قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47)

القول في تأويل قوله : قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه، قالت مريم = إذ قالت لها الملائكة أنّ الله يبشرك بكلمة منه =: " ربِّ أنَّى يكون لي ولد "، من أيِّ وجه يكون لي ولد؟ (12) أمِن قبل زوج أتزوجه وبعل أنكحه، أمْ تبتدئ فيَّ خلقه من غير بعل ولا فحل، (13) ومن غير أن يمسَّني بشر؟ فقال الله لها =" كذلك الله يخلق ما يشاء "، يعني: هكذا يخلق الله منك ولدًا لك من غير أن يمسَّك بشر، فيجعله آيةً للناس وعبرة، فإنه يخلق ما يشاء ويصنعُ ما يريد، فيعطي الولد من يشاء من غير فحل ومن فحلٍ، ويحرِمُ ذلك من يشاءُ من النساء وإن كانت ذات بعلٍ، لأنه لا يتعذر عليه خلق شيء أراد خلقه، إنما هو أن يأمر إذا أراد شيئًا ما أراد [خلقه] فيقول له: (14) " كن فيكون " ما شاء، مما يشاء، وكيف شاء، كما:-
7079 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك الله يخلق ما يشاء "، يصنع ما أراد، ويخلق ما يشاء، من بشر أو غير بشر =" إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن "، مما يشاء وكيف يشاء =" فيكون " ما أراد. (15)
---------------------
الهوامش:
(12) انظر تفسير"أنى" فيما سلف 4: 398-416 / 5: 312 ، 447 / 6: 358.
(13) في المخطوطة: "أي تبتدئ" ، وهو خطأ ، وفي المطبوعة: "أو تبتدئ" وآثرت الذي أثبت.
(14) ما بين القوسين زيادة استظهرتها من السياق.
(15) الأثر: 7079- سيرة ابن هشام 2: 230 من بقية الآثار التي آخرها رقم: 7072 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "أي: إذا قضى أمرًا..." ، وظاهر أن"أي" لا مكان لها هنا ، ونص ابن هشام عن ابن إسحاق دال على صواب ذلك ، فحذفتها. وكان في المخطوطة والمطبوعة أيضًا"فإنما يقول له كن فيكون ، مما يشاء...". وظاهر أيضًا زيادة"فيكون" هنا ، لأن السياق يقتضي إغفالها هنا ، ولأنها ستأتي بعد ، كما هو في نص رواية ابن هشام عن ابن إسحاق ، فرفعتها من هذا المكان أيضًا. وفي سيرة ابن هشام"فيكون ، كما أراد" ، وكلاهما صواب.
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47)

قوله تعالى : قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
قوله تعالى : قالت رب أي يا سيدي . تخاطب جبريل عليه السلام ; لأنه لما تمثل لها قال لها : إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا . فلما سمعت ذلك من قوله استفهمت عن طريق الولد فقالت : أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ؟ أي بنكاح . في سورتها ولم أك بغيا ذكرت هذا تأكيدا ; لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحرام والحلال . تقول : العادة الجارية التي أجراها الله في خلقه أن الولد لا يكون إلا عن نكاح أو سفاح . وقيل : ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا ، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد : أمن قبل زوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء ؟
فروي أن جبريل - عليه السلام - حين قال لها : كذلك الله يخلق ما يشاء ، قال كذلك قال ربك هو علي هين . نفخ في جيب درعها وكمها ; قال ابن جريج . قال ابن عباس : أخذ جبريل ردن قميصها بأصبعه فنفخ فيه فحملت من ساعتها بعيسى . وقيل غير ذلك على ما يأتي بيانه في سورتها إن شاء الله تعالى . وقال بعضهم : وقع نفخ جبريل في رحمها فعلقت بذلك . وقال بعضهم : لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل لأنه يصير الولد بعضه من الملائكة وبعضه من الإنس ، ولكن سبب ذلك أن الله تعالى لما خلق آدم وأخذ الميثاق من ذريته فجعل بعض الماء في أصلاب الآباء وبعضه في أرحام الأمهات فإذا اجتمع الماءان صارا ولدا ، وأن الله تعالى جعل الماءين جميعا في مريم بعضه في رحمها وبعضه في صلبها ، فنفخ فيه جبريل لتهيج شهوتها ; لأن المرأة ما لم تهج شهوتها لا تحبل ، فلما هاجت شهوتها بنفخ جبريل وقع الماء الذي كان في صلبها في رحمها فاختلط الماءان فعلقت بذلك ; فذلك قوله تعالى : إذا قضى أمرا يعني إذا أراد أن يخلق خلقا فإنما يقول له كن ، وقد تقدم في " البقرة " القول فيه مستوفى .
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47)

{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر } والولد في العادة لا يكون إلا من مس البشر، وهذا استغراب منها، لا شك في قدرة الله تعالى: { قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } فأخبرها أن هذا أمر خارق للعادة، خلقه من يقول لكل أمر أراده: كن فيكون، فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب، ومن حكمة الباري تعالى أن تدرج بأخبار العباد من الغريب إلى ما هو أغرب منه، فذكر وجود يحيى بن زكريا بين أبوين أحدهما كبير والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب، وهو وجود عيسى عليه السلام من أم بلا أب ليدل عباده أنه الفعال لما يريد وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن.
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47)

فلما سمعت بشارة الملائكة لها بذلك ، عن الله ، عز وجل ، قالت في مناجاتها : ( رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ) تقول : كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج ولا من عزمي أن أتزوج ، ولست بغيا ؟ حاشا لله . فقال لها الملك - عن الله ، عز وجل ، في جواب هذا السؤال - : ( كذلك الله يخلق ما يشاء ) أي : هكذا أمر الله عظيم ، لا يعجزه شيء . وصرح هاهنا بقوله : ( يخلق ) ولم يقل : " يفعل " كما في قصة زكريا ، بل نص هاهنا على أنه يخلق ، لئلا يبقى شبهة ، وأكد ذلك بقوله : ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) أي : فلا يتأخر شيئا ، بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة ، كقوله تعالى : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) [ القمر : 50 ] أي : إنما نأمر مرة واحدة لا مثنوية فيها ، فيكون ذلك الشيء سريعا كلمح بالبصر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features