رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

وذلك أنه أتى بـ "هاجر" أم إسماعيل وبابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو في الرضاع، من الشام حتى وضعهما في مكة وهي -إذ ذاك- ليس فيها سكن، ولا داع ولا مجيب، فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء فقال -متضرعا متوكلا على ربه: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي } أي: لا كل ذريتي لأن إسحاق في الشام وباقي بنيه كذلك وإنما أسكن في مكة إسماعيل وذريته، وقوله: { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } أي: لأن أرض مكة لا تصلح للزراعة.
{ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاة } أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة لأن إقامة الصلاة من أخص وأفضل العبادات الدينية فمن أقامها كان مقيما لدينه، { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } أي: تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه.
فأجاب الله دعاءه فأخرج من ذرية إسماعيل محمدا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي وإلى ملة أبيهم إبراهيم فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة.
وافترض الله حج هذا البيت الذي أسكن به ذرية إبراهيم وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرا على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد شوقه وعظم ولعه وتوقه، وهذا سر إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة.
{ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } فأجاب الله دعاءه، فصار يجبي إليه ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة المشرفة كل وقت والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

وهذا يدل على أن هذا دعاء ثان بعد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها - وذلك قبل بناء البيت ، وهذا كان بعد بنائه - تأكيدا ورغبة إلى الله - عز وجل - ; ولهذا قال : ( عند بيتك المحرم )
وقوله : ( ربنا ليقيموا الصلاة ) قال ابن جرير : هو متعلق بقوله : " المحرم " أي : إنما جعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده .
( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : لو قال : " أفئدة الناس " لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم ، ولكن قال : ( من الناس ) فاختص به المسلمون .
وقوله : ( وارزقهم من الثمرات ) أي : ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك وكما أنه ( واد غير ذي زرع ) فاجعل لهم ثمارا يأكلونها . وقد استجاب الله ذلك ، كما قال : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ) [ القصص : 57 ] وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته وبركته أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة ، وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها ، استجابة لخليله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features