فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

{‏فَإِنْ‏}‏ آمنوا، فذلك حظهم وتوفيقهم، وإن ‏{‏تَوَلَّوا‏}‏ عن الإيمان والعمل، فامض على سبيلك، ولا تزل في دعوتك، وقل ‏{‏حَسْبِيَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ الله كافيَّ في جميع ما أهمني، ‏{‏لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ‏}‏ أي‏:‏ لا معبود بحق سواه‏.‏
{‏عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ‏}‏ أي‏:‏ اعتمدت ووثقت به، في جلب ما ينفع، ودفع ما يضر، ‏{‏وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏ الذي هو أعظم المخلوقات‏.‏ وإذا كان رب العرش العظيم، الذي وسع المخلوقات، كان ربا لما دونه من باب أولى وأحرى‏.‏
تم تفسير سورة التوبة بعون اللّه ومنه فلله الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا‏.‏
فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

وهذه الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : ( فإن تولوا ) أي : تولوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، ( فقل حسبي الله ) أي : الله كافي ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، كما قال تعالى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] .
( وهو رب العرش العظيم ) أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، لأنه رب العرش العظيم ، الذي هو ، سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني محمد بن أبي بكر ، حدثنا بشر بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن أبي بن كعب قال : آخر آية نزلت من القرآن هذه الآية : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخر السورة .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبد المؤمن ، حدثنا عمر بن شقيق ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، رضي الله عنه ؛ أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر ، رضي الله عنه ، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب ، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة ( براءة ) : ( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) [ التوبة : 127 ] ، فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن . فقال لهم أبي بن كعب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) إلى : ( وهو رب العرش العظيم ) قال : " هذا آخر ما أنزل من القرآن " قال : فختم بما فتح به ، بالله الذي لا إله إلا هو ، وهو قول الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] غريب أيضا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن بحر ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنه ، قال : أتى الحارث بن خزمة بهاتين الآيتين من آخر ( براءة ) : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى عمر بن الخطاب ، فقال : من معك على هذا ؟ قال : لا أدري ، والله إني لأشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها . فقال عمر : وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم قال : لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن ، فضعوها فيها . فوضعوها في آخر ( براءة ) .
وقد تقدم أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما ، بجمع القرآن ، فأمر زيد بن ثابت فجمعه . وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك . وفي الصحيح أن زيدا قال : فوجدت آخر سورة " براءة " مع خزيمة بن ثابت - أو : أبي خزيمة وقدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها ، والله أعلم .
وقد روى أبو داود ، عن يزيد بن محمد ، عن عبد الرزاق بن عمر - وقال : كان من ثقات المسلمين من المتعبدين ، عن مدرك بن سعد - قال يزيد : شيخ ثقة - عن يونس بن ميسرة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : من قال إذا أصبح وإذا أمسى : حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، إلا كفاه الله ما أهمه .
وقد رواه ابن عساكر في ترجمة " عبد الرزاق بن عمر " هذا ، من رواية أبى زرعة الدمشقي ، عنه ، عن أبي سعد مدرك بن أبي سعد الفزاري ، عن يونس بن ميسرة بن حليس ، عن أم الدرداء ، سمعت أبا الدرداء يقول : ما من عبد يقول : حسبي الله ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، صادقا كان بها أو كاذبا ، إلا كفاه الله ما همه .
وهذه زيادة غريبة . ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد ، عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق ، عن جده عبد الرزاق بن عمر ، بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة . وهذا منكر ، والله أعلم .
آخر سورة ( براءة ) ، والحمد لله وحده .
فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

قوله تعالى فإن تولوا فقل حسبي الله أي إن أعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من الله عليهم بها فقل حسبي الله أي كافي الله تعالى .
لا إله إلا هو عليه توكلت أي اعتمدت وإليه فوضت جميع أموري .
وهو رب العرش العظيم خص العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه إذا ما ذكره . وقراءة العامة بخفض العظيم نعتا للعرش . وقرئ بالرفع صفة للرب ، رويت عن ابن كثير ، وهي قراءة ابن محيصن وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال : من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات ، كفاه الله ما أهمه صادقا كان بها أو كاذبا . وفي نوادر الأصول عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال عشر كلمات عند دبر كل صلاة وجد الله عندهن مكفيا مجزيا خمس للدنيا وخمس للآخرة حسبي الله لديني حسبي الله لدنياي حسبي الله لما أهمني حسبي الله لمن بغى علي حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن كادني بسوء حسبي الله عند الموت حسبي الله عند المسألة في القبر حسبي الله عند الميزان حسبي الله عند الصراط حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب .
وحكى النقاش عن أبي بن كعب أنه قال : أقرب القرآن عهدا بالله تعالى هاتان الآيتان لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة ; وقد بيناه . وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما نزل من القرآن لقد جاءكم رسول من أنفسكم وهذه الآية ; ذكره الماوردي . وقد ذكرنا عن ابن عباس خلافه ; على ما ذكرناه في ( البقرة ) وهو أصح . وقال مقاتل : تقدم نزولها بمكة . وهذا فيه بعد لأن السورة مدنية والله أعلم . وقال يحيى بن جعدة : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد عليها رجلان فجاءه رجل من الأنصار بالآيتين من آخر سورة ( براءة ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم فقال عمر : والله لا أسألك عليهما بينة كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم فأثبتهما . قال علماؤنا : الرجل هو خزيمة بن ثابت وإنما أثبتهما عمر رضي الله عنه بشهادته وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فإن تلك ثبتت بشهادة زيد وخزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم هذا المعنى في مقدمة الكتاب والحمد لله .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features