۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين، (24) ومن سماهم الله جل ثناؤه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة " الفقير " و " المسكين ".
فقال بعضهم: " الفقير "، المحتاج المتعفف عن المسألة، و " المسكين "، المحتاج السائل. (25)
* ذكر من قال ذلك:
16818- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن أشعث, عن الحسن: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، قال: " الفقير "، الجالس في بيته = " والمسكين "، الذي يسعى.
16819- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، = قال: " المساكين "، الطوافون, و " الفقراء "، فقراء المسلمين.
16820- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن جرير بن حازم قال، حدثني رجل, عن جابر بن زيد: أنه سئل عن " الفقراء ", قال: " الفقراء "، المتعففون, و " المساكين "، الذين يسألون.
16821- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزريّ قال: سألت الزهري عن قوله: (إنما الصدقات للفقراء)، قال: الذين في بيوتهم لا يسألون, و " المساكين "، الذين يخرجون فيسألون. (26)
16822- حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبد الوارث بن سعيد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: " الفقير " الذي لا يسأل, و " المسكين "، الذي يسأل.
16823- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب, قال، قال ابن زيد في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، قال: " الفقراء "، الذين لا يسألون الناس، أهلُ حاجة (27) = و " المساكين "، الذين يسألون الناس.
16824- حدثنا الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: " الفقراء "، الذين لا يسألون, و " المساكين " الذين يسألون.
* * *
وقال آخرون: " الفقير "، هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، و " المسكين "، هو الصحيح الجسم منهم. (28)
* ذكر من قال ذلك:
16825- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، قال: " الفقير "، من به زَمانة = و " المسكين "، الصحيح المحتاج.
16826- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، أما " الفقير "، فالزَّمِن الذي به زَمانة, وأما " المسكين "، فهو الذي ليست به زمانة.
* * *
وقال آخرون: " الفقراء "، فقراء المهاجرين، و " المساكين "، من لم يهاجر من المسلمين، وهو محتاج.
* ذكر من قال ذلك:
16827- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جرير بن حازم, عن علي بن الحكم, عن الضحاك بن مزاحم: (إنما الصدقات للفقراء)، قال: فقراء المهاجرين = و " المساكين "، الذين لم يهاجروا. (29)
16828-...... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء)، المهاجرين, قال: سفيان: يعني: ولا يعطى الأعراب منها شيئًا.
16829- حدثنا ابن وكيع قال: حدثني أبي, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, قال: كان يقال: إنما الصدقة لفقراء المهاجرين.
16830-...... قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم قال: كانت تجعل الصدقة في فقراء المهاجرين, وفي سبيل الله.
16831- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قالا (30) كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار، والزوجة، والعبد، والناقة يحج عليها ويغزو, فنسبهم الله إلى أنهم فقراء, وجعل لهم سهمًا في الزكاة.
16832- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم قال: كان يقال: إنما الصدقات في فقراء المهاجرين, وفي سبيل الله.
* * *
وقال آخرون: " المسكين "، الضعيف الكسب. (31)
* ذكر من قال ذلك:
16833- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون, عن محمد قال: قال عمر: ليس الفقير بالذي لا مال له, ولكن الفقير الأخلقُ الكسْب = قال يعقوب: قال ابن علية: " الأخلق "، المحارَفُ، عندنا. (32)
16834- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن أيوب عن ابن سيرين: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: ليس المسكين بالذي لا مال له، ولكن المسكين الأخلقُ الكسْبِ.
* * *
وقال بعضهم: " الفقير "، من المسلمين، و " المسكين " من أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
16835- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين " مساكين ", إنما " المساكين "، مساكين أهل الكتاب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب, قول من قال: " الفقير "، هو ذو الفقر أو الحاجة، ومع حاجته يتعفّف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع = و " المسكين " هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك، وإن كان الفريقان لم يُعْطَيا إلا بالفقر والحاجة، دون الذلة والمسألة, (33) لإجماع الجميع من أهل العلم أن " المسكين "، إنما يعطى من الصدقة المفروضة بالفقر, وأن معنى " المسكنة "، عند العرب، الذلة, كما قال الله جل ثناؤه: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ، [سورة البقرة: 61]، يعني بذلك: الهون والذلة، لا الفقر. فإذا كان الله جل ثناؤه قد صنَّف من قسم له من الصدقة المفروضة قسمًا بالفقر، فجعلهم صنفين, كان معلومًا أن كل صنف منهم غير الآخر. وإذ كان ذلك كذلك، كان لا شك أن المقسوم له باسم " الفقير "، غير المقسوم له باسم الفقر و " المسكنة ", والفقير المعطَى ذلك باسم الفقير المطلق، هو الذي لا مسكنة فيه. والمعطى باسم المسكنة والفقر، هو الجامع إلى فقره المسكنة, وهي الذلّ بالطلب والمسألة.
= فتأويل الكلام، إذ كان ذلك معناه: إنما الصدقات للفقراء: المتعفِّف منهم الذي لا يسأل, والمتذلل منهم الذي يسأل.
* * *
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك خبَرٌ.
16836- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا إسماعيل بن جعفر, عن شريك بن أبي نمر, عن عطاء بن يسار, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس المسكين بالذي تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان, إنما المسكين المتعفف! اقرءوا إن شئتم: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ، (34) [سورة البقرة: 273].
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما المسكين المتعفف " على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر " مساكين ", لا على تفصيل المسكين من الفقير.
ومما ينبئ عن أن ذلك كذلك, انتزاعه صلى الله عليه وسلم بقول الله: (35) اقرءوا إن شئم: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ، وذلك في صفة من ابتدأ الله ذكره ووصفه بالفقر فقال: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ، [سورة البقرة: 273].
* * *
وقوله: (والعاملين عليها)، وهم السعاة في قبضها من أهلها, ووضعها في مستحقِّيها، يعطون ذلك بالسعاية, أغنياء كانوا أو فقراء.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16837- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري: عن " العاملين عليها ", فقال: السعاة.
16838- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (والعاملين عليها)، قال: جُباتها الذين يجمعونها ويسعون فيها.
16839- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (والعاملين عليها)، الذي يعمل عليها.
* * *
ثُمّ اختلف أهل التأويل في قدر ما يعطى العامل من ذلك.
فقال بعضهم: يعطى منه الثُّمُن.
* ذكر من قال ذلك:
16840- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن حسن بن صالح, عن جويبر, عن الضحاك قال: للعاملين عليها الثمن من الصدقة.
16841- حدثت عن مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: (والعاملين عليها)، قال: يأكل العمال من السهم الثامن.
* * *
وقال آخرون: بل يعطى على قدر عُمالته.
* ذكر من قال ذلك:
16842- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن الأخضر بن عجلان قال، حدثنا عطاء بن زهير العامري, عن أبيه: أنه لقي عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله عن الصدقة: أيُّ مالٍ هي؟ فقال: مالُ العُرْجان والعُوران والعميان، وكل مُنْقَطَع به. (36) فقال له: إن للعاملين حقًّا والمجاهدين! قال: إن المجاهدين قوم أحل لهم، والعاملين عليها على قدر عُمالتهم. (37) ثم قال: لا تحل الصدقة لغنيّ, ولا لذي مِرَّة سويّ (38)
16843- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: يكون للعامل عليها إن عمل بالحق، ولم يكن عمر رحمه الله تعالى ولا أولئك يعطون العامل الثمن, إنما يفرضون له بقدر عُمالته.
16844- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن أشعث, عن الحسن: (والعاملين عليها)، قال: كان يعطى العاملون.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: يعطى العامل عليها على قدر عُمالته وأجر مثله.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب, لأن الله جل ثناؤه لم يقسم صدقة الأموال بين الأصناف الثمانية على ثمانية أسهم، وإنما عرّف خلقه أن الصدقات لن تجاوز هؤلاء الأصناف الثمانية إلى غيرهم، وإذ كان كذلك، بما سنوضح بعدُ، وبما قد أوضحناه في موضع آخر, كان معلومًا أن من أعطي منها حقًّا, فإنما يعطى على قدر اجتهاد المعطى فيه. وإذا كان ذلك كذلك, وكان العامل عليها إنما يعطى على عمله، لا على الحاجة التي تزول بالعطية, كان معلومًا أن الذي أعطاه من ذلك إنما هو عِوَض من سعيه وعمله, وأن ذلك إنما هو قدر يستحقه عوضًا من عمله الذي لا يزول بالعطية، وإنما يزول بالعزل.
* * *
وأما " المؤلفة قلوبهم ", فإنهم قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحًا به نفسَه وعشيرتَه, كأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن بدر، والأقرع بن حابس, ونظرائهم من رؤساء القبائل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16845- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (والمؤلفة قلوبهم)، وهم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضَخ لهم من الصدقات, (39) فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح ! وإن كان غير ذلك, عابوه وتركوه.
16846- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، (40) حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم من بني أمية: أبو سفيان بن حرب = ومن بني مخزوم: الحارث بن هشام, وعبد الرحمن بن يربوع = ومن بني جُمَح: صفوان بن أمية = ومن بني عامر بن لؤي: سهيل بن عمرو, وحويطب بن عبد العزى = ومن بني أسد بن عبد العزى: حكيم بن حزام = ومن بني هاشم: سفيان بن الحارث بن عبد المطلب = ومن بني فزارة: عيينة بن حصن بن بدر = ومن بني تميم: الأقرع بن حابس = ومن بني نصر: مالك بن عوف = ومن بني سليم: العباس بن مرداس = ومن ثقيف: العلاء بن حارثة = أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مئة ناقة, إلا عبد الرحمن بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى, فإنه أعطى كلَّ رجل منهم خمسين.
16847- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري قال، قال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لأبغض الناس إليّ, فما بَرِح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليّ. (41)
16848- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: ناس كان يتألفهم بالعطية, عيينة بن بدر ومن كان معه.
16849- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, عن حماد بن سلمة, عن يونس, عن الحسن: (والمؤلفة قلوبهم)، : الذين يُؤَلَّفون على الإسلام.
16850- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: وأما " المؤلفة قلوبهم ", فأناس من الأعراب ومن غيرهم, كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا.
16851- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن قوله: (والمؤلفة قلوبهم)، فقال: من أسلم من يهوديّ أو نصراني. قلت: وإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًّا.
16852- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزري, عن الزهري: (والمؤلفة قلوبهم)، قال: من هو يهوديّ أو نصرانيّ. (42)
ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها, وهل يعطى اليوم أحدٌ على التألف على الإسلام من الصدقة؟
فقال بعضهم: قد بطلت المؤلفة قلوبهم اليوم, ولا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها، وفي سبيل الله، أو لعامل عليها.
* ذكر من قال ذلك:
16853- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن أشعث, عن الحسن: (والمؤلفة قلوبهم)، قال: أما " المؤلفة قلوبهم " فليس اليوم.
16854- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن عامر قال: لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم, إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16855- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى, عن حبان بن أبي جبلة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: وأتاه عيينة بن حصن: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ، [سورة الكهف: 29]، أي: ليس اليوم مؤلفة.
168856- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك, عن الحسن قال: ليس اليوم مؤلفة.
16857- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن عامر قال: إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فلما ولي أبو بكر رحمة الله تعالى عليه، انقطعت الرشى.
* * *
وقال آخرون: " المؤلفة قلوبهم "، في كل زمان, وحقهم في الصدقات.
* ذكر من قال ذلك:
16858- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر قال: في الناس اليوم، المؤلفة قلوبهم.
16859- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر, مثله.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سدُّ خَلَّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يُعطاه الغني والفقير, لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونةً للدين. وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله, فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا، للغزو، لا لسدّ خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء, استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام وطلبَ تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم, بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله. فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: " لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم "، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت.
* * *
وأما قوله: (وفي الرقاب)، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه.
فقال بعضهم, وهم الجمهور الأعظم: هم المكاتبون, يعطون منها في فك رقابهم. (43)
* ذكر من قال ذلك:
16860- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن الحسن بن دينار, عن الحسين: أن مكاتبًا قام إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله تعالى وهو يخطب الناسَ يوم الجمعة, فقال له: أيها الأمير، حُثَّ الناس عليَّ ! فحثَّ عليه أبو موسى, فألقى الناسُ عليه عمامة وملاءة وخاتمًا, حتى ألقوا سَوادًا كثيرًا، فلما رأى أبو موسى ما ألقي عليه قال: اجمعوه ! فجمع، ثم أمر به فبيع. فأعطى المكاتب مكاتبته, ثم أعطى الفضل في الرقاب، ولم يرده على الناس, وقال: إنما أعطي الناسُ في الرقاب.
16861- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال، سألت الزهري عن قوله: (وفي الرقاب)، قال: المكاتَبون.
16862- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وفي الرقاب)، قال: المكاتَب.
16863- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل بن يوسف, عن عمرو, عن الحسن: (وفي الرقاب)، قال: هم المكاتبون.
* * *
وروي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس أن تُعْتَقَ الرقبة من الزكاة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: " عنى بالرقاب، في هذا الموضع، المكاتبون ", لإجماع الحجة على ذلك، فإن الله جعل الزكاة حقًّا واجبًا على من أوجبها عليه في ماله، يخرجها منه, لا يرجع إليه منها نفعٌ من عرض الدنيا، ولا عِوَض. والمعتق رقبةً منها، راجع إليه ولاء من أعتقه, وذلك نفع يعود إليه منها.
* * *
وأما " الغارمون "، فالذين استدانوا في غير معصية الله, ثم لم يجدوا قضاء في عين ولا عَرَض.
* * *
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16864- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد قال: " الغارمون "، من احترق بيته, أو يصيبه السيل فيذهب متاعه, ويدَّانُ على عياله، فهذا من الغارمين.
16865- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد في قوله: (والغارمين)، قال: من احترق بيته, وذهب السيل بماله, وادَّان على عياله.
16866- حدثنا أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر قال: " الغارمين "، المستدين في غير سَرَف, ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال.
16867-...... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألنا الزهري عن " الغارمين ", قال: أصحاب الدين.
16868- ...... قال، حدثنا معقل, عن عبد الكريم قال، حدثني خادم لعمر بن عبد العزيز خدمه عشرين سنة قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن يُعْطى الغارمون = قال أحمد: أكثر ظني: من الصدقات.
16869-...... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن جابر, عن أبي جعفر قال: " الغارمون "، المستدين في غير سرف.
16870- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أما " الغارمون "، فقوم غرَّقتهم الديون في غير إملاق، (44) ولا تبذير ولا فساد.
16871- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " الغارم "، الذي يدخل عليه الغُرْم.
16872- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: (والغارمين)، قال: هو الذي يذهب السيل والحريق بماله, ويدَّان على عياله.
16873-...... قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن أبي جعفر قال: المستدين في غير فساد.
16874-...... قال، حدثني أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر, قال: " الغارمون "، الذين يستدينون في غير فساد, ينبغي للإمام أن يقضي عنهم.
16875- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: هم قوم ركبتهم الديون في غير فساد ولا تبذير, فجعل الله لهم في هذه الآية سهمًا.
* * *
وأما قوله: (وفي سبيل الله)، فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده، بقتال أعدائه, وذلك هو غزو الكفار. (45)
* * *
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16876- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وفي سبيل الله)، قال: الغازي في سبيل الله.
16877- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها, أو رجل اشتراها بماله, أو في سبيل الله, أو ابن السبيل, أو رجل كان له جار تصدَّق عليه فأهداها له. (46)
16878-...... قال، حدثنا أبي, عن ابن أبي ليلى, عن عطية, عن أبي سعيد الخدري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله, أو ابن السبيل, أو رجل كان له جار فتصدق عليه، فأهداها له. (47)
* * *
وأما قوله: (وابن السبيل)، فالمسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد.
* * *
و " السبيل ": الطريق, (48) وقيل للضارب فيه: " ابن السبيل "، للزومه إياه, كما قال الشاعر: (49)
أنَــا ابــنُ الحَـرْبِ رَبَّتْنِـي وَلِيـدًا
إلَــى أنْ شِــبْتُ واكْـتَهَلَتْ لِـدَاتِي
وكذلك تفعل العرب, تسمي اللازم للشيء يعرف به: " ابنه ". (50)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16879- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان, عن جابر, عن أبي جعفر قال: " ابن السبيل "، المجتاز من أرض إلى أرض.
16880- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا مندل, عن ليث, عن مجاهد: (وابن السبيل)، قال: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيًّا، إذا كان مُنْقَطَعًا به.
16881- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن " ابن السبيل "، قال: يأتي عليَّ ابن السبيل, وهو محتاج. قلت: فإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًا.
16882- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (وابن السبيل)، الضيف، جعل له فيها حق.
16883- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال [ابن زيد]: " ابن السبيل "، المسافر من كان غنيًّا أو فقيرًا، إذا أصيبت نفقته, أو فقدت, أو أصابها شيء, أو لم يكن معه شيء, فحقه واجب. (51)
16884- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, أنه قال: في الغني إذا سافر فاحتاج في سفره. قال: يأخذ من الزكاة.
16885- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن أبي جعفر قال: " ابن السبيل "، المجتاز من الأرض إلى الأرض.
* * *
وقوله: (فريضة من الله)، يقول جل ثناؤه: قَسْمٌ قسمه الله لهم, فأوجبه في أموال أهل الأموال لهم (52) =(والله عليم)، بمصالح خلقه فيما فرض لهم، وفي غير ذلك، لا يخفى عليه شيء. فعلى علم منه فرض ما فرض من الصدقة وبما فيها من المصلحة =(حكيم)، في تدبيره خلقه, لا يدخل في تدبيره خلل. (53)
واختلف أهل العلم في كيفية قسم الصدقات التي ذكرها الله في هذه الآية, وهل يجب لكل صنف من الأصناف الثمانية فيها حق، أو ذلك إلى رب المال؟ ومن يتولى قسمها، في أن له أن يعطي جميعَ ذلك من شاء من الأصناف الثمانية.
فقال عامة أهل العلم: للمتولي قسمُها ووضعُها في أيِّ الأصناف الثمانية شاء. وإنما سمَّى الله الأصناف الثمانية في الآية، إعلامًا منه خلقَه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف الثمانية إلى غيرها, لا إيجابًا لقسمها بين الأصناف الثمانية الذين ذكرهم.
* ذكر من قال ذلك:
16886- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون, عن الحجاج بن أرطاة, عن المنهال بن عمرو, عن زرّ بن حبيش, عن حذيفة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها)، قال: إن شئت جعلته في صنف واحد, أو صنفين, أو لثلاثة.
16887- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن الحجاج, عن المنهال, عن زر, عن حذيفة قال: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك.
16888-...... قال، حدثنا جرير, عن ليث, عن عطاء, عن عمر: (إنما الصدقات للفقراء)، قال: أيُّما صنف أعطيته من هذا أجزأك.
16889- ...... قال، حدثنا ابن نمير, عن عبد المطلب, عن عطاء: (إنما الصدقات للفقراء)، الآية, قال: لو وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف أجزأك. ولو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعفِّفين فجبرتهم بها، كان أحبَّ إليَّ.
16890-...... قال أخبرنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين... وابن السبيل)، فأيّ صنف أعطيته من هذه الأصناف أجزأك.
16891-...... قال، حدثنا عمران بن عيينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله.
16892-...... قال، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها)، قال: إنما هذا شيء أعلمَهُ, فأيَّ صنف من هذه الأصناف أعطيته أجزأ عنك.
16893-...... قال، حدثنا أبي، عن شعبة, عن الحكم, عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء)، قال: في أيّ هذه الأصناف وضعتها أجزأك.
16894-...... قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك.
16895- ...... قال، حدثنا أبي, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك.
16896-...... قال، حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد, عن جعفر بن يرقان, عن ميمون بن مهران: (إنما الصدقات للفقراء)، قال: إذا جعلتها في صنف واحد من هؤلاء أجزأ عنك. (54)
16897-...... قال، حدثنا محمد بن بشر, عن مسعود, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، الآية, قال: أعلمَ أهلَها مَنْ همْ.
16898-...... قال، حدثنا حفص, عن ليث, عن عطاء, عن عمر: أنه كان يأخذ الفرْض في الصدقة, ويجعلها في صنف واحد.
* * *
وكان بعض المتأخرين يقول: إذا تولى رب المال قَسْمها كان عليه وضعها في ستة أصناف، وذلك أن المؤلفة قلوبهم عنده قد ذهبوا, وأنّ سهم العاملين يبطل بقسمه إياها. ويزعم أنه لا يجزيه أن يعطي من كل صنف أقل من ثلاثة أنفس. وكان يقول: إن تولى قَسْمها الإمامُ، كان عليه أن يقسمها على سبعة أصناف, لا يجزي عنده غير ذلك.
----------------------
الهوامش :
(24) في المطبوعة: "لا ينال الصدقات"، وهو كلام غير مستقيم، والصواب ما كان في المخطوطة، ولكنه لم يحسن قراءته.
(25) انظر تفسير "المسكين" فيما سلف 13 : 560، تعليق : 2 ، والمراجع هناك.
(26) الأثر : 16821 - "معقل بن عبيد الله الجزري العبسي ، الحراني" ، ثقة ، ليس به بأس . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 1 393 ، وابن أبي حاتم 4 1 286 .
وكان في المطبوعة: "الحراني"، مكان "الجزري"، وهو صواب، ولكني أثبت ما كان في المخطوطة.
(27) في المطبوعة: "وهو أهل حاجة"، زاد ما ليس في المخطوطة.
(28) في المطبوعة، أسقط "منهم".
(29) الأثر : 16827 - "علي بن الحكم البناني"، ثقة ، له أحاديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 1 181.
(30) في المطبوعة: "قال"، والصواب من المخطوطة.
(31) في المطبوعة: "الضعيف البئيس"، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وكان فيها : " النسب " ، وهو تحريف ، دل على صوابه الآثار التالية.
(32) أراد عمر: أن الفقير، هو الذي لم يقدم لآخرته شيئًا يثاب عليه، وأن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة، وأن فقر الدنيا أهون الفقرين. و "الأخلق" من قولهم: "هضبة خلقاء"، ملساء لا نبات بها . وللجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء "أخلق". وفي حديث فاطمة بنت قيس: "أما معاوية، فرجل أخلق من المال"، أي: خلو عار منه.
وأما "المحارف"، كما فسره ابن علية ، فهو المنقوص الحظ ، فهو محدود محروم ، إذا طلب الرزق لم يرزق ، ضد " المبارك " .
(33) في المطبوعة: "الذل والمسكنة"، والصواب ما في المخطوطة، ولم يحسن قراءتها.
(34) الأثر : 16836 - "إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري" روى له الجماعة ، مضى برقم : 6884 ، 8398 .
و " شريك بن أبي نمر " ، هو " شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي " ثقة ، روى له البخاري ومسلم ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 2 237 ، وابن أبي حاتم 2 1 363 .
وهذا الخبر رواه البخاري من طريق محمد بن جعفر عن شريك بن أبي نمر (الفتح 8 : 152)، ورواه مسلم في الصحيح من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن شريك ، ومن طريق محمد بن جعفر ، عن شريك ، عن عطاء بن يسار ، وعبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة (7 : 129).
(35) في المطبوعة: "انتزاعًا لقول الله"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة . يقال : "انتزع بالآية، وبالشعر"، إذا تمثل به.
(36) "منقطع به" (بالبناء للمجهول)، هو الرجل إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت، أو قامت عليه راحلته، أو أتاه أمر لا يقدر على أن يتحرك معه. يقال: "قطع به"، و "انقطع به".
(37) في المطبوعة : " وللعاملين " ، وأثبت ما في المخطوطة.
(38) الأثر : 16842 - " عبد الوهاب بن عطاء الخفاف " ، ثقة ، مضى برقم : 5429 ، 5432 ، 10522 .
و "الأخضر بن عجلان الشيباني" ، ثقة. مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 67 .
و " عطاء بن زهير بن الأصبغ العامري " ، روى عن أبيه ، روى عنه شميط ، والأخضر بن عجلان ، هكذا ذكره ابن أبي حاتم 3 1 332 ، ولم أجد له ترجمة في غيره .
وأبوه : " زهير بن الأصبغ العامري " ، روى عن عبد الله بن عمرو ، روى عنه ابنه عطاء . مترجم في الكبير 2 1 392 ، وابن حاتم 1 2 587 ، ولم يذكرا فيه جرحًا .
وهذا الخبر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 252 ، ولم ينسبه إلا إلى أبي الشيخ، وفيه "عبد الله بن عمر" ، وهو خطأ.
(39) "رضخ له من ماله رضيخة" ، أعطاه عطية مقاربة ، ليست بالكثيرة ، وأصله من "الرضخ"، وهو كسر النوى وغيره ، كأنه كسر له من ماله شيئا.
(40) في المطبوعة: "حدثنا عبد الأعلى"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وهذا إسناد دائر في التفسير وشيخ الطبري "محمد بن عبد الأعلى".
(41) الأثر : 16847 - رواه مسلم في صحيحه 15 : 72 ، 73 ، مطولا من طريق عبد الله بن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن صفوان بن أمية .
ورواه أحمد في مسنده 3 : 401 من طريق زكريا بن عدي ، عن سعيد بن المسيب ، عن صفوان ، (هكذا جاء هنا في المسند)، والصواب ما سيأتي في المسند 6 : 465 ، من طريق زكريا بن عدي ، عن ابن المبارك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب.
(42) الأثر : 16852 - " معقل بن عبيد الله الجزري " ، مضى قريبًا برقم : 16821 ، وكان في المطبوعة هنا أيضًا "الحراني" ، مكان "الجزري" ، وهو صواب، ولكني أثبت ما في المخطوطة.
(43) انظر تفسير " الرقاب " فيما سلف 3 : 347 9 : 35 ، 36 10 : 552 - 557.
(44) " الإملاق " هنا هو : إنفاق المال وتبذيره حتى يورث حاجة ، و " الإملاق " أيضًا : الإفساد . وانظر ما سلف في الخبر رقم : 6233 ، ج 5 : 602 ، تعليق : 2.
(45) انظر تفسير " سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).
(46) الأثر : 16877 - رواه أبو داود في سننه 2 : 158 ، رقم : 1635 من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، موقوفًا ، ثم رواه برقم: 1636 ، من طريق معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا.
ورواه ابن ماجه في سننه : 589 ، رقم : 1841 ، مرفوعًا، بنحوه.
(47) الأثر : 16878 - "عطية" هو "عطية بن سعد بن جنادة العوفي"، ضعيف ، مضى مرارًا.
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه 2 : 160 ، رقم : 1637 ، من طريق سفيان ، عن عمران البارقي ، عن عطية ، بنحوه ، ثم قال أبو داود : "ورواه فراس ، وابن أبي ليلى ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله".
وهو حديث ضعيف لضعف "عطية العوفي".
(48) انظر تفسير "السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل).
= وتفسير " ابن السبيل " فيما سلف 3 : 345 4 : 295 8 : 346 - 347.
(49) لم أعرف قائله.
(50) في المطبوعة والمخطوطة: "يعرف بابنه"، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت.
(51) الأثر : 16883 - في المطبوعة والمخطوطة : " قال قال ابن السبيل " . والزيادة بين القوسين من إسناده قبل ، وهو إسناد دائر في التفسير ، أقربه رقم 16876.
(52) انظر تفسير " الفريضة " فيما سلف 9 : 212 ، تعليق : ، والمرجع هناك.
(53) انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم).
(54) الأثر : 16896 - " خالد بن حيان الرقي " ، أبو يزيد الكندي الخراز ، ثقة ، متكلم فيه ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 1 133 ، وابن أبي حاتم 1 2 326 .
۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)

قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ، بين الله تعالى في هذه الآية أهل سهمان الصدقات وجعلها لثمانية أصناف . وروي عن زياد بن الحارث الصدائي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته ، فأتاه رجل وقال : أعطني من الصدقة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك "
قوله تعالى ( للفقراء والمساكين ) فأحد أصناف الصدقة : الفقراء ، والثاني : المساكين .
واختلف العلماء في صفة الفقير والمسكين ، فقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وعكرمة والزهري : الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين : الذي يسأل .
وقال ابن عمر : ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم والتمرة إلى التمرة ، ولكن من أنقى نفسه وثيابه لا يقدر على شيء ، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف .
وقال قتادة : الفقير : المحتاج الزمن ، والمسكين : الصحيح المحتاج .
وروي عن عكرمة أنه قال : الفقراء من المسلمين ، والمساكين من أهل الكتاب .
وقال الشافعي : الفقير من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا ، زمنا كان أو غير زمن ، والمسكين من كان له مال أو حرفة ولا يغنيه ، سائلا أو غير سائل . فالمسكين عنده أحسن حالا من الفقير لأن الله تعالى قال : " أما السفينة فكانت لمساكين [ الكهف - 79 ] أثبت لهم ملكا مع اسم المسكنة .
وعند أصحاب الرأي : الفقير أحسن حالا من المسكين .
وقال القتيبي : الفقير الذي له البلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شيء له .
وقيل : الفقير من له المسكن والخادم ، والمسكين من لا ملك له . وقالوا : كل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنيا عن غيره ، قال الله تعالى : " أنتم الفقراء إلى الله " ( غافر - 15 ) ، والمسكين المحتاج إلى كل شيء ألا ترى كيف حض على إطعامه ، وجعل طعام الكفارة له ولا فاقة أشد من الحاجة إلى سد الجوعة .
وقال إبراهيم النخعي : الفقراء هم المهاجرون ، والمساكين من لم يهاجروا من المسلمين .
وفي الجملة : الفقر والمسكنة عبارتان عن الحاجة وضعف الحال ، فالفقير المحتاج الذي كسرت الحاجة فقار ظهره ، والمسكين الذي ضعفت نفسه وسكنت عن الحركة في طلب القوت .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا سفيان بن عيينة عن هشام ، يعني : ابن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار : أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله فسألاه عن الصدقة فصعد فيهما وصوب فقال : " إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب " .
واختلفوا في حد الغنى الذي يمنع أخذ الصدقة فقال الأكثرون : حده أن يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة ، وهو قول مالك والشافعي .
وقال أصحاب الرأي : حده أن يملك مائتي درهم . وقال قوم : من ملك خمسين درهما لا تحل له الصدقة لما روينا عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح " ، قيل : يا رسول الله وما يغنيه؟ قال : " خمسون درهما أو قيمتها من الذهب " . وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق . وقالوا لا يجوز أن يعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهما . وقيل : أربعون درهما لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا " .
قوله تعالى : ( والعاملين عليها ) وهم السعاة الذين يتولون قبض الصدقات من أهلها ووضعها في حقها ، فيعطون من مال الصدقة ، فقراء كانوا أو أغنياء ، فيعطون أجر مثل عملهم .
وقال الضحاك ومجاهد : لهم الثمن من الصدقة .
( والمؤلفة قلوبهم ) فالصنف الرابع من المستحقين للصدقة هم المؤلفة قلوبهم ، وهم قسمان : قسم مسلمون ، وقسم كفار . فأما المسلمون : فقسمان ، قسم دخلوا في الإسلام ونيتهم ضعيفة فيه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم تألفا كما أعطى عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، والعباس بن مرداس ، أو أسلموا ونيتهم قوية في الإسلام ، وهم شرفاء في قومهم مثل : عدي بن حاتم ، والزبرقان بن بدر ، فكان يعطيهم تألفا لقومهم ، وترغيبا لأمثالهم في الإسلام ، فهؤلاء يجوز للإمام أن يعطيهم من خمس خمس الغنيمة ، والفيء سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك ولا يعطيهم من الصدقات .
والقسم الثاني من مؤلفة المسلمين : أن يكون قوم من المسلمين بإزاء قوم كفار في موضع متناط لا تبلغهم جيوش المسلمين إلا بمؤنة كثيرة وهم لا يجاهدون ، إما لضعف نيتهم أو لضعف حالهم ، فيجوز للإمام أن يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة . وقيل : من سهم المؤلفة . ومنهم قوم بإزاء جماعة من مانعي الزكاة يأخذون منهم الزكاة يحملونها إلى الإمام ، فيعطيهم الإمام من سهم المؤلفة من الصدقات . وقيل : من سهم سبيل الله . روي أن عدي بن حاتم جاء أبا بكر الصديق بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا .
وأما الكفار من المؤلفة : فهو من يخشى شره منهم ، أو يرجى إسلامه ، فيريد الإمام أن يعطي هذا حذرا من شره ، أو يعطي ذلك ترغيبا له في الإسلام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من خمس الخمس ، كما أعطى صفوان بن أمية لما يرى من ميله إلى الإسلام ، أما اليوم فقد أعز الله الإسلام فله الحمد ، وأغناه أن يتألف عليه رجال ، فلا يعطى مشرك تألفا بحال ، وقد قال بهذا كثير من أهل العلم أن المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط . روي ذلك عن عكرمة ، وهو قول الشعبي ، وبه قال مالك والثوري ، وأصحاب الرأي ، وإسحاق بن راهويه .
وقال قوم : سهمهم ثابت ، يروى ذلك عن الحسن ، وهو قول الزهري ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وأبي ثور ، وقال أحمد : يعطون إن احتاج المسلمون إلى ذلك .
قوله تعالى : ( وفي الرقاب ) والصنف الخامس : هم الرقاب ، وهم المكاتبون ، لهم سهم من الصدقة ، هذا قول أكثر الفقهاء ، وبه قال سعيد بن جبير ، والنخعي ، والزهري ، والليث بن سعد ، والشافعي . وقال جماعة : يشترى بسهم الرقاب عبيد فيعتقون . وهذا قول الحسن ، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق .
قوله تعالى : ( والغارمين ) الصنف السادس هم : الغارمون ، وهم قسمان : قسم دانوا لأنفسهم في غير معصيته ، فإنهم يعطون من الصدقة إذا لم يكن لهم من المال ما يفي بديونهم ، فإن كان عندهم وفاء فلا يعطون ، وقسم أدانوا في المعروف وإصلاح ذات البين فإنهم يعطون من مال الصدقة ما يقضون به ديونهم ، وإن كانوا أغنياء .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المساكين فأهدى المسكين للغني ، أو لعامل عليها " .
ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلا بمعناه . أما من كان دينه في معصية فلا يدفع إليه .
وقوله تعالى : ( وفي سبيل الله ) أراد بها : الغزاة ، فلهم سهم من الصدقة ، يعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو ، وما يستعينون به على أمر الغزو من النفقة ، والكسوة ، والسلاح ، والحمولة ، وإن كانوا أغنياء ، ولا يعطى منه شيء في الحج عند أكثر أهل العلم .
وقال قوم : يجوز أن يصرف سهم في سبيل الله إلى الحج . ويروى ذلك عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، وأحمد ، وإسحاق .
قوله تعالى : ( وابن السبيل ) الصنف الثامن : هم أبناء السبيل ، فكل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة بقدر ما يقطع به تلك المسافة ، سواء كان له في البلد المنتقل إليه مال أو لم يكن .
وقال قتادة : ابن السبيل هو الضيف .
وقال فقهاء العراق : ابن السبيل الحاج المنقطع .
قوله تعالى : ( فريضة ) أي : واجبة ( من الله ) وهو نصب على القطع ، وقيل : على المصدر ، أي : فرض الله هذه الأشياء فريضة . ( والله عليم حكيم ) .
اختلف الفقهاء في كيفية قسم الصدقات ، وفي جواز صرفها إلى بعض الأصناف :
فذهب جماعة إلى أنه لا يجوز صرفها كلها إلى بعضهم مع وجود سائر الأصناف ، وهو قول عكرمة ، وبه قال الشافعي ، قال : يجب أن تقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجودين من الأصناف الستة ، الذين سهمانهم ثابتة قسمة على السواء ، لأن سهم المؤلفة ساقط ، وسهم العامل إذا قسم - بنفسه ، ثم حصة كل صنف منهم لا يجوز أن تصرف إلى أقل من ثلاثة منهم إن وجد منهم ثلاثة أو أكثر ، فلو فاوت بين أولئك الثلاث يجوز ، فإن لم يوجد من بعض الأصناف إلا واحد صرف حصة ذلك الصنف إليه ما لم يخرج عن حد الاستحقاق ، فإن انتهت حاجته وفضل شيء رده إلى الباقين .
وذهب جماعة إلى أنه لو صرف الكل إلى صنف واحد من هذه الأصناف ، أو إلى شخص واحد منهم يجوز ، وإنما سمى الله تعالى هذه الأصناف الثمانية إعلاما منه أن الصدقة لا تخرج عن هذه الأصناف ، لا إيجابا لقسمها بينهم جميعا . وهو قول عمر ، وابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير وعطاء ، وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي ، وبه قال أحمد ، قال : يجوز أن يضعها في صنف واحد وتفريقها أولى .
وقال إبراهيم : إن كان المال كثيرا يحتمل الإجزاء قسمه على الأصناف ، وإن كان قليلا جاز وضعه في صنف واحد .
وقال مالك : يتحرى موضع الحاجة منهم ، ويقدم الأولى فالأولى من أهل الخلة والحاجة ، فإن رأى الخلة في الفقراء في عام أكثر قدمهم ، وإن رآها في عام في صنف آخر حولها إليهم .
وكل من دفع إليه شيء من الصدقة لا يزيد على قدر الاستحقاق ، فلا يزيد الفقير على قدر غناه ، فإذا حصل أدنى اسم الغنى لا يعطى بعده ، فإن كان محترفا لكنه لا يجد آلة حرفته : فيعطى قدر ما يحصل به آلة حرفته ، ولا يزاد العامل على أجر عمله ، والمكاتب على قدر ما يعتق به ، وللغريم على قدر دينه ، وللغازي على قدر نفقته للذهاب والرجوع والمقام في مغزاه وما يحتاج إليه من الفرس والسلاح ، ولابن السبيل على قدر إتيانه مقصده أو مآله .
واختلفوا في نقل الصدقة عن بلد المال إلى موضع آخر ، مع وجود المستحقين فيه : فكرهه أكثر أهل العلم ، لما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنبأنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، حدثنا زكريا بن إسحاق المكي ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن الصيفي عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال : " إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب " .
فهذا يدل على أن صدقة أغنياء كل قوم ترد على فقراء ذلك القوم .
واتفقوا على أنه إذا نقل من بلد إلى بلد آخر أدي مع الكراهة ، وسقط الفرض عن ذمته ، إلا ما حكي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه رد صدقة حملت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features