إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

يخبر تعالى أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، أي: لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله، ولا تجدي عليهم شيئا من ثواب الله، كما قال تعالى: { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا } بل تكون أموالهم وأولادهم زادا لهم إلى النار، وحجة عليهم في زيادة نعم الله عليهم، تقتضي منهم شكرها، ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها، ولهذا قال: { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

قوله تعالى : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
قوله تعالى : إن الذين كفروا اسم إن ، والخبر لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا . قال مقاتل : لما ذكر تعالى مؤمني أهل الكتاب ذكر كفارهم ، وهو قوله : إن الذين كفروا . وقال الكلبي : جعل هذا ابتداء فقال : إن الذين كفروا لن تغني عنهم كثرة أموالهم ولا كثرة أولادهم من عذاب الله شيئا . وخص الأولاد لأنهم أقرب أنسابهم إليهم . وأولئك أصحاب النار ابتداء وخبر ، وكذا و هم فيها خالدون وقد تقدم جميع هذا .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ) أي : لا تدفع أموالهم بالفدية ولا أولادهم بالنصرة شيئا من عذاب الله ، وخصهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد . ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) وإنما جعلهم من أصحابها لأنهم أهلها لا يخرجون منها ولا يفارقونها ، كصاحب الرجل لا يفارقه .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الكوفة: ( وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ )، جميعًا، ردًّا على صفة القوم الذين وصفهم جل ثناؤه بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وقرأته عامة قرأة المدينة والحجاز وبعض قرأة الكوفة بالتاء في الحرفين جميعًا: ( " وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَروهُ " )، بمعنى: وما تفعلوا، أنتم أيها المؤمنون، من خير فلن يكفُرَكموه ربُّكم.
* * *
وكان بعض قرأة البصرة يرى القراءتين في ذلك جائزًا بالياء والتاء، في الحرفين.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: " وما يفعلوا، من خير فلن يُكفروه "، بالياء في الحرفين كليهما، يعني بذلك الخبرَ عن الأمة القائمة، التالية آيات الله.
وإنما اخترنا ذلك، لأن ما قبل هذه الآية من الآيات، خبر عنهم. فإلحاق هذه الآية = إذْ كان لا دلالة فيها تدل على الانصراف عن صفتهم = بمعاني الآيات قبلها، أولى من صرفها عن معاني ما قبلها. وبالذي اخترنا من القراءة كان ابن عباس يقرأ.
7664- حدثني أحمد بن يوسف التغلبيّ قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء قال: بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرأهما جميعًا بالياء. (75)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا، على ما اخترنا من القراءة: وما تفعل هذه الأمة من خير، وتعمل من عملٍ لله فيه رضًى، فلن يكفُرهم الله ذلك، يعني بذلك: فلن يبطل الله ثوابَ عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه، ولكنه يُجزل لهم الثواب عليه، ويسني لهم الكرامة والجزاء.
* * *
وقد دللنا على معنى " الكفر " فيما مضى قبل بشواهده، وأنّ أصله تغطية الشيء (76)
* * *
فكذلك ذلك في قوله: " فلن يكفروه "، فلن يغطّى على ما فعلوا من خير فيتركوا بغير مجازاة، ولكنهم يُشكرون على ما فعلوا من ذلك، فيجزل لهم الثواب فيه.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل تأوَّل من تأول ذلك من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
7665- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وما تفعلوا من خير فلن تكفروه " يقول: لن يضلّ عنكم.
7666- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بمثله.
* * *
وأما قوله: " والله عليم بالمتقين "، فإنه يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بمن اتقاه، لطاعته واجتناب معاصيه، وحافظٌ أعمالهم الصالحة حتى يثيبهم عليها ويجازيهم بها، تبشيرًا منه لهم جل ذكره في عاجل الدنيا، وحضًّا لهم على التمسك بالذي هم عليه من صالح الأخلاق التي ارتضاها لهم.
* * *
---------------
الهوامش :
(75) الأثر: 7664-"أحمد بن يوسف التغلبي" سلفت ترجمته في رقم: 5954 ، وأما المطبوعة فقد حذفت"التغلبي" ، لأن الناشر لم يحسن قراءة الكلمة ، فإنها كانت فيها"التعلبى" غير منقوطة ولا بينة ، فحذفها الناشر.
(76) انظر ما سلف 1: 255 ، 382 ، 552 ، ثم ما بعد ذلك في فهارس اللغة من الأجزاء السالفة.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

ثم قال تعالى مخبرا عن الكفرة المشركين بأنه ( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ) أي لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features