فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)

{ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ } صالح عليه السلام حين أحل اللّه بهم العذاب، { وَقَالَ } مخاطبا لهم توبيخا وعتابا بعدما أهلكهم اللّه: { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } أي: جميع ما أرسلني اللّه به إليكم، قد أبلغتكم به وحرصت على هدايتكم، واجتهدت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم. { وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } بل رددتم قول النصحاء، وأطعتم كل شيطان رجيم. واعلم أن كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء اقترحوها على صالح وأنها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها فصيلا حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل فيه وأن صالحا عليه السلام قال لهم: آية نزول العذاب بكم، أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني: محمرة، والثالث: مسودة، فكان كما قال. وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب اللّه، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه، بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى، لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا يهمله تعالى ويدع ذكره، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله، بل القرآن يكذب بعض هذه المذكورات، فإن صالحا قال لهم: { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } أي: تنعموا وتلذذوا بهذا الوقت القصير جدا، فإنه ليس لكم من المتاع واللذة سوى هذا، وأي لذة وتمتع لمن وعدهم نبيهم وقوع العذاب، وذكر لهم وقوع مقدماته، فوقعت يوما فيوما، على وجه يعمهم ويشملهم [احمرار وجوههم، واصفرارها واسودادها من العذاب] هل هذا إلا مناقض للقرآن، ومضاد له؟". فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه. نعم لو صح شيء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما لا يناقض كتاب اللّه، فعلى الرأس والعين، وهو مما أمر القرآن باتباعه { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب اللّه بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب اللّه يقينية، وتلك أمور لا تصدق ولا تكذب، فلا يمكن اتفاقهما.
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)

القول في تأويل قوله : فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فأدبر صالح عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله ، خارجًا عن أرضهم من بين أظهُرهم ، (9) لأن الله تعالى ذكره أوحَى إليه: إنّي مهلكهم بعد ثالثة. (10)
وقيل: إنه لم تهلك أمة ونبيها بين أظهُرها. (11)
فأخبر الله جل ثناؤه عن خروج صالح من بين قومه الذين عتوا على ربهم حين أراد الله إحلال عقوبته بهم، فقال: (فتولى عنهم) صالح= وقال لقومه ثمود=(لقد أبلغتكم رسالة ربي)، وأدّيت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربّي من أمره ونهيه (12) =(ونصحت لكم) ، في أدائي رسالة الله إليكم ، في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان=(ولكن لا تحبون الناصحين ) ، لكم في الله ، الناهين لكم عن اتباع أهوائكم ، الصادِّين لكم عن شهوات أنفسكم.
---------------------
الهوامش :
(9) انظر تفسير"تولى" فيما سلف 10: 575 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(10) في المطبوعة: "بعد ثلاثة" ، والصواب المحض ما أثبت من المخطوطة.
(11) انظر معاني القرآن 1: 385.
(12) انظر تفسير"الإبلاغ" فيما سلف: 10: 575/ 11: 95/ 12: 504.
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)

فتولى عنهم أي عند اليأس منهم .
وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم يحتمل أنه قال ذلك قبل موتهم . ويحتمل أنه قاله بعد موتهم ; كقوله عليه السلام لقتلى بدر : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فقيل : أتكلم هؤلاء الجيف ؟ فقال : ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يقدرون على الجواب . والأول أظهر . يدل عليه ولكن لا تحبون الناصحين أي لم تقبلوا نصحي .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features