۞ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:-
19596- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، ليوسف.
19597- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
19598- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يعني يوسف.
19599- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: (فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يوسف.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في" السَّرَق " الذي وصفُوا به يوسف.
فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق .
*ذكر من قال ذلك:
19600- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل قال، حدثنا مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (30)
19601- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه , فعيَّروه بذلك.
19602- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه , فأخذه , إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير , فعابوه.
19603- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده , وكانت مسلمةً.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:-
19604- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي قال: كان بنو يعقوب على طعام , إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه , (31) فعيّروه بذلك (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل). (32)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
19605- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق , عن عبد الله بن أبي نجيح , عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق , وكانت أكبر ولد إسحاق , وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (33) وكانوا يتوارثونها بالكبر , فكان من اختانها ممن وليها (34) كان له سَلَمًا لا ينازع فيه , (35) يصنع فيه ما شاء . وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف , كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (36) فكان معها وإليها , فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه . حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ , ووقعت نفس يعقوب عليه , (37) أتاها فقال، يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف , فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة ! قالت: فوالله ما أنا بتاركته , (38) والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة ! (39) قال: فوالله ما أنا بتاركه ! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظرْ إليه وأسكن عنه , لعل ذلك يسلّيني عنه ، أو كما قالت . فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه , ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق , فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ , ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت ! (40) فكشفوهم , فوجدوها مع يوسف , فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع فيه ما شئت . قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر , فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك , ما أستطيع غير ذلك . فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت . قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (41)
، قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف , ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا ، أسفًا عليه، لما دخل عليهم في أنفسهم (42) تأنيبًا له: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . فلما سمعها يوسف قال: (أنتم شر مكانًا) ، سِرًّا في نفسه (ولم يبدها لهم) ، (والله أعلم بما تصفون).
* * *
وقوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يعني بقوله: (فأسرها)، فأضمرها. (43)
* * *
وقال: (فأسرها) فأنث , لأنه عنى بها " الكلمة " , وهي: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) . ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا , كما قيل: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ [سورة هود:49] ، و ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى ، [سورة هود:100]
* * *
وكنى عن " الكلمة " . ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا , إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام . وذلك نظير قول حاتم الطائي:
أَمَـاوِيَّ مَـا يُغْنِـي الـثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى
إِذَا حَشْـرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (44)
يريد: وضاق بالنفس الصدر ، فكنى عنها ولم يجر لها ذكر , إذ كان في قوله: " إذا حشرَجَت يومًا ", دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: " وضاق بها ". ومنه قول الله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة النحل:110] ، فقال: " من بعدها "، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19606- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون).
19607- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، قال هذا القول.
19608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون).
* * *
وقوله: (والله أعلم بما تصفون) ، يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين . (45)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19609- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يقولون: يوسف يقوله.
19610- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
19611- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
19612- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: (والله أعلم بما تصفون) ، أي: بما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منـزلا ممن وصفتموه بأنه سرق , وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم , والله عالم بكذبكم , وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس .
* * *
وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم , كما:-
19613- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم , وقالوا: يا بني راحيل , ما يزال لنا منكم بلاء‍! متى أخذت هذا الصوع؟ (46) فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء , ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه , ثم أدناه من أذنه , ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبعتموه . فلما سمعها بنيامين , قام فسجد ليوسف , ثم قال، أيها الملك , سل صواعك هذا عن أخي، أحيٌّ هو؟ (47) فنقره , ثم قال، هو حيٌّ , وسوف تراه . قال، فاصنع بي ما شئت , فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني . قال، فدخل يوسف فبكى , ثم توضَّأ , ثم خرج فقال بنيامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ , فسله من سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان , وهو يقول: كيف تسألني مَنْ صاحبي , (48) وقد رأيتَ مع من كنت؟ (49) قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا , فغضب روبيل , وقال: أيها الملك , والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها ! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل , فخرجت من ثيابه , فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسَّه الآخر ذهب غضبه , فمر الغلام إلى جنبه فمسَّه , فذهب غضبه , فقال روبيل: مَنْ هذا؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من بَزْر يعقوب! (50) فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: يا أيها الملك لا تذكر يعقوب , فإنه سَرِيُّ الله , (51) ابن ذبيح الله , ابن خليل الله . قال يوسف: (52) أنت إذًا كنت صادقًا. (53)
----------------------
الهوامش:
(30) الأثر : 19600" أحمد بن عمرو البصري" ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 9875 ، 13928 ، والكلام عنه في الرقم الأول .
و" الفيض بن الفضل البجلي الكوفي" ، مترجم في الكبير 4 / 1 / 140 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 88 ، ولم يذكرا فيه جرحًا . وكان في المطبوعة :" العيص" وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها . وهذا الخبر ، رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 182 .
(31) في المطبوعة والمخطوطة :" اضطر يوسف إلى عرق" ، وهو خطأ محض ، وإنما وصل الكاتب" إذ" بقوله بعده" نظر" . و" العرق" ( بفتح فسكون ) : العظم عليه اللحم . فإن لم يكن عليه لحم ، فهو" عراق" ( بضم العين ) .
(32) الأثر : 19604 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 182 ، مطولا .
(33) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري .
(34) في المطبوعة :" فكان من اختص بها" ، غير ما في المخطوطة ، فأفسد الكلام وأسقطه . والصواب منها ومن التاريخ ." اختانها" ، سرقها .
(35) " السلم" ( بفتحتين ) انقياد المذعن المستخذى ، كالأسير الذي لا يمتنع ممن أسره ، يقال :" أخذه سلمًا" ، إذا أسره من غير حرب ، فجاء به منقادًا لا يمتنع .
(36) في المطبوعة :" قد كان حضنته عمته" ، وأثبت ما في التاريخ . وأما المخطوطة ، فهي غير منقوطة .
وقوله :" حضنه عمته" فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين ، وليس هذا المتعدي مما ذكرته كتب اللغة . وإنما ذكر" حضنت المرأة الصبي" ، إذا وكلت به تحفظه وتربيه ، وهي" الحاضنة" ، تضم إليها الطفل فتكفله . وهذا المتعدي إلى مفعولين ، صحيح عريق في قياس العربية ، بمعنى : أعطاها إياه لتحضنه . وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله .
(37) في والمطبوعة المخطوطة :" وقعت" بغير واو ، والصواب إثباتها ، كما في تاريخ الطبري وقوله :" وقعت نفسه عليه" ، أي اشتاق إليه شديدا . وهذا مجاز لم تذكره معاجم اللغة ، وهو في غاية الحسن والدقة وبلاغة الأداء عن النفس وانظر بعد قوله :" ما أقدر على أن يغيب عني ساعة" ، فهو دليل على المعنى الذي استظهرته .
(38) في المطبوعة :" فقالت : والله ..." غير ما في المخطوطة ، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا .
(39) قولها :" والله ما أقدر ..." ، ليست في تاريخ الطبري ، فهي زيادة في المخطوطة .
(40) في المطبوعة :" اكشفوا" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .
(41) الأثر : 19605 - إلى هذا الموضع ، رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 170 .
(42) في المطبوعة والمخطوطة :" أسفًا عليهم" ، وهو لا يكاد يستقيم ، وكان في المخطوطة أيضًا :" في أنفسنا" ، فصححها في المطبوعة ، وأصاب .
(43) انظر تفسير" الإسرار" فيما سلف ص : 7 ، تعليق ، والمراجع هناك .
(44) ديوانه : 39 ، وغيره ، من قصيدته المشهورة ، يقول بعده ، وهو من رائع الشعر :
إذَا أنَــا دَلاَّنــي الَّــذِينَ أُحِــبُّهُمْ
بِمَلْحُــودةٍ زَلْــخٍ , جَوَانِبُهَـا غُـبْرُ
وَرَاحُــوا عِجَـالاً ينفُضُــونَ أكُـفَّهُمْ
يَقُولُـونَ : قَـدْ دَمَّـى أَنَامِلَنَـا الحفْرُ !
.
" ملحودة" ، يعني قبرًا قد لحد له . و" زلخ" ، ملساء ، يزل نازلها فيتردى فيها .
(45) انظر تفسير" الوصف" فيما سلف : 15 : 586 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(46) في المطبوعة :" حتى أخذت" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ .
(47) في التاريخ :" أين هو" ، ولكنه في المخطوطة :" أحي هو" .
(48) في المطبوعة :" عن صاحبي" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ .
(49) في المطبوعة وحدها :" وقد رؤيت" .
(50) " البزر" ( بفتح فسكون ) ، الولد . يقال :" ما أكثر بزره" ، أي : ولده .
(51) في التاريخ :" إسرائيل الله" ، وكأن الذي في التفسير هو الصواب ، لأن" إيل" بمعنى" الله" ، و" إسرا" ، يضاف إليه ، وكأن" إسرا" ، بمعنى" سرى" ، وهو بمعنى المختار ، كأنه :" صفي الله" الذي اصطفاه . وفي تفسير ذلك اختلاف كثير .
(52) في المطبوعة ، حذف" إن" من قوله :" إن كنت صادقًا" .
(53) الأثر : 19613 - رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1 : 182 ، 183 .
۞ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

وقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع بنيامين : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) يتنصلون إلى العزيز من التشبه به ، ويذكرون أن هذا فعل كما فعل أخ له من قبل ، يعنون به يوسف ، عليه السلام .
قال سعيد بن جبير ، عن قتادة كان يوسف قد سرق صنما لجده ، أبي أمه ، فكسره .
وقال محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كان أول ما دخل على يوسف من البلاء ، فيما بلغني ، أن عمته ابنة إسحاق ، وكانت أكبر ولد إسحاق ، وكانت إليها منطقة إسحاق ، وكانوا يتوارثونها بالكبر ، فكان من اختباها ممن وليها كان له سلما لا ينازع فيه ، يصنع فيه ما يشاء وكانيعقوب حين ولد له يوسف قد حضنته عمته ، فكان منها وإليها ، فلم يحب أحد شيئا من الأشياء حبها إياه ، حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات وقعت نفس يعقوب عليه فأتاها ، فقال : يا أخية سلمى إلي يوسف ، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة . قالت : فوالله ما أنا بتاركته . ثم قالت : فدعه عندي أياما أنظر إليه وأسكن عنه ، لعل ذلك يسليني عنه ، أو كما قالت . فلما خرج من عندها يعقوب ، عمدت إلى منطقة إسحاق ، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ، ثم قالت : فقدت منطقة إسحاق ، عليه السلام ، فانظروا من أخذها ومن أصابها ؟ فالتمست ثم قالت : اكشفوا أهل البيت . فكشفوهم فوجدوها مع يوسف . فقالت : والله إنه لي لسلم ، أصنع فيه ما شئت . فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر . فقال لها : أنت وذاك ، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك ما أستطيع غير ذلك . فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت . قال : فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .
وقوله : ( فأسرها يوسف في نفسه ) يعني : الكلمة التي بعدها ، وهي قوله : ( أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) أي : تذكرون . قال هذا في نفسه ، ولم يبده لهم ، وهذا من باب الإضمار قبل الذكر ، وهو كثير ، كقول الشاعر :
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار
وله شواهد كثيرة في القرآن والحديث واللغة ، في منثورها وأخبارها وأشعارها .
قال العوفي ، عن ابن عباس : ( فأسرها يوسف في نفسه ) قال : أسر في نفسه : ( أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون )
۞ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

فلما رأى إخوة يوسف ما رأوا { قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ } هذا الأخ، فليس هذا غريبا منه. { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } يعنون: يوسف عليه السلام، ومقصودهم تبرئة أنفسهم وأن هذا وأخاه قد يصدر منهما ما يصدر من السرقة، وهما ليسا شقيقين لنا.
وفي هذا من الغض عليهما ما فيه، ولهذا: أسرها يوسف في نفسه { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } أي: لم يقابلهم على ما قالوه بما يكرهون، بل كظم الغيظ، وأسرَّ الأمر في نفسه. و { قَالَ } في نفسه { أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا } حيث ذممتمونا بما أنتم على أشر منه، { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } منا، من وصفنا بالسرقة، يعلم الله أنا براء منها، ثم سلكوا معه مسلك التملق، لعله يسمح لهم بأخيهم.
۞ قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)

( قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) يريدون أخا له من أمه ، يعني : يوسف . واختلفوا في السرقة التي وصفوا بها يوسف عليه السلام ، فقال سعيد بن جبير وقتادة : كان لجده أبي أمه صنم يعبده ، فأخذه سرا ، أو كسره وألقاه في الطريق لئلا يعبد .
وقال مجاهد : إن يوسف جاءه سائل يوما ، فأخذ بيضة من البيت فناولها للسائل . وقال سفيان بن عيينة : أخذ دجاجة من الطير التي كانت في بيت يعقوب فأعطاها سائلا . وقال وهب : كان يخبئ الطعام من المائدة للفقراء .
وذكر محمد بن إسحاق : أن يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت أمه راحيل فحضنته عمته ، وأحبته حبا شديدا ، فلما ترعرع وقعت محبة يعقوب عليه ، فأتاها وقال : يا أختاه ، سلمي إلي يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة . قالت : لا والله ، فقال : والله ما أنا بتاركه ، فقالت : دعه عندي أياما أنظر إليه لعل ذلك يسليني عنه ، ففعل ذلك ، فعمدت إلى منطقة لإسحاق كانوا يتوارثونها بالكبر ، فكانت عندها لأنها كانت أكبر ولد إسحاق فحزمت المنطقة على يوسف تحت ثيابه وهو صغير ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق اكشفوا أهل البيت فكشفوا فوجدوها مع يوسف فقالت : والله إنه لسلم لي ، فقال يعقوب : إن كان فعل ذلك فهو سلم لك ، فأمسكته حتى ماتت ، فذلك الذي قال إخوة يوسف : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .
( فأسرها ) أضمرها ( يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ) وإنما أتت الكناية لأنه عني بها الكلمة ، وهي قوله : ( قال أنتم شر مكانا ) [ ذكرها سرا في نفسه ولم يصرح بها ، يريد أنتم شر مكانا ] أي : منزلة عند الله ممن رميتموه بالسرقة في صنيعكم بيوسف لأنه لم يكن من يوسف سرقة حقيقية ، وخيانتكم حقيقة ( والله أعلم بما تصفون ) تقولون .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features