إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

القول في تأويل قوله تعالى إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، إن المنافقين في الطَّبَق الأسفل من أطباق جهنم.
* * *
وكل طبَق من أطباق جهنم: " درك ". وفيه لغتان،" دَرَك "، بفتح " الراء " و " دَرْك " بتسكينها. فمن فتح " الراء "، جمعه في القلة " أدْرَاك "، وإن شاء جمعه في الكثرة " الدروك ". ومن سكن " الراء " قال: " ثلاثة أدرُك "، وللكثير " الدروك ".
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته عامة قرأة المدينة والبصرة ( فِي الدَّرَكِ ) بفتح " الراء ".
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفة بتسكين " الراء ".
قال أبو جعفر: وهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لاتفاق معنى ذلك، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قرأة الإسلام. غير أني رأيت أهل العلم بالعربيّة يذكرون أن فتح " الراء " منه في العرب، أشهر من تسكينها. وحكوا سماعًا منهم: " أعطني دَرَكًا أصل به حبلي"، (36) وذلك إذا سأل ما يصل به حَبْله الذي قد عجز عن بلوغ الركيَّة. (37)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
10741- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال: في توابيت من حديد مُبْهَمة عليهم. (38)
10742- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة، عن خيثمة، عن عبد الله قال: إن المنافقين في توابيتَ من حديد مقفلةٍ عليهم في النار.
10743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عاصم، عن ذكوان، عن أبي هريرة: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال: في توابيت تُرْتَجُ عليهم. (39)
10744- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، يعني: في أسفل النار.
10745- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال لي عبد الله بن كثير قوله: " في الدرك الأسفل من النار "، قال: سمعنا أن جهنم أدْراك، منازل. (40)
10746- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال، توابيت من نار تُطْبَقُ عليهم.
* * *
وأما قوله: " ولن تجد لهم نصيرًا "، فإنه يعني: ولن تجد لهؤلاء المنافقين، يا محمد، من الله= إذا جعلهم في الدرك الأسفل من النار= ناصرًا ينصرهم منه، فينقذهم من عذابه، ويدفع عنهم أليمَ عقابه. (41)
--------------------
الهوامش :
(36) هذه مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 142. وعجيب من أبي جعفر أن يستدل بهذا ، ويجعله أشهر في كلام العرب. فإن"الدرك" هنا بمعنى: الحبل ، لأنه يدرك به قعر البئر ، وهو عن معنى"الدرك" ، وهو الطبق ، بمعزل!!
(37) "الركية": البئر.
(38) "مبهمة": مصمتة مغلقة ، لا يهتدي لمكان فتحها ، أو إلى مخرج منها.
(39) "أرتج الباب يرتجه": أغلقه إغلاقًا وثيقًا.
(40) قوله: "منازل" تفسير"أدراك" جمع"درك".
(41) انظر تفسير"نصير" فيما سلف ص: 247 ، تعليق: 6 ، والمراجع هناك.
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

قوله تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا
قوله تعالى : في الدرك . قرأ الكوفيون " الدرك " بإسكان الراء ، والأولى أفصح ؛ لأنه يقال في الجمع : أدراك مثل جمل وأجمال ؛ قاله النحاس . وقال أبو علي : هما لغتان كالشمع والشمع ونحوه ، والجمع أدراك . وقيل : جمع الدرك أدرك ؛ كفلس وأفلس . والنار دركات سبعة ؛ أي طبقات ومنازل ؛ إلا أن استعمال العرب لكل ما تسافل أدراك . يقال : للبئر أدراك ، ولما تعالى درج ؛ فللجنة درج ، وللنار أدراك . وقد تقدم هذا . فالمنافق في الدرك الأسفل وهي الهاوية ؛ لغلظ كفره وكثرة غوائله وتمكنه من أذى المؤمنين . وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ؛ وقد يسمى جميعها باسم الطبقة الأولى ، أعاذنا الله من عذابها بمنه وكرمه . وعن ابن مسعود في تأويل قوله تعالى : في الدرك الأسفل من النار قال : توابيت من حديد مقفلة في النار تقفل عليهم . وقال ابن عمر : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون ؛ تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار . وقال تعالى في أصحاب المائدة : فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . وقال في آل فرعون : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

م أخبر تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) أي : يوم القيامة ، جزاء على كفرهم الغليظ . قال الوالبي عن ابن عباس : ( في الدرك الأسفل من النار ) أي : في أسفل النار . وقال غيره : النار دركات ، كما أن الجنة درجات . " وقال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن ذكوان أبي صالح ، عن أبي هريرة : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : في توابيت ترتج عليهم . كذا رواه ابن جرير ، عن ابن وكيع ، عن يحيى بن يمان ، عن سفيان ، به . ورواه ابن أبي حاتم ، عن المنذر بن شاذان ، عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم ، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن خيثمة ، عن عبد الله - يعني ابن مسعود : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : في توابيت من نار تطبق عليهم . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن سلمة ، عن خيثمة ، عن ابن مسعود : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال : في توابيت من حديد مبهمة عليهم ، ومعنى قوله : ( مبهمة ) أي : مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن : أن ابن مسعود سئل عن المنافقين ، فقال : يجعلون في توابيت من نار ، فتطبق عليهم في أسفل درك من النار .
( ولن تجد لهم نصيرا ) أي : ينقذهم مما هم فيه ، ويخرجهم من أليم العذاب .
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قرأ أهل الكوفة ( في الدرك ) بسكون الراء والباقون بفتحها وهما لغتان كالظعن والظعن والنهر والنهر ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ( في الدرك الأسفل ) في توابيت من حديد مقفلة في النار ، وقال أبو هريرة : بيت مقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم ، ( ولن تجد لهم نصيرا ) مانعا من العذاب .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features