نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47)

يقول تعالى ذكره: نحن أعلم يا محمد بما يستمع به هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قومك، إذ يستمعون إليك وأنت تقرأ كتاب الله ( وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ). وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: النجوى : فعلهم، فجعلهم هم النجوى، كما يقول: هم قوم رضا، وإنما رضا: فعلهم. وقوله ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) يقول: حين يقول المشركون بالله ما تتبعون إلا رجلا مسحورا. وعنى فيما ذُكِر بالنجوى: الذين تشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النَّدوة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) قال: هي مثل قيل الوليد بن المُغيرة ومن معه في دار الندوة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ ).... الآية ، ونجواهم أن زعموا أنه مجنون، وأنه ساحر، وقالوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ .
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يذهب بقوله ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) إلى معنى: ما تتبعون إلا رجلا له سَحْر: أي له رئة، والعرب تسمي الرئة سَحْرا، والمسحَّر من قولهم للرجل إذا جبن: قد انتفخ سَحْره، وكذلك يقال لكل ما أكَلَ أو شرب من آدميّ وغيره: مَسحور ومُسَحَّر، كما قال لبيد:
فــإنْ تَسْــأَلِينَا فِيـم نَحْـنُ فإنَّنَـا
عَصَـافِيرُ مِـنْ هَـذَا الأنـامِ المُسَحَّر (4)
وقال آخرون:
ونُسحَر بالطعام وبالشراب (5)
أي نغذّى بهما، فكأن معناه عنده كان: إن تتبعون إلا رجلا له رئة، يأكل الطعام، ويشرب الشراب، لا مَلَكا لا حاجة به إلى الطعام والشراب، والذي قال من ذلك غير بعيد من الصواب.
-----------------------
الهوامش :
(4) البيت في ( ديوان لبيد ، رواية الطوسي ، طبع فينا سنة 1880 ص 81 ) وفي شرحه : عصافير : صغار ضعاف . أي نحن أولاد قوم قد ذهبوا ومسحر معلل بالطعام والشراب . وقوله : " إنما أنت من المسحرين " : من هذا . واستشهد به المؤلف على هذا قال : والمسحر : من قولهم للرجل إذا جبن : قد انتفخ سحره . وكذلك يقال لكل ما أكل وشرب من آدمي وغيره : مسحور ومسحر كما قال لبيد : " فإن تسألينا ... " البيت . و (في اللسان : سحر ) : وقول لبيد : " فإن تسألينا ... إلخ البيت ، يكون على الوجهين ، وقوله تعالى : " إنما أنت من المسحرين " يكون من التغذية والخديعة .
(5) هذا عجز بيت من قول امرئ القيس بن حجر الكندي:
أرَانــا مُــوضِعِينَ لأَمْــرِ غَيْـبٍ
ونُسْـــحَرُ بالطَّعــامِ وبالشَّــرَابِ
عَصَـــــافِيرٌ وذِبَّــــانٌ ودُودٌ
وأجْــرأ مِــنْ مُجَلِّحَــةِ الّذئـابِ
قال صاحب اللسان بعد أن أورد البيتين : ( سحر ) أي نغذى أو نخدع . قال ابن امرئ بري: وقوله : " موضعين " معناه : مسرعين . وقوله " لأمر غيب " : يريد الموت ، وأنه قد غيب عنا وقته ، ونحن نلهى عنه بالطعام والشراب. والسحر: الخديعة. وفي "مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 79 في شرح البيت الأول من البيتين : موضعين : مسرعين . لأمر غيب : يريد الموت أو المستقبل المجهول . ويروى : لحتم غيب . ونسحر : نلهى ، أو نغذى . يقول : أرانا في هذه الدنيا مسرعين للموت الذي غيب عنا وقته ، أو لمستقبل مجهول ، لا ندري من أمره شيئا ، ونحن نعلل عنه بالطعام وبالشراب . يريد : كيف يستلذ الطعام والشراب من هو جاد إلى شرب كأس المنية . وفي شرح البيت الثاني : العصافير : ضعاف الطير ؛ والمجلح : الجريء ، والأنثى مجلحة . يقول : نحن أشبه بالعصافير والذباب والدود في ضعفنا ، ولكننا أجرأ على الشر ، وارتكاب الآثام من الذئاب الضارية .
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47)

يخبر تعالى نبيه صلوات الله وسلامه ] عليه بما تناجى به رؤساء كفار قريش حين جاءوا يستمعون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا من قومهم بما قالوا من أنه رجل مسحور ، من السحر على المشهور أو من السحر وهو الرئة أي إن تتبعون إن اتبعتم محمدا - ( إلا بشرا ) يأكل [ ويشرب ، كما قال الشاعر :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال الراجز
ونسحر بالطعام وبالشراب
أي : نغذى وقد صوب هذا القول ابن جرير وفيه نظر لأنهم إنما أرادوا هاهنا أنه مسحور له رئى يأتيه بما استمعوه من الكلام الذي يتلوه ومنهم من قال شاعر ومنهم من قال كاهن ومنهم من قال مجنون ومنهم من قال ساحر ولهذا قال تعالى :
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (47)

( نحن أعلم بما يستمعون به ( قيل : " به " صلة أي : يطلبون سماعه ، ( إذ يستمعون إليك ( وأنت تقرأ القرآن ( وإذ هم نجوى ( يتناجون في أمرك وقيل : ذوو نجوى فبعضهم يقول : هذا مجنون وبعضهم يقول كاهن وبعضهم يقول : ساحر وبعضهم يقول : شاعر ( إذ يقول الظالمون ( يعني : الوليد بن المغيرة وأصحابه ، ( إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( مطبوبا [ وقال مجاهد ] مخدوعا . وقيل : مصروفا عن الحق . يقال : ما سحرك عن كذا أي ما صرفك؟
وقال أبو عبيدة : أي رجلا له سحر ، والسحر : الرئة أي إنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب قال الشاعر :
أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب
أي نغذى ونعلل .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features