أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

القول في تأويل قوله : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: (أفمن أسس بنيانه).
فقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة: (أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ)، على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما.
* * *
وقرأت ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: " أَفَمَنْ أُسِّس بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أُسِّس بُنْيَانَهُ " ، على وصف " من " بأنه الفاعل الذي أسس بنيانه. (46)
* * *
قال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. غير أن قراءته بتوجيه الفعل إلى " من "، إذ كان هو المؤسس، (47) أعجبُ إليّ.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: أيُّ هؤلاء الذين بنوا المساجد خير، أيها الناس، عندكم: الذين ابتدءوا بناء مسجدهم على اتقاء الله، بطاعتهم في بنائه، وأداء فرائضه ورضًى من الله لبنائهم ما بنوه من ذلك، وفعلهم ما فعلوه = خيرٌ, أم الذين ابتدءوا بناءَ مسجدهم على شفا جُرفٍ هارٍ؟
يعني بقوله: (على شفا جرف)، على حرف جُرُف. (48)
* * *
و " الجرف "، من الركايا، ما لم يُبْنَ له جُولٌ (49)
* * *
(هار)، يعني متهوِّر. وإنما هو " هائر "، ولكنه قلب, فأخرت ياؤها فقيل: " هارٍ"، كما قيل: " هو شاكي السلاح "، (50) و " شائك ", وأصله من " هار يهور فهو هائر "، وقيل: " هو من هارَ يهار "، إذا انهدم. ومن جعله من هذه اللغة قال: " هِرْت يا جرف "، ومن جعله " من هار يهور "، قال: " هُرْت يا جرف ".
* * *
قال أبو جعفر: وإنما هذا مَثَلٌ. يقول تعالى ذكره: أيّ هذين الفريقين خير؟ وأيّ هذين البناءين أثبت؟ أمَن ابتدأ أساس بنائه على طاعة الله، وعلمٍ منه بأن بناءه لله طاعة، والله به راضٍ, أم من ابتدأه بنفاق وضلال، وعلى غير بصيرة منه بصواب فعله من خطئه, فهو لا يدري متى يتبين له خطأ فعله وعظيم ذنبه، فيهدمه, كما يأتي البناءُ على جرف ركيَّةٍ لا حابس لماء السيول عنها ولغيره من المياه، ثَرِيّةِ التراب متناثرة، (51) لا تُلْبِثه السيول أن تهدمه وتنثره؟
= يقول الله جل ثناؤه: (فانهار به في نار جهنم)، يعني فانتثر الجرف الهاري ببنائه في نار جهنم. كما:-
17244- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (فانهار به)، يعني قواعده =(في نار جهنم). (52)
17245- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فانهار به)، يقول: فخرَّ به.
17246- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله)، إلى قوله: (فانهار به في نار جهنم)، قال: والله ما تناهَى أنْ وقع في النار. ذكر لنا أنه تحفَّرت بقعة منها، (53) فرُؤي منها الدخان.
17247- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: بنو عمرو بن عوف. استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بنيانه, فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فصلوا فيه الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد. قال: وانهار يوم الاثنين. قال: وكان قد استنظرهم ثلاثًا، السبت والأحد والاثنين =(فانهار به في نار جهنم), مسجد المنافقين، انهار فلم يتناهَ دون أن وقع في النار = قال ابن جريج: ذكر لنا أن رجالا حفروا فيه, فأبصروا الدخان يخرج منه.
17248- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا عبد العزيز بن المختار, عن عبد الله الداناج, عن طلق بن حبيب, عن جابر قوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ، قال: رأيت المسجد الذي بني ضرارًا يخرج منه الدخان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. (54)
17249- حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال، حدثنا أبو سلمة قال، حدثنا عبد العزيز بن المختار, عن عبد الله الداناج قال، حدثني طلق العنـزي, عن جابر بن عبد الله قال: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار. (55)
17250- حدثني سلام بن سالم الخزاعي قال، حدثنا خلف بن ياسين الكوفي قال: حججت مع أبي في ذلك الزمان = يعني: زمان بني أمية = فمررنا بالمدينة, فرأيت مسجد القبلتين = يعني مسجد الرسول = وفيه قبلة بيت المقدس، فلما كان زمان أبي جعفر, قالوا: يدخل الجاهل فلا يعرف القبلة! فهذا البناءُ الذي ترون، جرى على يَدِ عبد الصمد بن علي. ورأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله في القرآن, وفيه حجر يخرج منه الدخان, وهو اليوم مَزْبَلة. (56)
* * *
قوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين)، يقول: والله لا يوفق للرشاد في أفعاله، من كان بانيًا بناءه في غير حقه وموضعه, ومن كان منافقًا مخالفًا بفعله أمرَ الله وأمرَ رسوله.
-----------------------
الهوامش :
(46) في المطبوعة : " على وصف من بناء الفاعل " ، وهو خلط في الكلام ، صوابه ما في المخطوطة ، وهو ما أثبته .
(47) في المطبوعة : " إذا كان من المؤسس" وأثبت ما في المخطوطة ، وهو محض صواب .
(48) انظر تفسير " الشفا " فيما سلف 7 : 85 ، 86 .
(49) في المطبوعة : " من الركي " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 269 ، وهذا نص كلامه .
و " الركايا " جمع " ركية " ، وتجمع أيضا على " ركي " ، بحذف التاء ، وهي البئر . و " الجول " ( بضم الجيم ) ، هو جانب البئر والقبر إلى أعلاها من أسفلها .
وهذا التفسير الذي ذكره أبو عبيدة ، لم أجده في تفسير الكلمة في كتب اللغة ، ولكنه جائز صحيح المعنى ، إن صحت روايته .
(50) في المطبوعة : " شاك السلاح " ، والصواب ما في المخطوطة بالياء في آخره .
(51) في المطبوعة : " ترى به التراب متناثرا " ، غير ما في المخطوطة ، إذ كانت غير منقوطة ، ويقال : " أرض ثرية " ، إذا كانت ذات ثرى وندى . و " ثريت الأرض فهي ثرية " ، إذا نديت ولانت بعد الجدوبة واليبس .
(52) في المطبوعة ، أسقط " يعني " .
(53) في المطبوعة : " أنه حفرت بقعة منه " ، وأثبت ما في المخطوطة . وقوله " تحفرت " أي : صارت فيها حفرة ، وكأنه غيرها لأنها لم تذكر في كتب اللغة ، ولكنها قياس عربي عريق .
وقوله " منها " أي : من أرض مسجد الضرار .
(54) الأثر : 17248 - " عبد العزيز بن المختار الأنصاري ، الدباغ " ، ثقة ، روى له الجماعة . مضى برقم : 1685 .
و " عبد الله الداناج " ، هو " عبد الله بن فيروز " و " دانا " بالفارسية ، العالم . ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 136 .
و " طلق بن حبيب العنزي " ، ثقة ، سمع جابرا . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 360 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 490 .
وهذا خبر صحيح الإسناد ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3 : 279 ، وقال : " أخرجه مسدد في مسنده ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه " . وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه .
(55) الأثر : 17249 - هو مكرر لأثر السالف .
" محمد بن مرزوق " ، هو " محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي " . شيخ الطبري ، مضى برقم 28 : 8224 .
و " أبو سلمة " ، هو : " موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي " ، ثقة . مضى برقم : 15202 .
(56) الأثر: 17250 - "سلام بن سالم الخزاعي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 252 ، 6529 .
و " خلف بن ياسين الكوفي " ، مضى برقم : 252 ، ورواية " سلام بن سالم الخراعي " عنه . وذكر أخي السيد أحمد هناك أنه قد يكون " خلف بن ياسين بن معاذ الزيات " ، وهو كذاب . والظاهر أنه هو هو ، لأن خلفا يروي في هذا الخبر عن أبيه ، وأبوه " ياسين بن معاذ الزيات " ، وهو أيضا ضعيف متروك الحديث ، وكان من كبار فقهاء الكوفة ، روى عن الزهري ، ومكحول ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو مترجم في لسان الميزان 6 : 238 ، والكبير 4 / 2 / 429 ، وقال : " يتكلمون فيه ، منكر الحديث " ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 312 ، وذكر أنه قد روى عنه ابنه خلف، ولكنه لم يترجم " خلف بن ياسين بن معاذ " . وهذا الخبر الشاهد بأن " ياسين " أبا "خلف"، كان على عهد بني أمية، ورواية خلف ابنه عنه، وشيوخ "ياسين" الذين روى عنهم ، كل ذلك دال على صواب ما ذهب إليه أخي ، من أن " خلف بن ياسين الكوفي " ، هو " خلف بن ياسين بن معاذ الزيات " .
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

( أفمن أسس بنيانه ) قرأ نافع وابن عامر " أسس " بضم الهمزة وكسر السين ، " بنيانه " برفع النون فيهما جميعا على غير تسمية الفاعل . وقرأ الآخرون " أسس " فتح الهمزة والسين ، " بنيانه " : بنصب النون ، على تسمية الفاعل . ( على تقوى من الله ورضوان خير ) أي : على طلب التقوى ورضا الله تعالى خير ( أم من أسس بنيانه على شفا ) على شفير ، ( جرف ) قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر " جرف " ساكنة الراء ، وقرأ الباقون بضم الراء وهما لغتان ، وهي البئر التي لم تطو . قال أبو عبيدة : هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية فينجرف بالماء فيبقى واهيا ، ( هار ) أي : هائر وهو الساقط يقال : هار يهور فهو هائر ، ثم يقلب فيقال : هار مثل شاك وشائك وعاق وعائق . وقيل : هو من يهار : إذا انهدم ، ومعناه : الساقط الذي يتداعى بعضه في إثر بعض ، كما ينهار الرمل والشيء الرخو . ( فانهار به ) أي : سقط بالباني ( في نار جهنم ) يريد بناء هذا المسجد الضرار كالبناء على شفير جهنم فيهور بأهلها فيها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد صيرهم النفاق إلى النار .
( والله لا يهدي القوم الظالمين ) قال قتادة : والله ما تناهى أن وقع في النار ، وذكر لنا أنه حفرت بقعة فيه ، فرئي الدخان يخرج منها . وقال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار .
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

يقول تعالى : لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان ، ومن بنى مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ، فإنما بنى هؤلاء بنيانهم ( على شفا جرف هار ) أي : طرف حفيرة مثاله ( في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي : لا يصلح عمل المفسدين .
قال جابر بن عبد الله : رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن جريج ذكر لنا أن رجالا حفروا فوجدوا الدخان يخرج منه . وكذا قال قتادة .
وقال خلف بن ياسين الكوفي : رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله تعالى في القرآن ، وفيه جحر يخرج منه الدخان ، وهو اليوم مزبلة . رواه ابن جرير رحمه الله .
وقوله : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) أي : شكا ونفاقا بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع ، أورثهم نفاقا في قلوبهم ، كما أشرب عابدو العجل حبه .
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)

قوله تعالى أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين
فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى أفمن أسس أي أصل ، وهو استفهام معناه التقرير . و ( من ) بمعنى الذي ، وهي في موضع رفع بالابتداء ، وخبره ( خير ) . وقرأ نافع وابن عامر وجماعة ( أسس بنيانه ) على بناء ( أسس ) للمفعول ورفع ( بنيان ) فيهما . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وجماعة أسس بنيانه على بناء الفعل للفاعل ونصب ( بنيانه ) فيهما . وهي اختيار أبي عبيد لكثرة من قرأ به ، وأن الفاعل سمي فيه . وقرأ نصر بن عاصم بن علي " أفمن أسس " بالرفع ( بنيانه ) بالخفض . وعنه أيضا ( أساس بنيانه ) وعنه أيضا ( أس بنيانه ) بالخفض . والمراد أصول البناء كما تقدم . وحكى أبو حاتم قراءة سادسة وهي ( أفمن آساس بنيانه ) قال النحاس : وهذا جمع أس ; كما يقال : خف وأخفاف ، والكثير " إساس " مثل خفاف . قال الشاعر :
أصبح الملك ثابت الأساس في البهاليل من بني العباس
الثانية : قوله تعالى على تقوى من الله قراءة عيسى بن عمر - فيما حكى سيبويه - بالتنوين ، والألف ألف إلحاق كألف تترى فيما نون ، وقال الشاعر :
يستن في علقى وفي مكور
وأنكر سيبويه التنوين ، وقال : لا أدري ما وجهه . على شفا الشفا : الحرف والحد ، وقد مضى في ( آل عمران ) مستوفى . و جرف قرئ برفع الراء ، وأبو بكر وحمزة بإسكانها ; مثل الشغل والشغل ، والرسل والرسل ، يعني جرفا ليس له أصل . والجرف : ما يتجرف بالسيول من الأودية ، وهو جوانبه التي تنحفر بالماء ، وأصله من الجرف والاجتراف ; وهو اقتلاع الشيء من أصله . هار ساقط ; يقال . تهور البناء إذا سقط ، وأصله هائر ، فهو من المقلوب يقلب وتؤخر ياؤها ، فيقال : هار وهائر ، قاله الزجاج . ومثله لاث الشيء به إذا دار ; فهو لاث أي لائث . وكما قالوا : شاكي السلاح وشائك السلاح . قال العجاج :
لاث به الأشاء والعبري
الأشاء النخل ، والعبري السدر الذي على شاطئ الأنهار . ومعنى لاث به مطيف به . وزعم أبو حاتم أن الأصل فيه هاور ، ثم يقال هائر مثل صائم ، ثم يقلب فيقال هار . وزعم الكسائي أنه من ذوات الواو ومن ذوات الياء ، وأنه يقال : تهور وتهير .
قلت : ولهذا يمال ويفتح .
الثالثة : قوله تعالى فانهار به في نار جهنم فاعل ( انهار ) الجرف ; كأنه قال : فانهار الجرف بالبنيان في النار ; لأن الجرف مذكر . ويجوز أن يكون الضمير في ( به ) يعود على ( من ) وهو الباني ; والتقدير : فانهار من أسس بنيانه على غير تقوى . وهذه الآية ضرب مثل لهم ، أي من أسس بنيانه على الإسلام خير أم من أسس بنيانه على الشرك والنفاق . وبين أن بناء الكافر كبناء على جرف جهنم يتهور بأهله فيها . والشفا : الشفير . وأشفى على كذا أي دنا منه .
الرابعة : في هذه الآية دليل على أن كل شيء ابتدئ بنية تقوى الله تعالى والقصد لوجهه الكريم فهو الذي يبقى ويسعد به صاحبه ويصعد إلى الله ويرفع إليه ، ويخبر عنه بقوله : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام على أحد الوجهين . ويخبر عنه أيضا بقوله : والباقيات الصالحات على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
الخامسة : واختلف العلماء في قوله تعالى : فانهار به في نار جهنم هل ذلك حقيقة أو مجاز على ؛ قولين ; الأول : أن ذلك حقيقة وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أرسل إليه فهدم رئي الدخان يخرج منه ; من رواية سعيد بن جبير . وقال بعضهم : كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة . وذكر أهل التفسير أنه كان يحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان . وروى عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال : جهنم في الأرض ، ثم تلا فانهار به في نار جهنم . وقال جابر بن عبد الله : أنا رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( والثاني ) أن ذلك مجاز ، والمعنى : صار البناء في نار جهنم ، فكأنه انهار إليه وهوى فيه ; وهذا كقوله تعالى : فأمه هاوية . والظاهر الأول ، إذ لا إحالة في ذلك . والله أعلم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features