الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)

وهذا أيضًا من مخازي المنافقين، فكانوا ـ قبحهم اللّه ـ لا يدعون شيئا من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالا، إلا قالوا وطعنوا بغيا وعدوانا، فلما حثَّ اللّه ورسوله على الصدقة، بادر المسلمون إلى ذلك، وبذلوا من أموالهم كل على حسب حاله، منهم المكثر، ومنهم المقل، فيلمزون المكثر منهم، بأن قصده بنفقته الرياء والسمعة، وقالوا للمقل الفقير‏:‏ إن اللّه غني عن صدقة هذا، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَ‏}‏ أي‏:‏ يعيبون ويطعنون ‏{‏الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ‏}‏ فيقولون‏:‏ مراءون، قصدهم الفخر والرياء‏.‏
{‏و‏}‏ يلمزون ‏{‏الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ‏}‏ فيخرجون ما استطاعوا ويقولون‏:‏ اللّه غني عن صدقاتهم ‏{‏فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ‏}
‏.‏ فقابلهم الله على صنيعهم بأن ‏{‏سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ فإنهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير‏.‏
منها‏:‏ تتبعهم لأحوال المؤمنين، وحرصهم على أن يجدوا مقالا يقولونه فيهم، واللّه يقول‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ ومنها‏:‏ طعنهم بالمؤمنين لأجل إيمانهم، كفر باللّه تعالى وبغض للدين‏.‏
ومنها‏:‏ أن اللمز محرم، بل هو من كبائر الذنوب في أمور الدنيا، وأما اللمز في أمر الطاعة، فأقبح وأقبح‏.‏
ومنها‏:‏ أن من أطاع اللّه وتطوع بخصلة من خصال الخير، فإن الذي ينبغي ‏[‏هو‏]‏ إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم عليه‏.‏
ومنها‏:‏ أن حكمهم على من أنفق مالا كثيرا بأنه مراء، غلط فاحش، وحكم على الغيب، ورجم بالظن، وأي شر أكبر من هذا‏؟‏‏!‏‏!‏
ومنها‏:‏ أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة‏:‏ ‏"‏اللّه غني عن صدقة هذا‏"‏ كلام مقصوده باطل، فإن اللّه غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير، بل وغني عن أهل السماوات والأرض، ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه، فاللّه ـ وإن كان غنيا عنهم ـ فهم فقراء إليه ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‏}‏ وفي هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهر بين، ولهذا كان جزاؤهم أن سخر اللّه منهم، ولهم عذاب أليم‏.‏
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)

قوله تعالى الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم
قوله تعالى الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات هذا أيضا من صفات المنافقين . قال قتادة : يلمزون يعيبون . قال : وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله ، وكان ماله ثمانية آلاف فتصدق منها بأربعة آلاف . فقال قوم : ما أعظم رياءه ; فأنزل الله : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات . وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة من تمره فقالوا : ما أغنى الله عن هذا ; فأنزل الله عز وجل والذين لا يجدون إلا جهدهم الآية . وخرج مسلم عن أبي مسعود قال : أمرنا بالصدقة - قال : كنا نحامل ، في رواية : على ظهورنا - قال : فتصدق أبو عقيل بنصف صاع . قال : وجاء إنسان بشيء أكثر منه فقال المنافقون : إن الله لغني عن صدقة هذا ، وما فعل هذا الآخر إلا رياء : فنزلت الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم . يعني أبا عقيل ، واسمه الحبحاب . والجهد : شيء قليل يعيش به المقل . والجهد والجهد بمعنى واحد . وقد تقدم . و ( يلمزون ) يعيبون . وقد تقدم . و ( المطوعين ) أصله المتطوعين أدغمت التاء في الطاء ; وهم الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير أن يجب عليهم . ( والذين ) في موضع خفض عطف على ( المؤمنين ) . ولا يجوز أن يكون عطفا على الاسم قبل تمامه . و ( فيسخرون ) عطف على ( يلمزون ) . سخر الله منهم خبر الابتداء ، وهو دعاء عليهم . وقال ابن عباس : هو خبر ; أي سخر منهم حيث صاروا إلى النار . ومعنى سخر الله : مجازاتهم على سخريتهم . وقد تقدم في " البقرة " .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features