وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21)

{ وَبَرَزُوا } أي: الخلائق { لِلَّهِ جَمِيعًا } حين ينفخ في الصور فيخرجون من الأجداث إلى ربهم فيقفون في أرض مستوية قاع صفصف، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ويبرزون له لا يخفى [عليه] منهم خافية، فإذا برزوا صاروا يتحاجون، وكل يدفع عن نفسه، ويدافع ما يقدر عليه، ولكن أني لهم ذلك؟
فيقول { الضُّعَفَاءُ } أي: التابعون والمقلدون { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } وهم: المتبوعون الذين هم قادة في الضلال: { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي: في الدنيا، أمرتمونا بالضلال، وزينتموه لنا فأغويتمونا، { فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } أي: ولو مثقال ذرة، { قَالُوا } أي: المتبوعون والرؤساء { أغويناكم كما غوينا } و { لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } فلا يغني أحد أحدا، { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا } من العذاب { أَمْ صَبَرْنَا } عليه، { مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } أي: من ملجأ نلجأ إليه، ولا مهرب لنا من عذاب الله.
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21)

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: ( وبرزوا لله جميعًا ) ، وظهر هؤلاء الذين كفروا به يوم القيامة من قبورهم ، فصاروا بالبَراز من الأرض (4) (جميعًا) ، يعني كلهم (5) ( فقال الضعفاء للذين استكبروا ) ، يقول: فقال التُّبَّاع منهم للمتبوعين ، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم (6) ( إنَّا كنا لكم تَبَعًا ) ، في الدنيا .
* * *
و " التبع " جمع " تابع " ، كما الغَيَب جمع " غائب ".
* * *
وإنما عنوا بقولهم: ( إنا كنا لكم تبعًا ) ، أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله ، وينتهون عما نهوهم عنه من اتّباع رسل الله ( فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ) ، يعنون: فهل أنتم دافعون عنَّا اليوم من عذاب الله من شيء. (7)
* * *
وكان ابن جريج يقول نحو ذلك:
20638 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( وقال الضعفاء ) ، قال: الأتباع ( للذين استكبروا ) ، قال: للقادة.
* * *
قوله: ( لو هدانا الله لهديناكم ) ، يقول عز ذكره: قالت القادةُ على الكفر بالله لتُبَّاعها: ( لو هدانا الله ) ، يعنون: لو بَيَّن الله لنا شيئًا ندفع به عَذَابَه عنا اليوم ( لهديناكم ) ، لبيَّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذابَ عن أنفسكم ، ولكنا قد جزعنا مِن العذاب ، فلم ينفعنا جزعُنا منه وصَبْرُنا عليه (8) ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) ، يعنون: ما لهم من مَراغٍ يرُوغون عنه . (9)
* * *
يقال منه: " حاص عن كذا " ، إذا راغ عنه ، " يَحِيصُ حَيْصًا ، وحُيُوصًا وحَيَصَانًا ". (10)
* * *
20639 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن الحكم ، عن عُمَر بن أبي ليلى ، أحد بني عامر ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني ، أو ذُكِر لي أن أهل النار قال بعضهم لبعضٍ: يا هؤلاء ، إنه قد نـزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون ، فهلمَّ فلنصبر ، فلعل الصَّبر ينفعنا ، كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا . قال: فيُجْمعون رأيهم على الصَّبر . قال ، فصبروا ، فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا: ( سواءٌ علينا أجزِعْنَا أم صبرنَا ما لنا من محيص ) ، أي من منجًى. (11)
20640 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) ، قال: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا ، فإنما أدركَ أهل الجنة الجنَّةَ ببكائهم وتضرُّعهم إلى الله ، فتعالوا نبكي ونتضرع إلى الله ! قال: فبكوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا ، فإنَّما أدرك أهل الجنة الجنّةَ بالصبر ، (12) تعالوا نصبر ! فصبروا صبرًا لم يُرَ مثله ، فلم ينفعهم ذلك ، فعند ذلك قالوا: ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) .
----------------------------
الهوامش :
(4) انظر تفسير " برز " فيما سلف 5 : 354 / 7 : 324 / 8 : 562 .
(5) انظر تفسير " الجميع " فيما سلف 15 : 212 .
(6) انظر تفسير " الضعفاء " فيما سلف 14 : 419 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " الاستكبار " فيما سلف 15 : 155 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(7) انظر تفسير " الإغناء " فيما سلف 166 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(8) انظر تفسير " الهدى " فيما سلف من فهارس اللغة ( هدي ) .
(9) في المطبوعة : " مزاغ " ، و " يزوغون " ، و " زاغ " ، كل ذلك بالزاي ، والذي في المخطوطة صواب محض .
(10) انظر تفسير " الحيص " فيما سلف 9 : 226 .
(11) الأثر : 20639 - " الحكم " ، هو " الحكم المكي " ، شيخ لعبد الله بن المبارك توقف الإمام البخاري في أمره . وقال ابن أبي حاتم : هو مجهول . قال البخاري : " الحكم المكي ، عن عمر بن أبي ليلى ، سمع منه ابن المبارك ومحمد بن مقاتل . وروى مروان ، يعني ابن معاوية ، عن الحكم بن أبي خالد ، مولى بني فزارة ، عن عمر بن أبي ليلى . قال الحسن بن علي ، وعن الحكم بن أبي خالد ، عن الحسن ، عن جابر ، في الجنة ، فلا أدري هذا من ذاك " . وكأن هذا إشارة إلى هذا الخبر نفسه .
وذكر في ترجمة " الحكم بن ظهير الفزاري " : " حدثنا محمد بن عبد العزيز ، قال حدثنا مروان ، عن الحكم بن أبي خالد ، مولى بني فزارة ، عن عمر بن أبي ليلى النميري ... " ، وقال مثل ما قال في ترجمة " الحكم المكي " . ثم ترجم " الحكم بن أبي خالد " ، ولم يذكر فيه شيئًا من هذا .
وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على ترجمة " الحكم المكي " ، ولم يذكر فيه " الحكم بن أبي خالد " .
وقال ابن حجر في التهذيب : " قال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : كان مروان بن معاوية يغير الأسماء ، يعمي على الناس ، يقول : حدثنا الحكم بن أبي خالد ، وإنما هو الحكم بن ظهير " .
وانظر هذا الذي ذكرت في الكبير للبخاري 1/2/336 ، 339 ، 342 ، وابن أبي حاتم 1/2/131 ، وميزان الاعتدال 1 : 273 ، ولسان الميزان 2 : 341 ، وتهذيب التهذيب .
و " عمر بن أبي ليلي " ، قال البخاري في الكبير 3/2/190 : " روى عنه الحكم المكي ، وقال بعضهم : " عمر بن أبي ليلى ، أخو بني عامر ، سمع محمد بن كعب ، قوله " . وزاد البخارى في ترجمة " الحكم بن ظهير " في نسبته " النميري " ، كما سلف قريبًا . وقال مثل ذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3/1/131 ، وزاد عن أبيه فقال : " سمعته يقول : هو مجهول " ، وفي ميزان الاعتدال 2 : 268 قال : " قلت حدث عنه ابن أبي فديك والواقدي " ، وزاد ابن حجر في لسان الميزان 4 : 224 قال : " وذكره ابن حبان في الثقات " .
وكان في المطبوعة : " عمرو بن أبي ليلى " ، غير ما هو ثابت في المخطوطة على الصواب .
و " محمد بن كعب القرظي " ، تابعي ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة لا تعد .
وهذا الخبر تالف ، لما علمت من أمر " الحكم المكي " وجهالته ، فإن كان هو " الحكم بن ظهير الفزاري " ، فهو متروك كما سلف مرارًا كثيرة .
(12) تلعب الناشر بالكلام فجعله : " فما أدرك أهل الجنة الجنة إلا بالصبر " ، فجعل " فإنما " " فما " ثم زاد " إلا " ! فاعجب لما فعل .
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21)

قوله عز وجل : ( وبرزوا لله جميعا ) [ أي : خرجوا من قبورهم إلى الله وظهروا جميعا ] ( فقال الضعفاء ) يعني : الأتباع ( للذين استكبروا ) أي : تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء : ( إنا كنا لكم تبعا ) جمع تابع ، مثل : حرس وحارس ( فهل أنتم مغنون ) دافعون ( عنا من عذاب الله من شيء ) .
( قالوا ) يعني القادة المتبوعين : ( لو هدانا الله لهديناكم ) أي : لو هدانا الله لدعوناكم إلى الهدى ، فلما أضلنا دعوناكم إلى الضلالة ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) مهرب ولا منجاة .
قال مقاتل : يقولون في النار : تعالوا نجزع ، فيجزعون خمسمائة عام ، فلا ينفعهم الجزع ، ثم يقولون : تعالوا نصبر ، فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم ، فحينئذ يقولون : ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) .
قال محمد بن كعب القرظي بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة . فقال الله تعالى : ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ) ( غافر - 49 ) ، فردت الخزنة عليهم : " أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى " ، فردت الخزنة عليهم : ( فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) ( غافر - 50 ) فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا : ( يا مالك ليقض علينا ربك ) ( الزخرف - 77 ) سألوا الموت ، فلا يجيبهم ثمانين سنة والسنة ستون وثلاثمائة يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين إنكم ماكثون ، فلما يئسوا مما قبله قال بعضهم لبعض : إنه قد نزل بكم من البلاء ما ترون فهلموا فلنصبر ، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم ، فأجمعوا على الصبر ، فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا : " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " ، أي : من منجى .
قال : فقام إبليس عند ذلك فخطبهم ، فقال : " إن الله وعدكم وعد الحق " الآية ، فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودوا : ( لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) ( غافر - 10 ) قالوا فنادوا الثانية : " فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ، فرد عليهم : ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) الآيات ( السجدة - 12 ، 13 ) فنادوا الثالثة : ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) ( إبراهيم 44 ) ، فرد عليهم : ( أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) الآيات ( إبراهيم - 44 ) ، ثم نادوا الرابعة : ( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) فرد عليهم : ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ) ، الآية ( فاطر - 37 ) قال : فمكث عليهم ما شاء الله ، ثم ناداهم : " ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون " ، فلما سمعوا ذلك قالوا : الآن يرحمنا ، فقالوا عند ذلك : " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " ، قال عند ذلك : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) ( المؤمنون 105 - 108 ) فانقطع عند ذلك الرجاء والدعاء عنهم ، فأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض ، وأطبقت عليهم النار .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features