يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27)

يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم اللّه عليه من أوامره ونواهيه، فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولافمن أدى الأمانة استحق من اللّه الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي الأمانة‏.‏
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27)

قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون روي أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين أشار إلى بني قريظة بالذبح . قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله ; فنزلت هذه الآية . فلما نزلت شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد ، وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت ، أو يتوب الله علي . الخبر مشهور . وعن عكرمة قال : لما كان شأن قريظة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس ; فلما انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء جبريل عليه السلام على فرس أبلق فقالت عائشة رضي الله عنها : فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل عليهما السلام ; فقلت : هذا دحية يا رسول الله ؟ فقال : هذا جبريل عليه السلام . قال : يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف لي بحصنهم ؟ فقال جبريل : فإني أدخل فرسي هذا عليهم . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معرورى ; فلما رآه علي رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، لا عليك ألا تأتيهم ، فإنهم يشتمونك . فقال : كلا إنها ستكون تحية . فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا إخوة القردة والخنازير . فقالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت فحاشا ! فقالوا : لا ننزل على حكم محمد ، ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ ; فنزل . فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بذلك طرقني الملك سحرا . فنزل فيهم ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون . نزلت في أبي لبابة ، أشار إلى بني قريظة حين قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ ، لا تفعلوا فإنه الذبح ، وأشار إلى حلقه . وقيل : نزلت الآية في أنهم يسمعون الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم فيلقونه إلى المشركين ويفشونه . وقيل : المعنى بغلول الغنائم . ونسبتها إلى الله ; لأنه هو الذي أمر بقسمتها . وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه المؤدي عن الله عز وجل والقيم بها . والخيانة : الغدر وإخفاء الشيء ; ومنه : يعلم خائنة الأعين وكان عليه السلام يقول : اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئس البطانة . خرجه النسائي عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; فذكره .
وتخونوا أماناتكم في موضع جزم ، نسقا على الأول . وقد يكون على الجواب ; كما يقال : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . والأمانات : الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد . وسميت أمانة لأنها يؤمن معها من منع الحق ; مأخوذة من الأمن . وقد تقدم في " النساء " القول في أداء الأمانات والودائع وغير ذلك .
وأنتم تعلمون أي ما في الخيانة من القبح والعار . وقيل : تعلمون أنها أمانة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27)

قال عبد الله بن أبي قتادة والزهري : أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر ، حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشاروه في ذلك ، فأشار عليهم بذلك - وأشار بيده إلى حلقه - أي : إنه الذبح ، ثم فطن أبو لبابة ، ورأى أنه قد خان الله ورسوله ، فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه ، وانطلق إلى مسجد المدينة ، فربط نفسه في سارية منه ، فمكث كذلك تسعة أيام ، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد ، حتى أنزل الله توبته على رسوله . فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه ، وأرادوا أن يحلوه من السارية ، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه [ وسلم ] بيده ، فحله ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة ، فقال : يجزيك الثلث أن تصدق به .
وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي ، حدثنا محمد بن عبيد الله أبو عون الثقفي ، عن المغيرة بن شعبة قال : نزلت هذه الآية في قتل عثمان - رضي الله عنه - : ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ) الآية .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا القاسم بن بشر بن معروف ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا محمد بن المحرم قال : لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال : حدثني جابر بن عبد الله ؛ أن أبا سفيان خرج من مكة ، فأتى جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أبا سفيان في كذا وكذا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : إن أبا سفيان في موضع كذا وكذا ، فاخرجوا إليه واكتموا ، فكتب رجل من المنافقين إليه : إن محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم ، فأنزل الله [ عز وجل ] ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) الآية .
هذا حديث غريب جدا ، وفي سنده وسياقه نظر .
وفي الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم عام الفتح ، فأطلع الله رسوله على ذلك ، فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه ، واستحضر حاطبا فأقر بما صنع ، فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ، ألا أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ؟ فقال : دعه ، فإنه قد شهد بدرا ، ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قلت : والصحيح أن الآية عامة ، وإن صح أنها وردت على سبب خاص ، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء . والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وتخونوا أماناتكم ) الأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد - يعني الفريضة يقول : لا تخونوا : لا تنقضوها .
وقال في رواية : ( لا تخونوا الله والرسول ) يقول : بترك سنته وارتكاب معصيته .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير في هذه الآية ، أي : لا تظهروا لله من الحق ما يرضى به منكم ، ثم تخالفوه في السر إلى غيره ، فإن ذلك هلاك لأماناتكم ، وخيانة لأنفسكم .
وقال السدي : إذا خانوا الله والرسول ، فقد خانوا أماناتهم .
وقال أيضا : كانوا يسمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين . وقال عبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ] : نهاكم أن تخونوا الله والرسول ، كما صنع المنافقون .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features