إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)

{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } أي: من هؤلاء المحاربين، { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: فيسقط عنه ما كان لله، من تحتم القتل والصلب والقطع والنفي، ومن حق الآدمي أيضا، إن كان المحارب كافرا ثم أسلم، فإن كان المحارب مسلما فإن حق الآدمي، لا يسقط عنه من القتل وأخذ المال. ودل مفهوم الآية على أن توبة المحارب -بعد القدرة عليه- أنها لا تسقط عنه شيئا، والحكمة في ذلك ظاهرة. وإذا كانت التوبة قبل القدرة عليه، تمنع من إقامة الحد في الحرابة، فغيرها من الحدود -إذا تاب من فعلها، قبل القدرة عليه- من باب أولى.
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)

وقوله : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) أما على قول من قال : هي في أهل الشرك فظاهر ، وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم ، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل ، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء .
وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع ، وعليه عمل الصحابة ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن مجاهد عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة وكان قد أفسد في الأرض وحارب ، فكلم رجالا من قريش منهم : الحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن جعفر فكلموا عليا فلم يؤمنه . فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره ، ثم أتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين ، أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ، فقرأ حتى بلغ : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) قال : فكتب له أمانا . قال سعيد بن قيس : فإنه حارثة بن بدر .
وكذا رواه ابن جرير من غير وجه ، عن مجاهد عن الشعبي به . وزاد : فقال حارثة بن بدر :
ألا أبلغن همدان إما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها لعمر أبيها إن همدان تتقي ال
إله ويقضي بالكتاب خطيبها
وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي - ومن طريق أشعث كلاهما عن عامر الشعبي قال : جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله عنه ، بعدما صلى المكتوبة فقال : يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك ، أنا فلان بن فلان المرادي وإني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا ، وإني تبت من قبل أن يقدر علي . فقام أبو موسى فقال : إن هذا فلان بن فلان ، وإنه كان حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا ، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه ، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير ، فإن يك صادقا فسبيل من صدق ، وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه ، فأقام الرجل ما شاء الله ، ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله .
ثم قال ابن جرير : حدثني علي حدثنا الوليد بن مسلم قال : قال الليث وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني وهو الأمير عندنا : أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال ، فطلبه الأئمة والعامة ، فامتنع ولم يقدر عليه ، حتى جاء تائبا ، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر : 53 ] ، فوقف عليه فقال : يا عبد الله ، أعد قراءتها . فأعادها عليه ، فغمد سيفه ، ثم جاء تائبا . حتى قدم المدينة من السحر ، فاغتسل ، ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح ، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه ، فلما أسفروا عرفه الناس ، فقاموا إليه ، فقال : لا سبيل لكم علي جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي . فقال أبو هريرة : صدق . وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بن الحكم - وهو أمير على المدينة في زمن معاوية - فقال : هذا علي جاء تائبا ، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل . قال : فترك من ذلك كله ، قال : وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر ، فلقوا الروم فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم فاقتحم على الروم في سفينتهم ، فهربوا منه إلى شقها الآخر ، فمالت به وبهم ، فغرقوا جميعا .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features