مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)

يقول تعالى ذكره: من هذا الذي ينفق في سبيل الله في الدنيا، محتسبا في نفقته، مبتغيًا ما عند الله، وذلك هو القرض الحسن، يقول: فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه، بإنفاقه في سبيله، فيجعل له بالواحدة سبع مئة. وكان بعض نحوّيي البصرة يقول في قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) فهو كقول العرب: لي عندك قرض صدق، وقرض سَوْء إذا فعل به خيرا؛ وأنشد ذلك بيتا للشنفرى:
سَـنجْزِي سَـلامانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها
بِمَــا قَــدَّمَتْ أيْــدِيهم فــأزَلَّتِ (1)
(وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) يقول: وله ثواب وجزاء كريم، يعني بذلك الأجر: الجنة، وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
------------------------
الهوامش:
(1) نسب المؤلف البيت إلى الشنفرى. وسلامان بن مفرج قبيلة من العرب. والقرض كما في (اللسان: قرض) بفتح القاف وكسرها: ما يتجازى به الناس بينهم، ويتقاضونه، وجمعه قروض، وهو ما أسلفه من إحسان، ومن إساءة. قال أمية بن أبي الصلت:
كـلُّ امْرِئٍ سوْفَ يُجْزَى قرْضَه حَسَنا
أوْ سَــيِّئا وَمَدِينــا مِثْـلَ مـا دَانـا
قد سبق استشهاد المؤلف ببيت أمية هذا في (2 : 592) من هذه الطبعة.
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)

"من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم".
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)

قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم
قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ندب إلى الإنفاق في سبيل الله . وقد مضى في ( البقرة ) القول فيه . والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا : قد أقرض ، كما قال :
وإذا جوزيت قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى ليس الجمل
وسمي قرضا ، لأن القرض أخرج لاسترداد البدل . أي : من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة . قال الكلبي : قرضا أي : صدقة حسنا أي : محتسبا من قلبه بلا من ولا أذى .
فيضاعفه له ما بين السبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف . وقيل : القرض الحسن هو أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، رواه سفيان عن أبي حيان . وقال زيد بن أسلم : هو النفقة على الأهل . الحسن : التطوع بالعبادات . وقيل : إنه عمل الخير ، والعرب تقول : لي عند فلان قرض صدق وقرض سوء . القشيري : والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس ، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسمعة ، وأن يكون من الحلال . ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه ، لقوله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون وأن يتصدق في حال يأمل الحياة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال : أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت : لفلان كذا ولفلان كذا وأن يخفي صدقته ، لقوله تعالى : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم وألا يمن ؛ لقوله تعالى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأن يستحقر كثير ما يعطي ، لأن الدنيا كلها قليلة ، وأن يكون من أحب أمواله ، لقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وأن يكون كثيرا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها .
فيضاعفه له وقرأ ابن كثير وابن عامر " فيضعفه " بإسقاط الألف إلا ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء . وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة " فيضاعفه " بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصما نصب الفاء . ورفع الباقون عطفا على يقرض . وبالنصب جوابا على الاستفهام . وقد مضى في ( البقرة ) القول في هذا مستوفى .
وله أجر كريم يعني الجنة .
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)

وقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال عمر بن الخطاب : هو الإنفاق في سبيل الله ، وقيل : هو النفقة على العيال ، والصحيح أنه أعم من ذلك ، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة ، وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية ; ولهذا قال : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) كما قال في الآية الأخرى : ( أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ] أي : جزاء جميل ورزق باهر - وهو الجنة - يوم القيامة .
قال بن أبي حاتم ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، وإن الله ليريد منا القرض ؟ " قال : " نعم ، يا أبا الدحداح " . قال : أرني يدك يا رسول الله ، قال : فناوله يده ، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي - وله حائط فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه وعيالها - قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك . فقال : اخرجي ، فقد أقرضته ربي ، عز وجل - وفي رواية : أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح . ونقلت منه متاعها وصبيانها ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح " . وفي لفظ : " رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة " .
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)

حث على النفقة في سبيله، لأن الجهاد متوقف على النفقة فيه، وبذل الأموال في التجهز له، فقال: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } وهي النفقة [الطيبة] التي تكون خالصة لوجه الله، موافقة لمرضاة الله، من مال حلال طيب، طيبة به نفسه، وهذا من كرم الله تعالى [حيث] سماه قرضا، والمال ماله، والعبد عبده، ووعد بالمضاعفة عليه أضعافا كثيرة، وهو الكريم الوهاب، وتلك المضاعفة محلها وموضعها يوم القيامة، يوم كل يتبين فقره، ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن، ولذلك قال:
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features