يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64)

كانت هذه السورة الكريمة تسمى ‏{‏الفاضحة‏}‏ لأنها بينت أسرار المنافقين، وهتكت أستارهم، فما زال اللّه يقول‏:‏ ومنهم ومنهم، ويذكر أوصافهم، إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين‏:‏ إحداهما‏:‏ أن اللّه سِتِّيرٌ يحب الستر على عباده‏.‏
والثانية‏:‏ أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين، الذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلي يوم القيامة، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب، حتى خافوا غاية الخوف‏.‏
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا‏}
وقال هنا ‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ تخبرهم وتفضحهم، وتبين أسرارهم، حتى تكون علانية لعباده، ويكونوا عبرة للمعتبرين‏.‏
{‏قُلِ اسْتَهْزِئُوا‏}‏ أي‏:‏ استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية‏.‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ‏}‏ وقد وفَّى تعالى بوعده، فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم، وهتكت أستارهم‏.‏
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64)

قوله تعالى يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى يحذر المنافقون خبر وليس بأمر . ويدل على أنه خبر أن ما بعده ( إن الله مخرج ما تحذرون ) لأنهم كفروا عنادا . وقال السدي : قال بعض المنافقين والله وددت لو أني قدمت فجلدت مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ، فنزلت الآية . يحذر أي يتحرز . وقال الزجاج : معناه ليحذر ، فهو أمر ، كما يقال : يفعل ذلك .
الثانية : قوله تعالى أن تنزل عليهم ( أن ) في موضع نصب ، أي من أن تنزل . ويجوز على قول سيبويه أن تكون في موضع خفض على حذف ( من ) . ويجوز أن تكون في موضع نصب مفعولة ل ( يحذر ) ؛ لأن سيبويه أجاز : حذرت زيدا ، وأنشد :
حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
ولم يجزه المبرد ؛ لأن الحذر شيء في الهيئة . ومعنى ( عليهم ) أي على المؤمنين . ( سورة ) في شأن المنافقين تخبرهم بمخازيهم ومساويهم ومثالبهم ، ولهذا سميت الفاضحة والمثيرة والمبعثرة ، كما تقدم أول السورة . وقال الحسن : كان المسلمون يسمون هذه السورة الحفارة لأنها حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته .
الثالثة : قوله تعالى : قل استهزئوا هذا أمر وعيد وتهديد .
إن الله مخرج ما تحذرون أي مظهر ما تحذرون ظهوره . قال ابن عباس : أنزل الله أسماء المنافقين وكانوا سبعين رجلا ، ثم نسخ تلك الأسماء من القرآن رأفة منه ورحمة ؛ لأن أولادهم كانوا مسلمين والناس يعير بعضهم بعضا . فعلى هذا قد أنجز الله وعده بإظهاره ذلك إذ قال : إن الله مخرج ما تحذرون . وقيل : إخراج الله أنه عرف نبيه عليه السلام أحوالهم وأسماءهم لا أنها نزلت في القرآن ، ولقد قال الله تعالى : ولتعرفنهم في لحن القول وهو نوع إلهام . وكان من المنافقين من يتردد ولا يقطع بتكذيب محمد عليه السلام ولا بصدقه . وكان فيهم من يعرف صدقه ويعاند .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features