۞ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى وَلَد مدين أخاهم شعيبًا، فلما أتاهم قال : (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، يقول: أطيعوه، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ، (ما لكم من إله غيره) ، يقول: ما لكم من معبود سواه يستحقّ عليكم العبادة غيره ، (ولا تنقصوا المكيال والميزان) ، يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ، (إني أراكم بخير) .
* * *
واختلف أهل التأويل في " الخير " الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به.
فقال بعضهم: كان ذلك رُخْص السعر وَحذرهم غلاءه.
*ذكر من قال ذلك :
18467- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي قال ، حدثنا محمد بن موسى، عن الذيال بن عمرو، عن ابن عباس: (إني أراكم بخير) ، قال: رُخْص السعر ، (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) ، قال: غلاء سعر. (27)
18468- حدثني أحمد بن عمرو البَصري قال، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا صالح بن رستم، عن الحسن، وذكر قوم شعيب قال: (إني أراكم بخير) ، قال: رُخْص السعر. (28)
18469- حدثني محمد بن عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي عامر الخراز، عن الحسن في قوله: (إني أراكم بخير) قال: الغنى ورُخْص السعر.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك: إنّي أرى لكم مالا وزينة من زين الدنيا.
ذكر من قال ذلك:-
18470- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: يعني خير الدنيا وزينتها .
18471- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : (إني أراكم بخير) ، أبصر عليهم قِشْرًا من قشر الدنيا وزينتها. (29)
18472- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: في دنياكم، كما قال الله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ، سماه " خيرًا " لأن الناس يسمون المال " خيرًا ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله: (إني أراكم بخير) ، يعني بخير الدنيا. وقد يدخل في خير الدنيا ، المال وزينة الحياة الدنيا ، ورخص السعر ، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها.
* * *
وإنما قال ذلك شعيب، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم ، كثيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم، فقد وَسَّع الله عليكم رزقكم، ، (وإني أخاف عليكم) ، بمخالفتكم أمر الله ، وبَخْسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم ، (عذاب يوم محيط ) ، يقول: أن ينـزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه. فجعل " المحيط" نعتًا لليوم، وهو من نعت " العذاب "، إذ كان مفهومًا معناه، وكان العذاب في اليوم، فصار كقولهم : " بعْض جُبَّتك محترقة ". (30)
-------------------
الهوامش :
(27) الأثر : 18467- " الذيال بن عمرو " ، هكذا جاء هنا بالذال معجمة ، وقد سلف في رقم : 14445 ، وتعليقي عليه ، وتعليق أخي السيد أحمد رحمه الله ، في ج 12 : 589 ، رقم : 7 ، " الزباء بن عمرو " ، وفي ابن كثير : " الديال " بدال مهملة ، ولم نستطع أن نعرف من يكون . والإسناد هنا ، هو الإسناد هناك نفسه .
(28) الأثر : 18468 - " أحمد بن عمرو البصري " : شيخ الطبري ، مضى برقم : 9875 ، 13928 ، وقد مضى ما قلت فيه ، وقد روى عنه أبو جعفر في تاريخه 1 : 182 / 5 : 32 . وكان في المطبوعة هنا : " أحمد بن علي النصري " ، ولا أدري من أين جاء بهذا التغيير ؟ .
(29) " القشر " هو في الأصل ، قشر الشجرة ونحوها ، ثم أستعير للثياب وكل ملبوس ، مما يخلع كما يخلع القشر ، ثم أستعير لما نلبسه من زينة الحياة ثم نخلعه راضين أو كارهين .
(30) انظر تفسير " محيط " فيما سلف 15 : 93 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
۞ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)

قوله تعالى : وإلى مدين أخاهم شعيبا أي وأرسلنا إلى مدين ، ومدين هم قوم شعيب . وفي تسميتهم بذلك قولان : أحدهما : أنهم بنو مدين بن إبراهيم ; فقيل : مدين والمراد بنو مدين . كما يقال مضر والمراد بنو مضر . الثاني : أنه اسم مدينتهم ، فنسبوا إليها . قال النحاس : لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة ; وقد تقدم في " الأعراف " هذا المعنى وزيادة .
قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره تقدم ولا تنقصوا المكيال والميزان كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف ; كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد ، واستوفوا بغاية ما يقدرون عليه وظلموا ; وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص ، وشحوا له بغاية ما يقدرون ; فأمروا بالإيمان إقلاعا عن الشرك ، وبالوفاء نهيا عن التطفيف .
إني أراكم بخير أي في سعة من الرزق ، وكثرة من النعم . وقال الحسن : كان سعرهم رخيصا .
وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط وصف اليوم بالإحاطة ، وأراد وصف ذلك اليوم بالإحاطة بهم ; فإن يوم العذاب إذا أحاط بهم فقد أحاط العذاب بهم ، وهو كقولك : يوم شديد ; أي شديد حره . واختلف في ذلك العذاب ; فقيل : هو عذاب النار في الآخرة . وقيل : عذاب الاستئصال في الدنيا . وقيل : غلاء السعر ; روي معناه عن ابن عباس . وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء . وقد تقدم .
۞ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)

قوله عز وجل : ( وإلى مدين ) أي : وأرسلنا إلى ولد مدين ، ( أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان ) أي : لا تبخسوا ، وهم كانوا يطففون مع شركهم ، ( إني أراكم بخير ) قال ابن عباس : موسرين في نعمة . وقال مجاهد : في خصب وسعة ، فحذرهم زوال النعمة ، وغلاء السعر ، وحلول النقمة ، إن لم يتوبوا . فقال : ( وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) يحيط بكم فيهلككم .
۞ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)

: { و ْ} أرسلنا { إِلَى مَدْيَنَ ْ} القبيلة المعروفة، الذين يسكنون مدين في أدنى فلسطين، { أَخَاهُمْْ} في النسب { شُعَيْبًا ْ} لأنهم يعرفونه، وليتمكنوا من الأخذ عنه.
فـ { قَالَ ْ} لهم { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ْ} أي: أخلصوا له العبادة، فإنهم كانوا يشركون به، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال: { وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ْ} بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط.
{ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ْ} أي: بنعمة كثيرة، وصحة، وكثرة أموال وبنين, فاشكروا الله على ما أعطاكم، ولا تكفروا بنعمة الله، فيزيلها عنكم.
{ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ْ} أي: عذابا يحيط بكم, ولا يبقي منكم باقية.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features