وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)

القول في تأويل قوله : وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (واذكر) أيُّها المستمع المنصت للقرآن، إذا قرئ في صلاة أو خطبة (72)(ربك في نفسك)، يقول: اتعظ بما في آي القرآن, واعتبر به, وتذكر معادك إليه عند سماعكه =(تضرعًا)، يقول: افعل ذلك تخشعًا لله وتواضعًا له. (73) (وخيفة)، يقول: وخوفًا من الله أن يعاقبك على تقصير يكون منك في الاتعاظ به والاعتبار, وغفلة عما بين الله فيه من حدوده. (74) =( ودون الجهر من القول)، يقول: ودعاء باللسان لله في خفاء لا جهار. (75) يقول: ليكن ذكر الله عند استماعك القرآن في دعاء إن دعوت غير جهار، ولكن في خفاء من القول، كما:-
15619 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول)، لا يجهر بذلك.
15620 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا أبو سعد قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول)، الآية قال: أمروا أن يذكروه في الصدور تضرعًا وخيفة.
15621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي, عن أبيه, عن حيان بن عمير, عن عبيد بن عمير, في قوله: (واذكر ربك في نفسك) قال: " يقول الله إذا ذكرني عبدي في نفسه, ذكرته في نفسي, وإذا ذكرني عبدي وحده ذكرته وحدي, وإذا ذكرني في ملإ ذكرته في أحسنَ منهم وأكرم ". (76)
15622 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة) قال: يؤمر بالتضرع في الدعاء والاستكانة, ويكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء.
* * *
وأما قوله: (بالغدو والآصال)، فإنه يعني بالبُكَر والعشِيَّات.
* * *
وأما " الآصال " فجمع، واختلف أهل العربية فيها.
فقال بعضهم: هي جمع " أصيل ", كما " الأيمان " جمع " يمين ", و " الأسرار " جمع " سرير ". (77)
* * *
وقال آخرون منهم: هي جمع " أصُل ", و " الأصُل " جمع " أصيل ". (78)
* * *
وقال آخرون منهم: هي جمع " أصل " و " أصيل ". قال: وإن شئت جعلت " الأصُل " جمعًا ل " لأصيل ", وإن شئت جعلته واحدًا. قال: والعرب تقول: " قد دنا الأصُل " فيجعلونه واحدًا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في ذلك, وهو أنه جائز أن يكون جمع " أصيل " و " أصُل ", لأنهما قد يجمعان على أفعال. وأما " الآصال "، فهي فيما يقال في كلام العرب: ما بين العصر إلى المغرب.
* * *
وأما قوله: (ولا تكن من الغافلين)، فإنه يقول: ولا تكن من اللاهين إذا قرئ القرآن عن عظاته وعبره, وما فيه من عجائبه, ولكن تدبر ذلك وتفهمه, وأشعره قلبك بذكر الله، (79) وخضوعٍ له، وخوفٍ من قدرة الله عليك, إن أنت غفلت عن ذلك.
15623 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (بالغدو والآصال) قال: بالبكر والعشي =( ولا تكن من الغافلين).
15624 - حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا معرّف بن واصل السعدي, قال: سمعت أبا وائل يقول لغلامه عند مغيب الشمس: آصَلْنا بعدُ؟ (80)
15625 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج قال: قال ابن جريج قال مجاهد, قوله: (بالغدو والآصال) قال: " الغدو "، آخر الفجر، صلاة الصبح =(والآصال)، آخر العشي، صلاة العصر. قال: وكل ذلك لها وقت، أول الفجر وآخره. وذلك مثل قوله في " سورة آل عمران ": وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ، [سورة آل عمران: 41] . وقيل: " العشي": مَيْل الشمس إلى أن تغيب, و " الإبكار ": أول الفجر. (81)
15626 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن محمد بن شريك, عن ابن أبي مليكة, عن ابن عباس, سئل عن [صلاة الفجر, فقال: إنها لفي كتاب الله, ولا يقوم عليها] ..... ثم قرأ: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ، الآية [سورة النور: 36 ] . (82)
15627 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة)، إلى قوله: (بالغدو والآصال)، أمر الله بذكره, ونهى عن الغفلة. أما " بالغدو ": فصلاة الصبح = " والآصال ": بالعشي. (83)
------------------
الهوامش :
(72) رد ابن كثير ما ذهب إليه الطبري في تفسير هذه الآية فقال : (( زعم ابن جرير ، وقبله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أن المراد بها أمر السامع للقرآن في حال استماعه للذكر على هذه الصفة . وهذا بعيد ، مناف للإنصات المأمور به . ثم إن المراد بذلك في الصلاة كما تقدم ، أو في الصلاة والخطبة . ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان ، سواء كان سراً أو جهراً . وهذا الذي قالاه ، لم يتابعا عليه . بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال ، لئلا يكونوا من الغافلين )) . تفسير ابن كثير 3 : 626 ، 627 . وهذا الذي قاله هو الصواب المحض إن شاء الله .
(73) انظر تفسير (( التضرع )) فيما سلف 13 : 572 تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(74) انظر تفسير (( الخوف )) فيما سلف 9 : 123 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(75) انظر تفسير (( الجهر )) فيما سلف 2 : 80 / 9 : 344 ، 358 / 11 : 368 .
(76) الأثر : 15621 - (( ابن التيمى )) ، هو : (( معتمر بن سليمان بن طرخان التيمى )) وأبوه (( سليمان بن طرخان التيمى )) ، وقد مضيا مرارًا . و (( حيان بن عمر القيسمى الجريرى )) ، ثقة قليل الحديث روى عن عبد الرحمن بن سمرة ، وابن عباس ، وسمرة بن جندب وغيرهم . روى عنه سليمان التيمى ، وسعيد الجريرى ، وقتاده . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 7/1/ 137 ، 165 ، والكبير 2/1/ 50 ، وابن أبي حاتم 1/2/ 244 . و((عبيد بن عمير بن قتادة الجندعى )) ، قاص أهل مكة ، تابعى ثقة من كبار التابعين ، مضى برقم : 9180 ، 9181 ، 9189 ، وغيرها .
(77) (( السرير )) الذي جمعه (( أسرار )) ، هو (( سرير الكمأة )) ، وهو ما يكون عليها من التراب والقشور والطين ، وليس للكمأة عروق ، ولكن لها أسرار .
(78) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 239 .
(79) في المخطوطة والمطبوعة : (( بذكر الله )) ، والسياق يتطلب ما أثبت .
(80) الأثر : 15624 - (( معرف بن واصل السعدي )) ، (( أبو بدل )) أو (( أبو يزيد )) ، ثقة. كان أمام مسجد بنى عمرو بن سعيد بن تميم ، أمهم ستين سنة ، لم يسه في صلاة قط ، لأنها كانت تهمه . روى عن أبي وائل وإبراهيم التيمى ، والنخعى ، والشعبى . وغيرهم . مترجم في التهذيب ، وابن سعد 6 : 248 ، والكبير 4/2/30 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 410 .
و (( أبو وائل )) هو (( شقيق بن سلمة الأسدى )) ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يره ، حجة في العربية . وقوله : (( آصل )) ، أي : دخل في الأصيل .
(81) الأثر : 15625 - آخر هذا الخبر ، مضى برقم : 7024 ، من طريق أخرى .
(82) الأثر : 15626 - (( محمد بن شريك المكى )) ، ثقة ، مضى برقم : 10260 ، مترجم في التهذيب ، وابن سعد 5 : 360 ، والكبير 1/1/112 ، وابن أبي حاتم 3/2/284 . وهكذا جاء الخبر في المخطوطة ، كما هو في المطبوعة ، وأنا أكاد أقطع أنه خطأ وتحريف ، وفيه سقط ، ولكنى لم أجد الخبر بإسناده ، فلذلك لم أغيره ، ووجدت نص الخبر بغير إسناد في الدر المنثور 5: 52 ، عن صلاة الضحى ، لا صلاة الفجر ، وهو الصواب إن شاء الله قال :
( وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس قال : إن صلاة الضحى لفي القرآن ؟ ، وما يغوص عليها إلا غواص ، في قوله : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ " فهذا صواب العبارة ، ولكني وضعت ما كان في المخطوطة والمطبوعة بين قوسين ، لأني لم أجد الخبر بإسناده . ووضعت مكان السقط نقطاً . ثم أتممت الآية إلى غايتها أيضاً .
(83) الأثر : 15627 - كان في المخطوطة والمطبوعة : (( ... حدثنا يزيد قال ، حدثنا سويد قال ، حدثنا سعيد ... )) ، زاد في الإسناد (( قال حدثنا سويد )) ، وهو خطأ محض ، وإنما كرر الكتابة كتب (( يزيد )) ، ثم كتب (( سويد ) ، وزاد في الإسناد . وهذا إسناد دائر في التفسير ، آخره رقم : 15598 .
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)

قوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين
قوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة نظيره ادعوا ربكم تضرعا وخفية وقد تقدم . قال أبو جعفر النحاس : ولم يختلف في معنى واذكر ربك في نفسك أنه في الدعاء . قلت : قد روي عن ابن عباس أنه يعني بالذكر القراءة في الصلاة . وقيل : المعنى اقرأ القرآن بتأمل وتدبر . تضرعا مصدر ، وقد يكون في موضع الحال . وخيفة معطوف عليه . وجمع خيفة خوف ; لأنه بمعنى الخوف ; ذكره النحاس . وأصل خيفة خوفة ، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها . خاف الرجل يخاف خوفا وخيفة ومخافة ، فهو خائف ، وقوم خوف على الأصل ، وخيف على اللفظ . وحكى الفراء أنه يقال أيضا في جمع خيفة خيف . قال الجوهري : والخيفة الخوف ، والجمع خيف ، وأصله الواو .
ودون الجهر أي دون الرفع في القول . أي أسمع نفسك ; كما قال : وابتغ بين ذلك سبيلا أي بين الجهر والمخافتة . ودل هذا على أن رفع الصوت بالذكر ممنوع . على ما تقدم في غير موضع
بالغدو والآصال قال قتادة وابن زيد : الآصال العشيات . والغدو جمع غدوة . وقرأ أبو مجلز " بالغدو والإيصال " وهو مصدر آصلنا ، أي دخلنا في العشي . والآصال جمع أصل ; مثل طنب وأطناب ; فهو جمع الجمع ، والواحد أصيل ، جمع على أصل ; عن الزجاج . الأخفش : الآصال جمع أصيل ; مثل يمين وأيمان . الفراء : أصل جمع أصيل ، وقد يكون أصل واحدا ، كما قال الشاعر :
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
الجوهري : الأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه أصل وآصال وأصائل ; كأنه جمع أصيلة ; قال الشاعر :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل
ويجمع أيضا على أصلان ; مثل بعير وبعران ; ثم صغروا الجمع فقالوا أصيلان ، ثم أبدلوا من النون لاما فقالوا أصيلال ; ومنه قول النابغة :
وقفت فيها أصيلالا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد
وحكى اللحياني : لقيته أصيلالا .
ولا تكن من الغافلين أي عن الذكر .
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)

قوله تعالى : ( واذكر ربك في نفسك ) قال ابن عباس : يعني بالذكر : القراءة في الصلاة ، يريد يقرأ سرا في نفسه ، ( تضرعا وخيفة ) خوفا ، أي : تتضرع إلي وتخاف مني هذا في صلاة السر . وقوله : ( ودون الجهر من القول ) أراد في صلاة الجهر لا تجهر جهرا شديدا ، بل في خفض وسكون ، يسمع من خلفك ، وقال مجاهد وابن جريج : أمر أن يذكروه في الصدور بالتضرع إليه في الدعاء والاستكانة دون رفع الصوت والصياح بالدعاء ( بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) أي : بالبكر والعشيات ، واحد آصال : أصيل مثل يمين وأيمان ، وهو ما بين العصر والمغرب .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features