قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

القول في تأويل قوله : قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم موسى لموسى، حين قال لهم اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا =(أوذينا) بقتل أبنائنا =(من قبل أن تأتينا)، يقول: من قبل أن تأتينا برسالة الله إلينا، لأن فرعون كان يقتل أولادهم الذكور حين أظلَّه زمان موسى على ما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا. (32) وقوله: (ومن بعد ما جئتنا)، يقول: ومن بعد ما جئتنا برسالة الله, لأن فرعون لما غلبت سَحرَته، وقال للملأ من قومه ما قال, أراد تجديدَ العذاب عليهم بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم.
* * *
وقيل: إن قوم موسى قالوا لموسى ذلك، حين خافوا أن يدركهم فرعون وهم منه هاربون, وقد تراءى الجمعان, فقالوا له: (يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا)، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا =(ومن بعد ما جئتنا)، اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
* * *
14973 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (من قبل أن تأتينا)، من قبل إرسال الله إياك وبعده.
14974 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
14974 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي : فلما تراءى الجمعان فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد رَدِفهم, (33) قالوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، وقالوا: (أوذينا من قبل أن تأتينا)، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا =(ومن بعد ما جئتنا)، اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا = إنا لمدركون. (34)
14975 - حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: سار موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر, فالتفتوا فإذا هم برَهَج دوابِّ فرعون, فقالوا: " يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ", هذا البحر أمامنا وهذا فرعون بمن معه! قال: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون).
* * *
وقوله: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم)، يقول جل ثناؤه: قال موسى لقومه: لعل ربكم أن يهلك عدوكم : فرعون وقومه (35) =(ويستخلفكم)، يقول: يجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم, لا تخافونهم ولا أحدًا من الناس غيرهم (36) =(فينظر كيف تعملون)، يقول: فيرى ربكم ما تعملون بعدهم، من مسارعتكم في طاعته، وتثاقلكم عنها.
-----------------
الهوامش :
(32) انظر ما سلف 2: 41 - 48 .
(33) "ردفهم" : تبعهم.
(34) الأثر : 14974 - هو جزء من خبر طويل فرقه أبو جعفر في مواضع من تفسيره ، ورواه في تاريخه 1 : 214 .
(35) انظر تفسير (( عسى )) فيما سلف 10 : 405 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 225 . = وتفسير (( الإهلاك )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هلك )
(36) (2 ) انظر تفسير (( الاستخلاف )) فيما سلف 12 : 126 .
قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

قوله تعالى قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون
قوله تعالى قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا أي في ابتداء ولادتك بقتل الأبناء واسترقاق النساء ومن بعد ما جئتنا أي والآن أعيد علينا ذلك ; يعنون الوعيد الذي كان من فرعون . وقيل : الأذى من قبل تسخيرهم لبني إسرائيل في أعمالهم إلى نصف النهار ، وإرسالهم بقيته ليكتسبوا لأنفسهم . والأذى من بعد : تسخيرهم جميع النهار كله بلا طعام ولا شراب ; قاله جويبر . وقال الحسن : الأذى من قبل ومن بعد واحد ، وهو أخذ الجزية .
قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض " عسى " من الله واجب ; جدد لهم الوعد وحققه . وقد استخلفوا في مصر في زمان داود وسليمان عليهما السلام ، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون ; كما تقدم . وروي أنهم قالوا ذلك حين خرج بهم موسى وتبعهم فرعون فكان وراءهم والبحر أمامهم ، فحقق الله الوعيد بأن غرق فرعون وقومه وأنجاهم .
فينظر كيف تعملون أي يرى ذلك العمل الذي يجب به الجزاء ; لأن الله لا يجازيهم على ما يعلمه منهم ; إنما يجازيهم على ما يقع منهم .
قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

قَالُوا لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون، وأذيته: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا فإنهم يسوموننا سوء العذاب، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا كذلك فـ قَالَ لهم موسى مرجيا [ لهم ] الفرج والخلاص من شرهم: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ أي: يمكنكم فيها، ويجعل لكم التدبير فيها فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ هل تشكرون أم تكفرون؟. وهذا وعد أنجزه اللّه لما جاء الوقت الذي أراده اللّه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features