وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)

القول في تأويل قوله : وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إنا أوحينا إليك، كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل قد قصصناهم عليك، ورسل لم نقصصهم عليك.
* * *
فلعل قائلا يقول: فإذ كان ذلك معناه، فما بال قوله: " ورسلا " منصوبًا غير مخفوض؟ قيل: نصب ذلك إذ لم تعد عليه " إلى " التي خفضت الأسماء قبله، وكانت الأسماء قبلها، وإن كانت مخفوضة، فإنها في معنى النصب. لأن معنى الكلام: إنا أرسلناك رسولا كما أرسلنا نوحًا والنبيين من بعده، فعُطفت " الرسل " على معنى الأسماء قبلها في الإعراب، لانقطاعها عنها دون ألفاظها، إذ لم يعد عليها ما خفضها، كما قال الشاعر. (6)
لَــوْ جِــئْتَ بِـالْخُبْزِ لَـهُ مُنَشَّـرَا
وَالْبَيْــضَ مَطْبُوخًـا مَعًـا والسُّـكَّرَا
لَمْ يُرْضِهِ ذلِكَ حَتَّى يَسْكَرَا (7)
* * *
وقد يحتمل أن يكون نصب " الرسل "، لتعلق " الواو " بالفعل، بمعنى: وقصصنا رسلا عليك من قبل، كما قال جل ثناؤه: يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [سورة الإنسان: 31] . (8)
* * *
وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ( ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم عليك ) ، فرفعُ ذلك، إذ قرئ كذلك، بعائد الذكر في قوله: " قصصناهم عليك ". (9)
* * *
وأما قوله: " وكلم الله موسى تكليمًا "، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وخاطب الله بكلامه موسى خطابًا، وقد:-
10842- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا نوح بن أبي مريم، وسئل: كيف كلم الله موسى تكليمًا؟ فقال: مشافهة. (10)
* * *
وقد:-
10843- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن ابن مبارك، عن معمر ويونس، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال، أخبرني جزى بن جابر الخثعمي قال: سمعت كعبًا يقول: إن الله جل ثناؤه لما كلم موسى، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه= يعني: كلام موسى= فجعل يقول: يا رب، لا أفهم! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة، فقال: يا رب هكذا كلامك؟ قال: لا ولو سمعت كلامي= أي: على وجهه= لم تك شيئًا!
= قال ابن وكيع: قال أبو أسامة (!!): وزادني أبو بكر الصغاني في هذا الحديث أن موسى قال: يا رب، هل في خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا وأقرب خلقي شبهًا بكلامي، أشدُّ ما تسمع الناسُ من الصواعق. (11)
10844- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر قال، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: سئل موسى: ما شبهت كلام ربك مما خلق؟ فقال موسى: الرعد الساكب. (12)
10845- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، حدثنا عبد الله بن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن: أنه أخبره عن جزء بن جابر الخثعمي قال: لما كلّم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق يقول: والله يا رب، ما أفقه هذا!! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته، فقال موسى: يا ربِّ هذا كلامك؟ قال: لا. قال: هل في خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا وأقرب خلقي شبهًا بكلامي، أشد ما يسمع الناس من الصواعق. (13)
10846- حدثني أبو يونس المكي قال، حدثنا ابن أبي أويس قال، أخبرني أخي، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أنه أخبره جزء بن جابر الخثعمي: أنه سمع [كعب] الأحبار يقول: لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق موسى يقول: أي رب، والله ما أفقه هذا!! حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته، فقال موسى: أي رب، أهكذا كلامك؟ فقال: لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئًا! قال: أي رب، هل في خلقك شيء يشبه كلامك؟ فقال: لا وأقرب خلقي شبهًا بكلامي، أشدّ ما يسمع من الصواعق. (14)
10847- حدثنا ابن عبد الرحيم قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا زهير، عن يحيى، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن جزء بن جابر: أنه سمع كعبًا يقول: لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه، طفق موسى يقول: أي رب، إني لا أفقه هذا!! حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه، فقال موسى: أي رب، هذا كلامك؟ قال الله: لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئًا! قال، يا رب، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا وأقرب خلقي شبهًا بكلامي، أشدُّ ما يسمع من الصواعق. (15)
-----------------------
الهوامش :
(6) لم أعرف قائله.
(7) في المخطوطة: "لو جيت لنا بالخير مبشرًا" ، وهو فاسد جدًا ، والصواب ما في المطبوعة. وقوله: "منشرًا" أي مبسوطًا بسطًا ، كما يبسط الثوب ، كأنه يعني الرقاق بعضه على بعض.
(8) قد بين أبو جعفر ذلك في تفسير"سورة الإنسان" 29 : 140 (بولاق) فقال: و"نصب (الظالمين) لأن الواو ظرف ل"أعد". والمعنى: وأعد للظالمين عذابًا أليمًا".
(9) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 295.
(10) الأثر: 10842 -"نوح بن أبي مريم" ، أبو عصمة القرشي ، قاضي مرو. كان أبوه مجوسيًا ويقال له: "نوح الجامع" ، وسمي"الجامع" ، لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى ، والحديث عن حجاج بن أرطاة وطبقته ، والتفسير عن الكلبي ومقاتل ، والمغازي عن ابن إسحاق ، وكان مع ذلك عالمًا بأمور الدنيا. وكان شديدًا على الجهمية والرد عليهم ، تعلم منه نعيم بن حماد الرد على الجهمية. ولكنه كان مع ذلك كله ذاهب الحديث ، ليس بثقة ، لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن حبان: "نوح الجامع: جمع كل شيء إلا الصدق"!! مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 111 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 484.
وفي المخطوطة إشكال ، وذلك أن فيها: "نوح بن أبي هند" ، واضحة الكتابة جدًا ، ولكني لم أجد"نوح بن أبي هند" ، ولم أستطع أن أجد له تصحيفًا أو تحريفًا. فأبقيت ما في المطبوعة على حاله ، وأثبت هذا الذي في المخطوطة ، عسى أن أوفق بعد إلى الصواب في هذا الإسناد.
(11) الأثر: 10843 -"أبو أسامة" ، هو: "حماد بن زيد بن أسامة" مضى برقم: 5265 ، والاختلاف في اسمه. و"أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام" ، مضت ترجمته رقم: 2351 ، 7820.
و"جزى بن جابر الخثعمي" ، ترجم له البخاري في الكبير 1 / 2 / 254 ، 255 ، باسم"جرز بن جابر الخثعمي" وقال: "قاله أبو اليمان ، عن شعيب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن". ثم قال: "وقال عبد الرزاق ، عن معمر: جريز بن جابر الخثعمي" [قلت: الصواب"جزى" ، كما في مخطوطة الطبري ، وكما نص عليه ابن أبي حاتم كما سيأتي]. ثم قال البخاري: "وقال يونس وابن أخي الزهري والزبيدي: جزء". ثم قال أيضًا: "وقال إسماعيل ، عن أخيه سليمان عن ابن أبي عتيق: جرو بن جابر" [قلت: وهو الإسناد الآتي رقم: 10846].
أما ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 1 / 546 ، 547 ، فقد ترجم له باسم: "جزء بن جابر الخثعمي" ، وقال: "في رواية شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري" ، فدل هذا على أن ترجمة البخاري له ، جائز أن تكون باسم"جزء بن جابر" ، بل أرجح أن ذلك هو الصواب إن شاء الله.
ثم قال ابن أبي حاتم: "وفي رواية معمر: جزى بن جابر ، وهو وهم تابعه عليه الزبيدي" ، فوافق البخاري في رواية معمر ، وخالفه في متابعة الزبيدي ، فإن البخاري قال عنه في روايته"جزء". ثم قال أيضًا: "ويقال: حزن بن جابر" سمعت أبي يقول ذلك" ، وأخشى أن يكون في نسخة ابن أبي حاتم تحريف ، وأن يكون صوابها كما في البخاري: "جرو" بالراء ، أو "جزو" بالزاي. وكل هذا مشكل لا يهتدي فيه إلى اليقين ، إنما هو النقل. ثم انظر الآثار من رقم: 10845 - 10847.
وكان في المطبوعة: "جزء من جابر" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب الذي يدل عليه كلام البخاري وابن أبي حاتم ، لأن هذه هي رواية معمر.
ثم يأتي إشكال آخر ، ففي المخطوطة: "قال ابن كعب ، قال أبو أسامة ، وزادني أبو بكر الصغاني ...".
أما "ابن كعب" ، فخطأ ظاهر لا شك فيه ، إنما هو كما في المطبوعة: "ابن وكيع" ، وسها الناسخ ، لذكر"كعب الأحبار" في الخبر ، فضللته الكافات في"وكيع" و"كعب" حتى نسي فكتب"ابن كعب".
وأما الإشكال ، فإن"أبا بكر الصغاني" ، هو"محمد بن إسحاق بن جعفر" الحافظ الرحلة ، وهو شيخ الطبري ، مضت روايته عنه في مواضع ، انظر رقم: 4074 ، وفيها ترجمته ، ورقم: 4330 وروى عنه في المنتخب من ذيل المذيل (الملحق بتاريخه) ص: 104 ، كما أشرت إليه. ولا شك في أن"أبا أسامة حماد بن زيد" ، لم يرو عنه قط. فواضح أن القائل: "وزادني أبو بكر الصغاني" هو أبو جعفر محمد بن جرير نفسه.
وإذن ، فما قوله: "قال ابن وكيع ، قال أبو أسامة"؟ لا أدري على التحقيق ، فإما أن يكون سقط من الناسخ شيء. وإما أن يكون المملي (أبو جعفر ، أو غيره) ، أراد أن ينتقل إلى الإسناد التالي رقم: 10844 ، فأملى صدر الإسناد ، ثم عاد لما فاته من تتمة كلام أبي جعفر في الخبر 10843 ، وهو قوله: "وزادني أبو بكر الصغاني" ، ولم ينتبه الكاتب عنه لما وقع فيه المملي من التردد. هذا غاية ما أجد من تفسير ذلك. هذا ، والمخطوطة لا يعتمد عليها في هذا الموضع كل الاعتماد ، لأن فيها خرمًا أو حذفًا كما سترى في الأسانيد: 10845 - 10847 ، ولله وحده العلم. وكتبه: محمود محمد شاكر.
وقد كان في المطبوعة: "أشد ما تسمع" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(12) الأثر: 10844 -"عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب" ، مضى برقم: 7819. وقد كان في المخطوطة: "... عبد الله بن عمرو" ، وهو خطأ بين.
وقوله: "الرعد الساكب" ، هكذا قرأتها ، وفي المخطوطة والمطبوعة: "الرعد الساكن" بالنون في آخره ، ولست أجد لها معنى يعقل. أما "الساكب" ، فإنه الوصف المعقول في صفة شدة صوت الرعد ، وذلك تتابعه وانسياحه. وفي الحديث: "فإذا سكب المؤذن بالأولى من صلاة الفجر ، قام فركع ركعتين خفيفتين" ، وذلك صفة المؤذن إذا أذن ، فأطال في أذانه وردده ورجعه ، وأصله من"سكب الماء" ، ثم استعير"السكب" للإفاضة في الكلام أو غيره من الأصوات ، كما يقال: "أفرغ في أذني حديثًا" ، أي: ألقى وصب.
(13) الأثر: 10845 -"جزء بن جابر الخثعمي" ، هذا هو الصواب ، لأنه رواية يونس عن ابن شهاب الزهري ، التي أشار إليها البخاري ، كما أثبته في التعليق على الأثر رقم: 10843.
(14) الأثر: 10846 -"أبو يونس المكي" شيخ الطبري ، لم أعرفه ، ولم أجده ، ولم تمر بي قبل ذلك له رواية عنه.
و"ابن أبي أويس" هو: "إسماعيل عبد الله بن أويس بن مالك الأصبحي" مضت ترجمته برقم: 45.
و"أخوه" هو: "أبو بكر: عبد الرحمن بن عبد الله بن أويس" ، مضى أيضًا برقم: 45.
و"سليمان" ، هو: "سليمان بن بلال التيمي القرشي". مضى برقم: 4333 ، 4923.
و"ابن أبي عتيق" أو "محمد بن أبي عتيق" ، هو: "محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق" ، مضت ترجمته برقم: 4923 ، 10317.
وهذا هو الإسناد الذي أشار إليه البخاري ، كما ذكرت في التعليق على الأثر رقم: 10843 ، وأن روايته فيه"جرو بن جابر" ، وذكره ابن أبي حاتم أيضًا ، فانظر ما قلت فيه هناك.
وكان في المطبوعة هنا: "أنه سمع الأحبار تقول" ، ولكن تدل الروايات السالفة والآتية ، وما أشار إليه البخاري وابن أبي حاتم ، أن صواب ذلك"كعب الأحبار" ، فزدت"كعب" بين القوسين ، وهو الصواب المحض إن شاء الله.
(15) الأثر: 10847 - هذا إسناد لم يشر إليه البخاري ، ولا ابن أبي حاتم. هذا ، والأخبار الثلاثة الأخيرة من رقم: 10845 - 10847 ، ليست في المخطوطة. فكأن الناسخ قد اختصر في كتابه.
ومهما يكن من أمر هذا الخبر ، فإن صفة ربنا تعالى وتقدست أسماؤه ، مما لا يؤخذ عن كعب الأحبار وأشباهه ، بل الأمر فيها لله وحده ، هو كما يثني على نفسه ، وكما بلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا كعب الأحبار ومن لف لفه.
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)

قوله تعالى : ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما
قوله تعالى : ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل يعني بمكة . ورسلا منصوب بإضمار فعل ، أي وأرسلنا رسلا ؛ لأن معنى وأوحينا إلى نوح وأرسلنا نوحا . وقيل : هو منصوب بفعل دل عليه قصصناهم أي وقصصنا رسلا ؛ ومثله ما أنشد سيبويه :
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به
وحدي وأخشى الرياح والمطرا
أي وأخشى الذئب . وفي حرف أبي " ورسل " بالرفع على تقدير ومنهم رسل . ثم قيل : إن الله تعالى لما قص في كتابه بعض أسماء أنبيائه ، ولم يذكر أسماء بعض ، ولمن ذكر فضل على من لم يذكر . قالت اليهود : ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى ؛ فنزلت وكلم الله موسى تكليما تكليما مصدر معناه التأكيد ؛ يدل على بطلان من يقول : خلق لنفسه كلاما في شجرة فسمعه موسى ، بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلما . قال النحاس : وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا ، وأنه لا يجوز في قول الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قطني
أن يقول : قال قولا ؛ فكذا لما قال : تكليما وجب أن يكون كلاما على الحقيقة من الكلام الذي يعقل . وقال وهب بن منبه : إن موسى عليه السلام قال : " يا رب بم اتخذتني كليما " ؟ طلب العمل الذي أسعده الله به ليكثر منه ؛ فقال الله تعالى له : أتذكر إذ ند من غنمك جدي فاتبعته أكثر النهار وأتعبك ، ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له : أتعبتني وأتعبت نفسك ، ولم تغضب عليه ؛ من أجل ذلك اتخذتك كليما .
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)

قوله تعالى : ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ) أي : وكما أوحينا إلى نوح وإلى الرسل ، ( ورسلا ) نصب بنزع حرف الصفة ، وقيل : معناه وقصصنا عليك رسلا وفي قراءة أبي " ورسل قد قصصناهم عليك من قبل " ( ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ) قال الفراء : العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حقق بالمصدر ، ولم يكن إلا حقيقة الكلام - كالإرادة - يقال : أراد فلان إرادة ، يريد حقيقة الإرادة ، ويقال : أراد الجدار ، ولا يقال أراد الجدار إرادة لأنه مجاز غير حقيقة .
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)

تفسير الايات من 163 حتى 165 :ـ يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي هذا عدة فوائد: منها: أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير فاستغراب رسالته لا وجه له إلا الجهل والعناد. ومنها: أنه أوحى إليه كما أوحى إليهم من الأصول والعدل الذي اتفقوا عليه، وأن بعضهم يصدق بعضا ويوافق بعضهم بعضا. ومنها: أنه من جنس هؤلاء الرسل، فليعتبره المعتبر بإخوانه المرسلين، فدعوته دعوتهم؛ وأخلاقهم متفقة؛ ومصدرهم واحد؛ وغايتهم واحدة، فلم يقرنه بالمجهولين؛ ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين. ومنها: أن في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم، والثناء الصادق عليهم، وشرح أحوالهم مما يزداد به المؤمن إيمانا بهم ومحبة لهم، واقتداء بهديهم، واستنانا بسنتهم ومعرفة بحقوقهم، ويكون ذلك مصداقا لقوله: { سَلَامٌ عَلَى نُــوحٍ فـِي الْعَـالَمِيـنَ } { سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } { سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } { سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } فكل محسن له من الثناء الحسن بين الأنام بحسب إحسانه. والرسل -خصوصا هؤلاء المسمون- في المرتبة العليا من الإحسان. ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم، فذكر أنه آتى داود الزبور، وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داود عليه السلام لفضله وشرفه، وأنه كلم موسى تكليما، أي: مشافهة منه إليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين فيقال: "موسى كليم الرحمن". وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله، ومنهم من لم يقصصه عليه، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم، بالسعادة الدنيوية والأخروية، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا: { مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضا من فضله وإحسانه، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار، فله الحمد وله الشكر. ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم، إنه جواد كريم.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features