وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ) فتكون تصف الكذب، بمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب، فتكون " ما " بمعنى المصدر. وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبِ) هذا بخفض الكذب، بمعنى: ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم ( هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) فيجعل الكذب ترجمة عن " ما " التي في لمَا، فتخفضه بما تخفض به " ما ". وقد حُكي عن بعضهم: (لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكُذُبُ) يرفع الكُذُب، فيجعل الكُذُب من صفة الألسنة، ويخرج على فُعُل على أنه جمع كُذُوب وكذب، مثل شُكُور وشُكُر.
والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكَذِب لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذبَ فيما رزق الله عباده من المطاعم: هذا حلال، وهذا حرام، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذبَ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تُحرِّمون، ولا أحلّ كثيًرا مما تُحِلون ، ثم تقدّم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه، فقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) يقول: إن الذين يتخرّصون على الله الكذب ويختلقونه، لا يخلَّدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها، إنما يتمتعون فيها قليلا.
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)

قوله تعالى ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ) أي : لا تقولوا لوصف ألسنتكم ، أو لأجل وصفكم الكذب ، أي : أنكم تحلون وتحرمون لأجل الكذب لا لغيره ، ( هذا حلال وهذا حرام ) يعني البحيرة والسائبة ، ( لتفتروا على الله الكذب ) فتقولون إن الله أمرنا بهذا ، ( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) لا ينجون من عذاب الله .
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)

قوله تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : لما تصف ما هنا مصدرية ، أي لوصف . وقيل : اللام لام سبب وأجل ، أي لا تقول لأجل وصفكم الكذب بنزع الخافض ، أي لما تصف ألسنتكم من الكذب . وقرئ الكذب بضم الكاف والذال والباء ، نعتا للألسنة . وقد تقدم وقرأ الحسن هنا خاصة الكذب بفتح الكاف وخفض الذال والباء ، نعتا " لما " ; التقدير : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب . وقيل على البدل من ما ; أي ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب . الآية خطاب للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كان ميتة .
هذا حلال إشارة إلى ميتة بطون الأنعام ، وكل ما أحلوه .
وهذا حرام إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموه .
إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون
الثانية : أسند الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش قال : ما سمعت إبراهيم قط يقول حلال ولا حرام ، ولكن كان يقول : كانوا يكرهون وكانوا يستحبون . وقال ابن وهب قال مالك : لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ، ولكن يقولوا إياكم كذا وكذا ، ولم أكن لأصنع هذا . ومعنى هذا : أن التحليل والتحريم إنما هو لله - عز وجل - ، وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان ، إلا أن يكون البارئ - تعالى - يخبر بذلك عنه . وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول : إني أكره كذا . وكذلك كان مالك يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى . فإن قيل : فقد قال فيمن قال لزوجته أنت علي حرام إنها حرام ويكون ثلاثا . فالجواب أن مالكا لما سمع علي بن أبي طالب يقول إنها حرام اقتدى به . وقد يقوى الدليل على التحريم عند المجتهد فلا بأس عند ذلك أن يقول ذلك ، كما يقول إن الربا حرام في غير الأعيان الستة ، وكثيرا ما يطلق مالك - رحمه الله - ; فذلك حرام لا يصلح في الأموال الربوية وفيما خالف المصالح وخرج عن طريق المقاصد لقوة الأدلة في ذلك .
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)

تفسير الآيتين 116 و 117 :ـ
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ } أي: لا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم، كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه.
{ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا بد أن يظهر الله خزيهم وإن تمتعوا في الدنيا فإنه { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } ومصيرهم إلى النار { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features