وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)

القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ (43)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المشركين، مشركي قومِك، من ينظر إليك ، يا محمد، ويرى أعلامك وحُججَك على نبوتك، ولكن الله قد سلبه التوفيقَ فلا يهتدي، ولا تقدر أن تهديه، كما لا تقدر أن تحدِث للأعمى بصرًا يهتدي به ، (أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون)، يقول: أفأنت يا محمد ، تحدث لهؤلاء الذين ينظرون إليك وإلى أدلتك وحججك ، فلا يوفَّقون للتصديق بك أبصارًا ، لو كانوا عُمْيًا يهتدون بها ويبصرون؟ فكما أنك لا تطيق ذلك ولا تقدر عليه ولا غيرك، ولا يقدر عليه أحدٌ سواي، فكذلك لا تقدر على أن تبصِّرهم سبيلَ الرشاد أنت ولا أحدٌ غيري، لأن ذلك بيدي وإليّ.
وهذا من الله تعالى ذكره تسليةٌ لنبيه صلى الله عليه وسلم عن جماعةٍ ممن كفر به من قومه وأدبر عنه فكذب، وتعزية له عنهم، وأمرٌ برفع طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله.
* * *
وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)

وكذا المعنى في : ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون
أخبر تعالى أن أحدا لا يؤمن إلا بتوفيقه وهدايته . وهذا وما كان مثله يرد على القدرية قولهم ; كما تقدم في غير موضع . وقال : يستمعون على معنى من و ينظر على اللفظ ; والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم ، أي كما لا تقدر أن تسمع من سلب السمع ولا تقدر أن تخلق للأعمى بصرا يهتدي به ، فكذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء للإيمان وقد حكم الله عليهم ألا يؤمنوا . ومعنى : ينظر إليك أي يديم النظر إليك ; كما قال : ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت قيل : إنها نزلت في المستهزئين ، والله أعلم .
وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)

( ومنهم من ينظر إليك ) بأبصارهم الظاهرة ، ( أفأنت تهدي العمي ) يريد عمى القلب ، ( ولو كانوا لا يبصرون ) وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ، ولا أن تهدي من سلبته البصر ، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن .
وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)

ثم ذكر انسداد الطريق الثاني، وهو‏:‏ طريق النظر فقال‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ‏}‏ فلا يفيده نظره إليك، ولا سبر أحوالك شيئًا، فكما أنك لا تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون، فكذلك لا تهدي هؤلاء‏.‏
فإذا فسدت عقولهم وأسماعهم وأبصارهم التي هي الطرق الموصلة إلى العلم ومعرفة الحقائق، فأين الطريق الموصل لهم إلى الحق‏؟‏
ودل قوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ‏}‏ الآية، أن النظر إلى حالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهديه وأخلاقه وأعماله وما يدعو إليه من أعظم الأدلة على صدقه وصحة ما جاء به، وأنه يكفي البصير عن غيره من الأدلة‏.‏
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features