قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

{ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ } من الآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها معه، فبارك الله في الجميع، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها.
{ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ } في الدنيا { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: هذا الإنجاء، ليس بمانع لنا من أن من كفر بعد ذلك، أحللنا به العقاب، وإن متعوا قليلا، فسيؤخذون بعد ذلك.
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

القول في تأويل قوله تعالى : قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: يا نوح، اهبط من الفلك إلى الأرض (15)
(بسلام منا) ، يقول: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا (16) ، (وبركات عليك) ، يقول: وببركات عليك (17) ، (وعلى أمم ممن معك) ، يقول: وعلى قرون تجيء من ذرية من معك من ولدك. فهؤلاء المؤمنون من ذرية نوح الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وبارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم. ثم أخبر تعالى ذكره نوحًا عما هو فاعل بأهل الشقاء من ذريته، فقال له: (وأمم) ، يقول: وقرون وجماعة (18) ، (سنمتعهم) في الحياة في الدنيا ، يقول: نرزقهم فيها ما يتمتعون به إلى أن يبلغوا آجالهم (19) ، (ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، يقول: ثم نذيقهم إذا وردوا علينا عذابًا مؤلمًا موجعًا. (20)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18250- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) ، إلى آخر الآية، قال: دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.
18251- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك)، قال: دخل في الإسلام كل مؤمن ومؤمنة، وفي الشرك كل كافر وكافرة. (21)
18252- حدثني المثني قال ، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك ، قراءةً عن ابن جريج: (وعلى أمم ممن معك) ، يعني : ممن لم يولد. قد قضى البركات لمن سبق له في علم الله وقضائه السعادة ، (وأمم سنمتعهم) ، من سبق له في علم الله وقضائه الشِّقوة. (22)
18253- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج بنحوه ، إلا أنه قال: (وأمم سنمتعهم) ، متاع الحياة الدنيا، ممن قد سبق له في علم الله وقضائه الشقوة. قال: ولم يهلك الوَلَد يوم غرق قوم نُوح بذنب آبائهم ، كالطير والسباع، ولكن جاء أجلهم مع الغرق.
18254- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم) ، قال: هبطوا والله عنهم راض، هبطوا بسلام من الله. كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر، ثم أخرج منهم نسلا بعد ذلك أممًا، منهم من رحم، ومنهم من عذب. وقرأ: (وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم) ، وذلك إنما افترقت الأمم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت.
18255- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) ، الآية، يقول: بركات عليك وعلى أمم ممن معك لم يولدوا، أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة ، (وأمم سنمتعهم) ، يعني: متاع الحياة الدنيا ، (ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة.
18256- حدثني المثني قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن: أنه كان إذا قرأ " سورة هود "، فأتى على: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك) ، حتى ختم الآية، قال الحسن: فأنجى الله نوحًا والذين آمنوا، وهلك المتمتعون ! حتى ذكر الأنبياء كل ذلك يقول: أنجاه الله وهلك المتمتعون.
18257- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال: بعد الرحمة.
18258- حدثنا العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، اخبرنا عبد الله بن شوذب قال، سمعت داود بن أبي هند يحدث ، عن الحسن : أنه أتى على هذه الآية: (اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال: فكان ذلك حين بعث الله عادًا، فأرسل إليهم هودًا، فصدقه مصدقون ، وكذبه مكذبون ، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجّى الله هودًا والذين آمنوا معه، وأهلك الله المتمتعين، ثم بعث الله ثمود، فبعث إليهم صالحًا، فصدقه مصدقون وكذبه مكذبون، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجى الله صالحًا والذين آمنوا معه وأهلك الله المتمتعين. ثم استقرأ الأنبياء نبيًّا نبيًّا ، على نحو من هذا.
-------------------------
الهوامش :
(15) انظر تفسير " الهبوط " فيما سلف 12 : 329 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير " السلام " فيما سلف من فهارس اللغة ( سلم ) .
(17) في المطبوعة والمخطوطة : " وبركات عليه " ، مرة أخرى ، ولم يفسرها أيضًا ، فإن لم يكن سقط من التفسير شيء ، فالصواب ما أثبت بزيادة الباء ، دلالة على العطف على ما قبله .
(18) انظر تفسير " الأمة " فيما سلف ص : 252 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(19) انظر تفسير " المتاع " فيما سلف من فهارس اللغة ( متع ) .
(20) انظر تفسير " المس " فيما سلف ص : 256 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(21) في المطبوعة : " دخل في السلام " ، غير ما في المخطوطة ، وأساء .
(22) في المطبوعة " الشقاوة " ، وأثبت ما في المخطوطة ، هنا وفي سائر المواضع الآتية .
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

يخبر تعالى عما قيل لنوح ، عليه السلام ، حين أرست السفينة على الجودي ، من السلام عليه ، وعلى من معه من المؤمنين ، وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة ، كما قال محمد بن كعب : دخل في هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة .
وقال محمد بن إسحاق : ولما أراد أن يكف الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض ، فسكن الماء ، وانسدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السماء ،
يقول الله تعالى : ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ) [ ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ] ) فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر ، وكان استواء الفلك على الجودي ، فيما يزعم أهل التوراة ، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ، وفي أول يوم من الشهر العاشر ، رئي رءوس الجبال . فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما ، فتح نوح كوة الفلك التي ركب فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما صنع الماء ، فلم يرجع إليه . فأرسل الحمامة فرجعت إليه ، لم تجد لرجليها موضعا ، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها . ثم مضى سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له . فرجعت حين أمست ، وفي فيها ورق زيتون فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض . ثم مكث سبعة أيام ، فلم ترجع ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين ، برز وجه الأرض ، وظهر اليبس وكشف نوح غطاء الفلك ورأى وجه الأرض ، وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ، في سبع وعشرين ليلة منه ( قيل يا نوح اهبط بسلام منا ) [ وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ] ) [ إلى آخر ] الآية .
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

قوله تعالى : قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم
قوله تعالى : قيل يا نوح اهبط بسلام منا أي قالت له الملائكة ، أو قال الله تعالى له : اهبط من السفينة إلى الأرض ، أو من الجبل إلى الأرض ; فقد ابتلعت الماء وجفت . بسلام منا أي بسلامة وأمن . وقيل : بتحية .
وبركات عليك أي نعم ثابتة ; مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته وإقامته . ومنه البركة لثبوت الماء فيها . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( نوح آدم الأصغر ) ، فجميع الخلائق الآن من نسله ، ولم يكن معه في السفينة من الرجال والنساء إلا من كان من ذريته ; على قول قتادة وغيره ، حسب ما تقدم ; وفي التنزيل وجعلنا ذريته هم الباقين .
وعلى أمم ممن معك قيل : دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة . ودخل في قوله وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم كل كافر إلى يوم القيامة ; روي ذلك عن محمد بن كعب . والتقدير على هذا : وعلى ذرية أمم ممن معك ، وذرية أمم سنمتعهم . وقيل : " من " للتبعيض ، وتكون لبيان الجنس . " وأمم سنمتعهم " ارتفع و " أمم " على معنى وتكون أمم . قال الأخفش سعيد كما تقول : كلمت زيدا وعمرو جالس . وأجاز الفراء في غير القراءة وأمما ، وتقديره : ونمتع أمما . وأعيدت " على " مع " أمم " لأنه معطوف على الكاف من " عليك " وهي ضمير المجرور ، ولا يعطف على ضمير المجرور إلا بإعادة الجار على قول سيبويه وغيره . وقد تقدم في " النساء " بيان هذا مستوفى في قوله تعالى : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام بالخفض . والباء في قوله : " بسلام " متعلقة بمحذوف ; لأنها في موضع الحال ; أي اهبط مسلما عليك . و " منا " في موضع جر متعلق بمحذوف ; لأنه نعت للبركات . وعلى أمم متعلق بما تعلق به " عليك " ; لأنه أعيد من أجل المعطوف على الكاف . و " من " في قوله : ممن معك متعلق بمحذوف ; لأنه في موضع جر نعت للأمم . و " معك " متعلق بفعل محذوف ; لأنه صلة ل " من " أي ممن استقر معك ، أو آمن معك ، أو ركب معك .
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

( قيل يا نوح اهبط ) انزل من السفينة ، ( بسلام منا ) أي بأمن وسلامة منا ، ( وبركات عليك ) البركة هي : ثبوت الخير ، ومنه : بروك البعير . وقيل : البركة هاهنا هي : أن الله تعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة ، ( وعلى أمم ممن معك ) أي : على ذرية أمم ممن كان معك في السفينة ، يعني على قرون تجيء من بعدك ، من ذرية من معك ، من ولدك وهم المؤمنون ، قال محمد بن كعب القرظي : دخل فيه كل مؤمن إلى قيام الساعة ( وأمم سنمتعهم ) هذا ابتداء ، أي : أمم سنمتعهم في الدنيا ، ( ثم يمسهم منا عذاب أليم ) وهم الكافرون وأهل الشقاوة .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features