قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: (لا تقتلوا يوسف) .
* * *
وقيل: إن قائل ذلك " روبيل "، كان ابن خالة يوسف.
*ذكر من قال ذلك:
18799- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة: (لا تقتلوا يوسف) ذكر لنا أنه روبيل، كان أكبر القوم ، وهو ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله.
18800- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: (اقتلوا يوسف) ، إلى قوله: (إن كنتم فاعلين) ، قال: ذكر لي، والله أعلم، أن الذي قال ذلك منهم " روبيل "، الأكبر من بني يعقوب ، وكان أقصدهم فيه رأيًا.
18801- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق ، قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله: (لا تقتلوا يوسف) قال: كان أكبر إخوته ، وكان ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قَتْله .
* * *
وقيل: كان قائل ذلك منهم " شمعون ". (17)
*ذكر من قال ذلك:
18802- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله: (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف) قال: هو شمعون.
* * *
وقوله: (وألقوه في غيابة الجب) يقول وألقوه في قَعْرِ الجبّ، حيث يَغيبُ خبره .
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة: " غيَابَاتِ الجُبِّ" على الجماع .
* * *
وقرأ ذلك عامة قراء سائر الأمصار: (غَيابَةِ الجُبِّ) بتوحيد " الغيابة " .
* * *
قال أبو جعفر : وقراءة ذلك بالتوحيد أحبُّ إليّ .
* * *
و " الجبّ": بئر .
* * *
وقيل: إنه اسم بئر ببيت المقدس .
*ذكر من قال ذلك:
18803- حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: في: ( غيابة الجب) ، يقول: بئر ببيت المقدس.
18804- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله: (غيابة الجب) قال: بئر ببيت المقدس.
* * *
والغيابة: كل شيء غيب شيئًا فهو " غيابة " ، و " الجب "، البئر غير المطويَّة .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
18805- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة في : ( غيابة الجب) ، في بعض نواحيها: في أسفلها.
18806- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: (وألقوه في غيابة الجب) ، يقول: في بعض نواحيها.
18807 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله (18)
18807- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وألقوه في غيابة الجب) قال: قالها كبيرهم الذي تخلَّف . قال: و " الجب "، بئر بالشأم.
18809- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( وألقوه في غيابة الجب) يعني: الركيَّة.
18810- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ ، قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: " الجبّ": البئر.
* * *
وقوله: (يلتقطه بعض السيارة) يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين (19) ، (إن كنتم فاعلين) ، يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم . فذكر أنه التقطه بعض الأعراب .
18811- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (يلتقطه بعض السيارة) ، قال: التقطه ناس من الأعراب.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: " تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ" بالتاء .
18812- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال حدثنا القاسم ، قال، حدثني حجاج ، عن هارون ، عن مطر الورّاق ، عن الحسن .
* * *
وكانّ الحسن ذهب في تأنيثه " بعض السيارة " إلى أنَّ فعلَ بعضها فعلُها.
والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن مُضافٍ إلى مؤنث، (20) يكون الخبرُ عن بعضه خبرًا عن جميعه ، وذلك كقول الشاعر: (21)
أرَى مَــرَّ السِّــنِينَ أخَــذْنَ مِنِّـي
كَمَــا أخَـذَ السِّـرَارُ مِـنَ الهِـلالِ (22)
فقال: " أخذن مني" ، وقد ابتدأ الخبر عن " المرّ" ، إذ كان الخبر عن " المرّ"، خبرًا عن " السنين " ، وكما قال الآخر: (23)
إذَا مَــاتَ مِنْهُــمْ سَـيِّدٌ قَـامَ سَـيِّدٌ
فَـدَانَتْ لَـهُ أهْـلُ القُـرَى والكَنـائِسِ (24)
فقال: " دانت له " ، والخبر عن أهل القرى ، لأن الخبر عنهم كالخبر عن القرى . ومن قال ذلك لم يقل: " فدانت له غلام هند " ، لأن " الغلام " لو ألقي من الكلام لم تدلَّ" هند " عليه ، كما يدل الخبر عن " القرية " على أهلها .
وذلك أنه لو قيل ": فدانت له القرى " ، كان معلومًا أنه خبر عن أهلها. وكذلك " بعض السيارة " ، لو ألقي البعض ، فقيل: تلتقطه السيارة ، علم أنه خبر عن البعض أو الكل ، ودلّ عليه الخبر عن " السيارة " .
* * *
----------------------
الهوامش:
(17) سيأتي في الأثر رقم : 18831 ، اسم آخر ، وأنه هو قائل ذاك ، وهو :" يهوذا" .
(18) الأثر : 18807 -" الحسن بن محمد" ، هو" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36 . و" عبد الوهاب" ، هو" عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي" ، مضى مرارًا .
(19) انظر تفسير" السيارة" فيما سلف 11 : 71 - 73 .
(20) في المطبوعة :" عن المضاف إلى مؤنث" ، فأساء بفعله غاية الإساءة .
(21) هو جرير .
(22) سلف البيت وتخريجه وشرحه 11 : 86 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا" أرى" ، والرواية هناك ، وفي ديوانه" رأت" .
(23) لم أعرف قائله .
(24) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية .
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف القائل هو يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب ; قاله ابن عباس . وقيل : روبيل ، وهو ابن خالته ، وهو الذي قال : " فلن أبرح الأرض " الآية . وقيل : شمعون .
وألقوه في غيابة الجب قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة في غيابة الجب . وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " واختار أبو عبيد التوحيد ; لأنه على موضع واحد ألقوه فيه ، وأنكر الجمع لهذا . قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ; " وغيابات " على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات ، يريد عشية وأصيلا ، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ; فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة . والآخر - أن يكون في الجب غيابات ( جماعة ) . ويقال : غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا ; كما قال الشاعر :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا
قال الهروي : والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء ، يغيب الشيء عن العين . وقال ابن عزيز : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة . قلت : ومنه قيل للقبر غيابة ; قال الشاعر :
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والجب الركية التي لم تطو ، فإذا طويت فهي في بئر ; فقال الأعشى :
لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم
وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ; وجمع الجب جببة وجباب وأجباب ; وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . قيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل : هو بالأردن ; قاله وهب بن منبه . مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب .
الثانية : قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين جزم على جواب الأمر . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة : " تلتقطه " بالتاء ، وهذا محمول على المعنى ; لأن بعض السيارة سيارة ; وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه ، وأنشد :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
وقال آخر :
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
ولم يقل شرق ولا أخذت . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ; وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ; فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد ; وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ، فربما لا يأذن لهم أبوهم ، وربما يطلع على قصدهم .
الثالثة : وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولا ولا آخرا ; لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين ، فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، فكانت هذه زلة منهم ; وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه . وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ; وهذا أشبه ، والله أعلم .
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام ، وكذلك روى ابن القاسم عنه ، يعني أنه كان صغيرا ; والدليل عليه قوله تعالى : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة قال : ولا يلتقط إلا الصغير ; وقوله : وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أمر يختص بالصغار ; وقولهم : أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ; ومنه اللقيط واللقطة ، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة ، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ; قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير أن يحتسبه . وقد اختلف العلماء في اللقيط ; فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ; وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر ، وتلا وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك ; وهو قول عمر بن الخطاب ، وكذلك روي عن علي وجماعة . وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الحسبة فهو حر . وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، هم يرثونه ويعقلون عنه ، وبه قال الشافعي ; واحتج بقوله - عليه السلام - : وإنما الولاء لمن أعتق قال : فنفى الولاء عن غير المعتق . واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا ، ولا يرثه أحد بالولاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء ، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه ; وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء ، ما لم يعقل عنه الذي والاه ، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي - رضي الله عنه - : المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه ، وإن أحب أن يوالي غيره والاه ; ونحوه عن عطاء ، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة ، وهو حر . قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ، فقضى بالغالب ، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب ; فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون ، قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب ; فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي ، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني ، وإلا فهو مسلم ، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام . وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وهو مقتضى قولأشهب ; قال أشهب : هو مسلم أبدا ، لأني أجعله مسلما على كل حال ، كما أجعله حرا على كل حال . واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد ; فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك ، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر ; ومن قضي بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد . وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي .
السادسة : قال مالك في اللقيط : إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا ، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب ، والملتقط متطوع بالنفقة . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع ، إلا أن يأمره الحاكم . وقال الأوزاعي : كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق . وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال ، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته . والثاني - يقسط على المسلمين من غير عوض .
السابعة : وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما ; فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء ; وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط ; واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها فأطلق ذلك على القلادة .
الثامنة : أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا ، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها ، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ; ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ، ولا تصرف قبل الحول . وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها .
التاسعة : واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها ; فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا . وقال في الشاة : ( لك أو لأخيك أو للذئب ) يحضه على أخذها ، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه . ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في ضالة الإبل ، والله أعلم . وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة ، إن شاء أخذها وإن شاء تركها ; هذا قول إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - . وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها ; قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .
العاشرة : روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال : فضالة الغنم يا رسول الله ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . وفي حديث أبي قال : احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ففي هذا الحديث زيادة العدد ; خرجه مسلم وغيره . وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها ; فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له ; قال ابن القاسم : يجبر على دفعها ; فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا ؟ قولان : الأول لأشهب ، والثاني لابن القاسم ، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له ; وهو بخلاف نص الحديث ; ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى ; فإنه يستحقها بالبينة على كل حال ; ولما جاز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة . والله أعلم .
الحادية عشرة : نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما ، وسكت عما عداهما من الحيوان . وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم ؟ قولان ; وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير ، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط ; وقول ابن القاسم أصح ; لقوله - عليه السلام - : احفظ على أخيك المؤمن ضالته .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في النفقة على الضوال ; فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره ; قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن . وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع ; حكاه عنه الربيع . وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا ، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع ، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء ، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها ، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة .
الثالثة عشرة : ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة بعد التعريف : فاستمتع بها أو فشأنك بها أو فهي لك أو فاستنفقها أو ثم كلها أو فهو مال الله يؤتيه من يشاء على ما في صحيح مسلم وغيره ، ما يدل على التمليك ، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها ; فإن في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه في رواية ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه . خرجه البخاري ومسلم . وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها ، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف ; لتلك الظواهر ، ولا التفات لقوله ; لمخالفة الناس ، ولقوله - عليه السلام - : فأدها إليه .
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

( قال قائل منهم ) قال قتادة ، ومحمد بن إسحاق : كان أكبرهم واسمه روبيل . وقال السدي : الذي قال ذلك يهوذا . وقال مجاهد : هو شمعون ( لا تقتلوا يوسف ) أي : لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله ، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله; لأن الله تعالى كان يريد منه أمرا لا بد من إمضائه وإتمامه ، من الإيحاء إليه بالنبوة ، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها ، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب ، وهو أسفله .
قال قتادة : وهي بئر بيت المقدس .
( يلتقطه بعض السيارة ) أي : المارة من المسافرين ، فتستريحوا بهذا ، ولا حاجة إلى قتله .
( إن كنتم فاعلين ) أي : إن كنتم عازمين على ما تقولون .
قال محمد بن إسحاق بن يسار : لقد اجتمعوا على أمر عظيم ، من قطيعة الرحم ، وعقوق الوالد ، وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له ، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل ، وخطره عند الله ، مع حق الوالد على ولده ، ليفرقوا بينه وبين ابنه وحبيبه ، على كبر سنه ، ورقة عظمه ، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلا صغيرا ، وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه ، وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين ، فقد احتملوا أمرا عظيما .
رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ، عنه .
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ) وهو يهوذا وقال [ قتادة ] : روبيل وكان ابن خالة يوسف وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه . والأول أصح أنه يهوذا نهاهم عن قتله ، وقال : القتل كبيرة عظيمة . ( وألقوه في غيابة الجب ( قرأ أبو جعفر ونافع : " غيابات الجب " على الجمع في الحرفين ، وقرأ الباقون " غيابة الجب " على الواحد ، أي : في أسفل الجب وظلمته . والغيابة : كل موضع ستر عنك الشيء وغيبه . والجب : البئر غير المطوية لأنه جب ، أي : قطع ولم يطو .
( يلتقطه ) يأخذه ، والالتقاط : أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه ( بعض السيارة ) أي : بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية أخرى ، فتستريحوا منه ( إن كنتم فاعلين ) أي : إن عزمتم على فعلكم ، وهم كانوا يومئذ بالغين ، ولم يكونوا أنبياء بعد .
وقيل : لم يكونوا بالغين ، وليس بصحيح; بدليل أنهم قالوا : " وتكونوا من بعده قوما صالحين " .
" قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " والصغير لا ذنب له .
وقال محمد بن إسحاق : اشتمل فعلهم على جرائم من قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له ، والغدر بالأمانة ، وترك العهد ، والكذب مع أبيهم . وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييئس أحد من رحمة الله .
وقال بعض [ أهل العلم ] إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين ، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى .
وسئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : " نرتع ونلعب " وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن نبأهم الله تعالى ، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features