أي: ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ أي: عظموه وبجلوه وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنـزلَ مَعَهُ وهو القرآن، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات، أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الظافرون بخير الدنيا والآخرة، والناجون من شرهما، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح. وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي، ويعزره، وينصره، ولم يتبع النور الذي أنـزل معه، فأولئك هم الخاسرون.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features