وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

{ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ } أي: لأجلكم، ولأجل منافعكم ومصالحكم، من جملة منافعها العظيمة أن لكم { فِيهَا دِفْءٌ } مما تتخذون من أصوافها وأوبارها، وأشعارها، وجلودها، من الثياب والفرش والبيوت.{ وَ } لكم فيها { مَنَافِعُ } غير ذلك { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

قوله تعالى : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : والأنعام خلقها لكم لما ذكر الإنسان ذكر ما من به عليه . والأنعام : الإبل والبقر والغنم . وأكثر ما يقال : نعم وأنعام للإبل ، ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة . قال حسان :
عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحسحاس قفر
تعفيها الروامس والسماء وكانت لا يزال بها أنيس
خلال مروجها نعم وشاء
فالنعم هنا الإبل خاصة . وقال الجوهري : والنعم واحد الأنعام وهي المال الراعية ، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل . قال الفراء : هو ذكر لا يؤنث ، يقولون : هذا نعم وارد ، ويجمع على نعمان مثل حمل وحملان . والأنعام تذكر وتؤنث ; قال الله - تعالى - : مما في بطونه . وفي موضع مما في بطونها . وانتصب الأنعام عطفا على الإنسان ، أو بفعل مقدر ، وهو أوجه .
الثانية : قوله تعالى : دفء الدفء : السخانة ، وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، ملابس ولحف وقطف . وروي عن ابن عباس : دفؤها نسلها ; والله أعلم قال الجوهري في الصحاح : الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها ; قال الله - تعالى - : لكم فيها دفء . وفي الحديث ( لنا من دفئهم ما سلموا بالميثاق ) . والدفء أيضا السخونة ، تقول منه : دفئ الرجل دفاءة مثل كره كراهة . وكذلك دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ . والاسم الدفء بالكسر وهو الشيء الذي يدفئك ، والجمع الأدفاء . تقول : ما عليه دفء ; لأنه اسم . ولا تقول : ما عليك دفاءة ; لأنه مصدر . وتقول : اقعد في دفء هذا الحائط أي كنه . ورجل دفئ على فعل إذا لبس ما يدفئه . وكذلك رجل دفآن وامرأة دفأى . وقد أدفأه الثوب وتدفأ هو بالثوب واستدفأ به ، وأدفأ به وهو افتعل ; أي لبس ما يدفئه . ودفؤت ليلتنا ، ويوم دفيء على فعيل وليلة دفيئة ، وكذلك الثوب والبيت . والمدفئة الإبل الكثيرة ; لأن بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها ، وقد يشدد . والمدفأة الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم ; عن الأصمعي . وأنشد الشماخ :
وكيف يضيع صاحب مدفآت على أثباجهن من الصقيع
قوله تعالى : ومنافع قال ابن عباس : المنافع نسل كل دابة . مجاهد : الركوب والحمل والألبان واللحوم والسمن .
ومنها تأكلون أفرد منفعة الأكل بالذكر لأنها معظم المنافع . وقيل : المعنى ومن لحومها تأكلون عند الذبح .
الثالثة : دلت هذه الآية على لباس الصوف ، وقد لبسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء قبله كموسى وغيره . وفي حديث المغيرة : فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين . . . الحديث ، خرجه مسلم وغيره . قال ابن العربي : وهو شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين ، واختيار الزهاد والعارفين ، وهو يلبس لينا وخشنا وجيدا ومقاربا ورديئا ، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية ; لأنه لباسهم في الغالب ، فالياء للنسب والهاء للتأنيث . وقد أنشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره الله :
تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

قوله تعالى ( والأنعام خلقها ) يعني الإبل والبقر والغنم ، ( لكم فيها دفء ) يعني : من أوبارها وأشعارها وأصوافها ملابس ولحفا تستدفئون بها ، ( ومنافع ) بالنسل والدر والركوب والحمل وغيرها ، ( ومنها تأكلون ) يعني لحومها .
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج ، وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع ، من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون ، ومن ألبانها يشربون ، ويأكلون من أولادها ،
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الأنعام، فسخَّرها لكم، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها ، ومنافع من ألبانها ، وظهورها تركبونها( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يقول: ومن الأنعام ما تأكلون لحمه كالإبل والبقر والغنم ، وسائر ما يؤكل لحمه ، وحذفت ما من الكلام لدلالة من عليها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، وعليّ بن داود، قال: المثنى أخبرنا، وقال ابن داود: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ) يقول: الثياب.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله.( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يعني بالدفء: الثياب، والمنافع: ما ينفعون به من الأطعمة والأشربة.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ) قال: لباس ينسج، ومنها مركب ولبن ولحم.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ) لباس ينسج ومنافع، مركب ولحم ولبن.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله ( لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ) قال: نسل كلّ دابة.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل بإسناده ، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ) يقول: لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: قال ابن عباس ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) قال: هو منافع ومآكل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ) قال: دفء اللحف (11) التي جعلها الله منها.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ) قال: نتاجها وركوبها وألبانها ولحومها.
------------------------
الهوامش:
(11) اللحف : جمع لحاف ، وهو كل ما يلتحف به الإنسان للدفء ، من عباءة ، وكساء ، ونحوهما.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features